الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في انشقاق القمر
ذكر البخاري انشقاق القمر بين إسلام عمر بن الخطاب وبين هجرة الحبشة، وقد فهم من ذلك ابن حجر إشارة إلى أن حادثة انشقاق القمر كانت في تلك المرحلة قال:
جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، ولم يذكر انشقاق القمر فاقتضى صنيع المؤلف أنه وقع في تلك الأيام، وقد ذكر ابن إسحاق من وجه آخر أن إسلام عمر كان عقب هجرة لحبشة الأولى أهـ. وقد ذكر الألوسي في تفسيره بصيغة الجزم أن انشقاق القمر كان قبل الهجرة بنحو خمس سنين.
وبناء على قول الألوسي فإن انشقاق القمر كان بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة وخلال حصار الشعب وإني أرجح ذلك، فحصار الشعب كان أشد المحن، وفي المحن تأتي التثبيتات في الغالب، ومعجزة انشقاق القمر كانت من أشد التثبيتات.
119 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يُريهم آية، فأراهم انشقاق القمر.
وفي أخرى: فأراهم القمر شقين (1).
وزاد الترمذي (2): فنزلت: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} - إلى - {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (3) يقول: ذاهب.
120 -
* روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمرُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشهدوا" وفي أخرى: ونحن معه، فقال
119 - البخاري (6/ 631) 61 - كتاب المناقب - 37 - باب: سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر. ومسلم (4/ 2154) - 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - 8 - باب: انشقاق القمر.
(1)
البخاري (7/ 182) 62 - كتاب مناقب الأنصار 36 - باب انشقاق القمر.
(2)
الترمذي (5/ 297) 48 - كتاب تفسير القرآن - 55 - باب: ومن سورة القمر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
سورة القمر: 1، 2.
120 -
ومسلم (4/ 2158) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - 8 - باب: اشقاق القمر.
"اشهدُوا، اشهدُوا"،
وفي أخرى قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، إذ انفلق القمر فلقتين، فلقة وراء الجبل، وفلقة دونهُ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشهدوا".
وللبخاري (1) قال: وقال مسروق عن عبد الله (بمكة) وأخرج الترمذي مثله.
121 -
* روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، مثل حديث قبلهُ قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين، فستر الجبل فلقة، وكانت فلقة فوق الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم اشهد".
122 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن القمر انشق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
123 -
* روى الترمذي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، صار فرقتين على ها الجبل، وعلى هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
وزاد رُزين: فكانوا يتلقون الركبان، فيخبرونهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم.
أقول: وفي رواية أبي نعيم في الدلائل: فما قدم عليهم أحد إلا أخبرهم بذلك، ذكره في الفتح.
لقد روى هذه الحادثة ابن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة، قال ابن حجر: وهؤلاء شاهدوها. ورواها من صغار الصحابة عن كبارهم ابن عباس وأنس مما يدل على أن ذلك كان متداولاً يرويه الصغار عن الكبار.
121 - مسلم (4/ 2159) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - 8 - باب انشقاق القمر.
(1)
البخاري: (6/ 631) 61 - كتاب المناقب - 2 - باب: سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر.
ومسلم (4/ 3159) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - 8 - باب: انشقاق القمر.
122 -
الترمذي (5/ 298) 48 - كتاب تفسير القرآن - 55 - باب: ومن سورة القمر. وقال: حديث حسن.
قال ابن عبد البر: قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا، ويؤيد ذلك بالآية الكريمة، فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر.
وقال صاحب الفتح الرباني:
وهذا من المعجزات الكونية التي لم تسبق لنبي غير نبينا صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة.
قال: وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.
وقال في التاريخ: وقد أجمع المسلمون على وقوع ذلك زمنه، وجاءت بذلك الأحاديث المتواترة من طرق متعددة تفيد القطع عند من أحاط بها ونظر فيها، وذكر كثيراً من الأحاديث وطرقها في التفسير والتاريخ، أهـ.
وقال الخطابي: انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجاً من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر، وقد أنكر ذلك بعضهم فقال: لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أمره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس مشاهدة، فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد، فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التسيير والتنجيم، إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره. والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلاً لأن القمر لا سلطان به بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نياماً ومستكينين بالأبنية، والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل أنه كان في ذلك الوقت مشغولاً بما يلهيه من سمر وغيره، ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه، فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس، وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه،
ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر. ثم أبدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه إلا القرآن بما حاصله: إن معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في إدراكها بالحس، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية، فاختص بها القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الأفهام، ولو كان إدراكها عاماً لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم. أهـ من الفتح.
أقول: لما كان هناك خلاف بين الأئمة في تواتر انشقاق القمر، ولما كانت الآية {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قابلة للتأويل الضعيف بمعنى أنه سينشق، فإننا لا نحكم بكفر من أنكر الانشقاق، لكنه إما ضال وإما فاسق لتكذيبه الأحاديث الصحيحة، وعلى العموم فمثل هذا الإنكار دليل على مرض القلب.
* * *