الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفظ أمر السماء بعد النبوة:
59 -
* روى البخاري عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظٍ، وقد حِيلَ بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبني خبر السماء، وأرسلت علينا الشهبُ. قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟ قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخالة وهُو عامدٌ إلى سوق عكاظٍ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بنكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا، إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نُشرك بربنا أحداً. وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (1) وإنما أوحي إليه قول الجن.
هذه رواية البخاري. وقد أخرجها مسلم مع زيادة فيها نفي ابن عباس لرؤية الجن
59 - البخاري (8/ 669) 65 - كتاب التفسير باب - 1، سورة (قل أوحي إليَّ).
ومسلم (1/ 321) 4 - كتاب الصلاة - 33 - باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن.
هامدين: عمدتُ إلى الشيء: قصدت نحوه. عكاظ: موسم معروف للعرب قال في الفتح، بل كان من أعظم مواسمهم، وهو نخل في واد بين مكة والطائف وهو إلى الطائف أقرب، بينهما عشرة أميال، وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن. وقال البكري: أول ما أحدثتْ قبل الفيل بخمس عشرة سنة، ولم تزل سوقاً إلى سنة تسع وعشرين ومائة، فخرج الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن، وكانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان:
سأنشر إن حييت لكم كلاماً
…
ينشر في المجامع من عكاظ
وكان المكان الذي يجتمعون به منه يقال له الابتداء. وكانت هناك صخور يطوفون حولها، ثم يأتون بحنة فيقيمون بها عشرين ليلة من ذي القعدة. ثم يأتون ذا المجاز، وهو خلف عرفة فيقيمون به إلى وقت الحج.
جيل: حلت بين الشيئين: فصلت بينهما، ومنعت أحدهما من الآخر. تِهامة: بكسر التاء: وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة. نخلة: بفتح النون وسكون المعجمة. موضع بين مكة والطائف، على ليلة من مكة، وهي التي ينسب إليها بطن نخل. وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر: المراد به ههنا صلاة الغداة في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس لأن الصلوات الخمس فرضت ليلة الإسراء، أما قبل ذلك فقد كان الفرض صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها.
وذلك محمول على ما كان في ابتداء النبوة وهو ما ذكره ابن عباس هنا، أما رواية ابن مسعود التي ذكر فيها اجتماع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجن فتلك حادثة متأخرة سنراها، قال الحافظ في الفتح جامعاً بين نفي ابن عباس وإثبات ابن مسعود (ويمكن الجمع بالتعدد).
قال في الفتح:
وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن وأنهما لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان، فلا يقال لمن آمن منهم إنه شيطان. وفيه أن الصلاة في الجماعة شرعت قبل الهجرة. وفيه مشروعيتها في السفر. والجهر بالقراءة في صلاة الصبح، وأن الاعتبار بما قضى الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما يظهر منه من شر ولو بلغ ما بلغ، لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للتوجه إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها. ومع ذلك فغلب عليهم ما قضي لهم من السعادة بحسن الخاتمة. أهـ.
وهناك روايات صحيحة تثبت أن الشهب كانت موجودة قبل البعث فلا تعارض بغيرها لذلك قال الزهري في قوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (1) غلظ أمرها وشدد.
قال في الفتح: والشهب عند علماء الكون نيازك تشتعل إذا اصطدمت بالهواء من جراء الاحتكاك.
وإثبات هذا المعنى لا ينفي أن يكون لبعضها آثار على عالم الجن فأن يكون لشيء واحد مظهر حسي وارتباط عيني فذلك جائز كالموت يكون له سبب حسي كالمرض وهو أثر عن نزع الروح كذلك.
ومن فكرة أن اشتعال النيازك إنما يكون بعد ملامستها الهواء، ومن تفسير المفسرين:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} أي قصدناها فُهِمَ أن مقاعد الجن في السماء إنما هي في جو الأرض.
والتشديد في حراسة السماء لا يمنع أن يستمر الجن في المحاولة وأن يسمعوا شيئاً.
(1) الجن: 1.
قال صاحب الفتح:
فإن الشياطين مع شدة التغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم في استراق السمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بما بعده، وقد قال عمر لغيلان بن سلمة لما طلق نساءه: إني أحسب أن الشياطين فيما تسترق السمع سمعت بأنك ستموت فألقت إليك ذلك الحديث، أخرجه عبد الرزاق وغيره. فهذا ظاهر في أن استراقهم السمع استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقصدون استماع الشيء مما يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلا أن اختطف أحدهم بخفة حركته خطفة فيتبعه الشهاب، فإن أصابه قبل أن يلقيه لصحبه فاتت وإلا سمعوها وتداولها. أهـ.
ومن الحديث نعلم أن السماء قد حفظت من بدء رسالته عليه الصلاة والسلام حتى لا يشتبه أمر النبوة على الخلق.
* * *