الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في حصار الشِّعْب
بدأ حصار الشعب في السنة السابعة للبعثة، واستمر ثلاث سنوات وانتهى على القول الراجح في المحرم من السنة العاشرة. تعاقدت قريش على بني هاشم وبني المطلب ألا ينكاحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل، وكتبوا هذا في صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب إلى شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، واشتد الحصار وقطعت عنهم الميرة والمادة حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً ولا يشترون حوائج إلا في الأشهر الحرم أو مما يرد إلى مكة من خارجها، ومع ذلك كانت قريش تزيد عليهم في السعر، ثم تحركت عواطف أهل النخوة والأريحية فأبطلوا الصحيفة، ولما أرادوا تمزيقها وجدوا الأرضة أكلتها إلا قولهم (باسمك اللهم). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عمه بذلك فكانت معجزة، وقد ذكر البخاري حادثتين أشار فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تقاسم المشركين على كفرهم هذا في خيف (1) بني كنانة مرة بمناسبة غزوة حنين ومرة بمناسبة الحج، وكتب السيرة طافحة بأخبار هذا الحصار ومأسيه، وقد ذكره البخاري في صحيحه مرتين وها نحن ننقل إحدى الروايتين وننقل ما ذكره ابن حر بمناسبة إحداهما:
117 -
* روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من الغد يوم النحر وهو بمنى: "نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر" يعني بذلك المحصب، وذلك أن قُريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب - أو بني المطلب - أن لا يُنكاحوهم ولا يُبايعوهم حتى يُسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال سلامةُ عن
(1) خيف: الخيف: الناحية أو ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسب مسيل الماء وبها سمي مسجد الخيف أو لأنها ناحية من منى.
117 -
البخاري (2/ 453) 25 - كتاب الحج - 45 - باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة.
الحصب: الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح، أو المحصب موضع رمي الجمار بمنى.
عُقيل ويحيى بن الضحاك عن الأوزاعي: أخبرني ابنُ شهاب وقالا: بني هاشم وبني المطلب، قال أبو عبد الله بن يالمطلب أشبه.
قال ابن حجر: قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي: لما رأت قريش أن الصحابة قد نزلوا أرضاً أصابوا بها أماناً وأن عمر أسلم وأن الإسلام فشا في القبائل، أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله، فأجابوه إلى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية، فلما رأت قريش ذلك أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتاباً أن لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلوا ذلك، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت أصابعه، ويقال إن الذي كتبها النضر ابن الحارث، وقيل طلحة بن أبي طلحة العبدي، قال ابن إسحاق: فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب فكانوا معه كلهم إلا أبا لهب فكان مع قريش، وقيل كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من البعثة، قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ولم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفية، حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئاً من الصلات.
إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر من أشدهم في ذلك صنيعاً هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جده، فكان يصلهم وهم في الشعب، ثم مشى إلى زهير بن أبي أمية وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فكلمه في ذلك فوافقه، ومشيا جميعاً إلى المطعم بن عدي وإلى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك، فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وأنكروه وتواطئوا عليه فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل. وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها. وذكر ابن هشام أنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله تعالى. وأما ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسماً لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة، فالله أعلم.