الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - الإمام أحمد ومسنده
قال الشوكاني:
وأما أحمد بن حنبل فهو الإمام الكبير، المجمع على إمامته وجلالته، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيابني، رحل إلى الشام والحجاز واليمن وغيرها، وسمع من سفيان بن عيينة وطبقته، وروى عنه جماعة من شيوخه وخلائق آخرون لا يحصون، منهم البخاري ومسلم.
قال أبو زرعة: كانت كتب أحمد بن حنبل اثني عشر حملاً وكان يحفظها عن ظهر قلبه وكان يحفظ ألف ألف حديث.
ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين على الأصح، وله كرامات جليلة وامتحن المحنة المشهورة. وقد طول المؤرخون ترجمته وذكروا فيها عجائب وغرائب، وترجمة الذهبي في (سير أعلام النبلاء) في مقدار خمسين ورقة وأفردت ترجمته بمصنفات مستقلة.
وله رحمه الله المسند الكبير انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به وبالغ بعضهم فأطلق على جميع ما فيه أنه صحيح، وأما ابن الجوزي فأدخل كثيراً منه في موضوعاته، في كتاب الموضوعات لابن الجوزي، حيث أورد فيه أحاديث موضوعة مكذوبة.
لكنه رحمه الله كان يورد أحاديث ضعيفة، بل حسنة وصحيحة في كتابه - وتعقبه بعضهم في بعضها، وقد حقق الحافظ ابن حجر نفي الوضع عن جميع أحاديثه وأنه أحسن انتقاء وتحريراً من الكتب التي لم يلتزم مصنفوها الصحة في جميعها كالموطأ والسنن الأربعة، وليست الأحاديث الزائدة فيه على الصحيحين بأكثر ضعفاً من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي، وقد ذكر العراقي أن فيه تسعة أحاديث موضوعة، وأضاف إليها خمسة عشر حديثاً أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه، وأجاب عنها حديثاً حديثاً. قال
السيوطي: وقد فاته أحاديث أخر أوردها ابن الجوزي وهي فيه وقد جمعها السيوطي في جزء سماه (الذيل الممهد) وذب عنها وعدتها أربعة عشر حديثاً. قال الحافظ ابن حجر في كتابه، (تعجيل المنفعة في رجال الأربعة) ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفاً، قال: والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهواً، قال الهيثمي في زوائد المسند: إن مسند أحمد أصح صحيحاً من غيره، لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته. قال السيوطي في خطبة كتابه (الجامع الكبير) ما لفظه: وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن.
وقال صاحب الرسالة المستطرفة:
ومسند الإمام الأوحد محيي السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي، ثم البغدادي المتوفى ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكان يحفظ ألف ألف حديث، ومسنده هذا يشتمل على ثمانية عشر مسنداً أولها مسند العشرة، وما معه من زيادات ولده عبد الله ويسير من زيادات أبي بكر القطيعي الراوي عن عبد الله.
وقد اشتهر عند كثير من الناس أنه أربعون ألف حديث. قال أبو موسى المديني: لم أزل أسمع ذلك من الناس حتى قرأته على أبي منصور بن زريق. وقد صرح بذلك الحافظ شمس الدين محمد بن الحسين في التذكرة فقال: عدة أحاديثه أربعون ألفاً بالمكرر. وقال ابن المنادي: إنه ثلاثون ألفاً، والاعتماد على قوله دون غيره. وقد انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به عنده، وتفضيل ابن الصلاح كتب السنن عليه منتقد، وبالغ بعضهم فأطلق عليه اسم الصحة، والحق أن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها أشد في الضعف من بعض، حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيراً منها في موضوعاته، ولكن تعقبه في بعضها الحافظ أبو الفضل العراقي، وفي سائرها الحافظ ابن حجر في (القول المسدد في الذب عن مسند أحمد) والسيوطي في ذيله المسمى:(الذيل الممهد على القول المسدد). وحقق الأول منهما نفي الوضع عن جميع أحاديثه، وأنه أحسن انتقاء وتحريراً من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها. قال: وليست الأحاديث الزائدة
فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفاً من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي عليهما. وقال غيره: ما ضعف من أحاديثه أحسن حالاً مما يصححه كثير من المتأخرين.
وقد رتبه على الأبواب بعض الحفاظ الأصبهانيين، وكذا الحافظ ناصر الدين بن زريق، وكذا بعض من تأخر عنه، ورتبه على حروف المعجم في أسماء المقلين الحافظ أبو بكر بن المحب، ولولده أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل البغدادي الحافظ المتوفى سنة تسعين ومائتين كتاب في زوائد مسنده هذا وهو نحو من ربعه في الحجم، قيل إنه مشتمل على عشرة آلاف حديث، وله أيضاً زوائد كتاب الزهد لأبيه، وللإمام الحافظ أبي بكر محمد بن الحافظ أبي محمد عبد الله المقدسي الحنبلي ترتيب مسند أحمد هذا على حروف المعجم.
ومن أجود الخدمات المعاصرة التي قدمت لمسند الإمام أحمد: خدمة الشيخ أحمد شاكر له على أنها خدمة لم تتم، وخدمة الشيخ عبد الرحمن البنا والد الشيخ حسن البنا - رحم الله الجميع - إذ رتب المسند على حسب الأبواب الفقهية والعلمية وشرحه.
وقال المناوي في التعريف بالإمام أحمد وبكتابه:
والإمام أحمد هو ابن محمد بن حنبل، الناصر للسنة، الصابر على المحنة، الذي قال فيه الشافعي: ما ببغداد أفقه ولا أزهد منه. وقال إمام الحرمين: غسل وجه السنة من غبار البدعة وكشف الغمة عن عقيدة الأمة.
ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومائة، وروى عن الشافعي وابن مهدي وخلق وعنه الشيخان وغيرهما، ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وارتجت الدنيا لموته.
قال ابن المديني: مسنده - وهو نحو أربعين ألفاً - أصل من أصول الإسلام، وقال ابن الصلاح: مسند أحمد ونحوه من المسانيد كأبي يعلي والبزار والدارمي وابن راهويه وعبد بن حميد لا يلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها - أي كسنن ابن ماجه - في الاحتجاج بها والركون إليها. وقال العراقي: وجود الضعيف في مسند أحمد محقق، بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء. وتعقبه تلميذه الحافظ ابن حجر بأنه ليس فيه حديث لا أصل له
إلا أربعة منها خبر ابن عوف أنه يدخل الجنة زحفاً. قال (أعني ابن حجر في تجريد زوائد البزار): وإذا كان الحديث في مسند أحمد لا يعزى لغيره من المسانيد.
* * *