الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في الدعوة السرية
بعد نزول قوله تعالى {اقْرَأْ} عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث على خديجة وورقة بن نوفل فآمنا ابتداء لمجرد العرض دون دعوة منه عليه الصلاة والسلام، وبنزول قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ....} (1) أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم مكلفاً بالإنذار ومكلفاً بالصلاة والطهارة والتوحيد والصبر وتجنب الأوثان، وهي هي التكاليف التي جاءت بعد فترة الوحي، ولم يسبق ذلك إلا التكليف بالقراءة باسم الله وذلك في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
…
} (2) وهكذا بدأ التكليف بالتوحيد والعبادة والدعوة والصبر. والعبادة في هذه المرحلة تتلخص في الصلاة وقراءة القرآن والذكر والفكر، فالصلاة رافقت نزول سورة المدثر، وعلى رواية المقريزي أنها رافقت نزول سورة اقرأ، ولذلك فسنرى روايات تذكر الصلاة من الابتداء، وقد دخل في تكليف الصلاة ابتداء صلاة في الصباح وصلاة في المساء على سعة في الوقتين، ثم تكليف بقيام الليل {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا
…
} (3) وبعد سنة خفف الأمر بقيام الليل عن عامة المسلمين وبقي في حقه عليه الصلاة والسلام فريضة، واستمر الحال على ذلك حتى حادثة الإسراء والمعراج إذ فرضت الصلوات الخمس، وقد بدأت الدعوة سرية وفردية حتى جاء الأمر بالجهر بالإنذار والصدع بالدعوة وذلك على القول الراجح بعد ثلاث سنين من البعثة، ويبدو أن الاضطهاد بدأ مبكراً منذ هذه المرحلة، واشتد بعد الجهر بالدعوة مما ألجأ إلى الاختباء في دار الأرقم ثم أسفر عن الهجرتين إلى الحبشة، وقد شدد المشركون القبضة بفرض المقاطعة والحصار مما ألجأ المسلمين ومن تعاطف معهم إلى الانكماش في شعب أبي طالب
…
كما سنراه.
وإذ كنا لا نملك تأريخاً محققاً لكل حادثة في المرحلة المكية متى كانت إلا في حدود ضيقة، فإننا سنعرض الروايات على تسلسل معين مستأنسين لهذا التسلسل ببعض المعاني، لكنه في الكثير من الأحيان لا يصل إلى حد الجزم فليلاحظ القارئ ذلك، فبعض
(1) المدثر: 1 - 4.
(2)
العلق: 1.
(3)
المزمل: 1 - 2.
الروايات التي نذكرها قبل الهجرتين إلى الحبشة قد يكون زمنها بعد الهجرتين، وبعض الروايات التي نذكرها بعد الهجرتين قد تكون وقعت قبلهما.
ولنعد إلى استعراض الحال قبل نزول الأمر بالجهر بالدعوة، فالدعوة في هذه المرحلة سرية وفردية وقد قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه أو بمن استجاب له كأبي بكر رضي الله عنه.
قال المقريزي:
ثم استجاب له عبادُ الله من كل قبيلةٍ، فكان حائز قصب السبق؛ أبو بكر عبد الله بن أبي قُحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه فآزره في دين الله وصدقه فيما جاء به، ودعا معه إلى الله على بصيرة، فاستجاب لأبي بكر رضي الله عنه جماعة منهم: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصي القرشي الأموي، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، وسعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، والزبير بن العوام بن خُويلد بن أسد بن عبد العزى بن قُصي الأسدي، وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زُهرة بن كلاب القرشي الزهري، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استجابوا له بالإسلام وصلوا، فصار المسلمون ثمانية نفر، أول من أسلم وصلى الله تعالى.
وأما عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي فلم يشرك بالله قط، وذلك أن الله تعالى أراد به الخير فجعله كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وأخبر خديجة رضي الله عنها وصدقت، كانت هي وعلي بن أبي طالبن وزيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العُزى بن امرئ القيس بن عامر ابن عبد وُد ابن كنانة بن عوف بن عُذرة بن زيد اللات بن رُفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي، حِبُّ رسول الله صلى الله لعيه وسلم يصلون معه، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الكعبة أول النهار فيصلي صلاة الضحى، وكانت صلاة لا تنكرها قريش. وكان إذا صلى في سائر اليوم بعد ذلك قعد عليٌّ أو زيدٌ رضي الله عنهما يرصُدانه.
وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشِّعاب فُرادى ومثنى، وكانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين قبل الهجرة. فلم يحتج علي رضي الله عنه أن يُدعى، ولا كان مشركاً حتى يوحد فيقال أسلم، بل كان - عندما أوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرهُ ثماني سنين؛ وقيل سبع سنين، وقيل إحدى عشرة سنة. وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله بين أهله كأحدِ أولاده يتبعه في جميع أحواله. وكان أبو بكر رضي الله عنه أول من أسلم ممن له أهلية الذبُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحماية والمناصرة. هذا هو التحقيق في المسألة لمن أنصف وترك الهوى من الفريقين. أي: الذين يقدم أحدهما إسلام أبي بكر، والآخر إسلام علي رضي الله عنهما.
وقال صاحب الرحيق المختوم:
ومن أوائل المسلمين: بلال بن رباح الحبشي، ثم تلاهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر ابن الجراح من بني الحارث بن فهر، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم المخزوميان، وعثمان بن مظعون وأخواه قُدامة وعبد الله، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد العدوي، وامرأته فاطمة بنت لاخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت، وعبد الله بن مسعود الهُذلي وخلق سواهم، وأولئك هم السابقون الأولون، وهم من جميع بطون قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً. وفي ذكر بعضهم في السابقين الأولين نظر.
قال ابن إسحاق: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتُحدث به.
أسلم هؤلاء سراً، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم ويرشدهم إلى الدين متخفياً لن الدعوة كانت لا تزال فردية وسرية، وكان الوحي قد تتابع وحمي نزوله بعد نزول أوائل المدثر. وكانت الآيات وقطع السور التي تنزل في هذا الزمان آيات قصيرة، ذات فواصل رائعة منيعة، وإيقاعات هادئة خلابة تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق، تشتمل على تحسين تزكية النفوس، وتقبيح تلويثها برغائم الدنيا، تصف الجنة والنار كأنهما رأي عين، تسير
بالمؤمنين في جو آخر غير الذي فيه المجتمع البشري آنذاك.
وتعليقاً على سرية الدعوة في السنين الثلاثة الأولى للدعوة قال الدكتور البوطي:
وبناءً على ذلك فإنه يجوز لأصحاب الدعوة الإسلامية في كل عصر أن يستعملوا المرونة في كيفية الدعوة - من حيث التكتم والجهر، أو اللين والقوة - حسبما يقتضيه الظرف وحال العصر الذي يعيشون فيه. وهي مرونة حددتها الشريعة الإسلامية اعتماداً على واقع سيرته صلى الله عليه وسلم
…
على أن يكون النظر في كل ذلك إلى مصلحة المسلمين ومصلحة الدعوة الإسلامية.
ومن أجل هذا أجمع جمهور الفقهاء على أن المسلمين إذا كانوا من قلة العدد أو ضعف العدة بحيث يغلب على الظن أنهم سيقتلون من غير أي نكاية في أعدائهم، إذا ما أجمعوا قتالهم، فينبغي أن تقدم هنا مصلحة حفظ النفس، لأن المصلحة المقابلة وهي مصلحة حفظ الدين موهومة أو منفية الوقوع.
ويقر العز بن عبد السلام حرمة الخوض في مثل هذا الجهاد قائلاً:
فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة. ليس في طيها مصلحة.
وتقديم مصلحة النفس هنا من حيث الظاهر فقط، أما من حيث حقيقة الأمر ومرماه البعيد، فإنها في الواقع مصلحة دين، إذ المصلحة الدينية تقتضي - في مثل هذه الحال - أن تبقى أرواح المسلمين سليمة لكي يتقدموا ويجاهدوا في الميادين المفتوحة الأخرى. وإلا فإن هلاكهم يعتبر إضراراً بالدين نفسه وفسحاً للمجال أمام الكافرين ليقتحموا ما كان مسدوداً أمامهم من السبل. أهـ.
أقول: إن صاحب الدعوة لابد أن يعطيها فرصة لتتمكن في الأنفس فلا تؤثر فيها الأعاصير، قدر لو أن الرعيل الأول انشغل بغير التكوين النفسي فكيف سيكون قادراً على الصبر والتحمل إذا جاءت المحنة؟ وكيف يستطيع مقارعة الباطل وشبهه؟ وهل يستطيع صهر المستجيبين وحمل الدعوة؟.
61 -
* روى الإمام أحمد بن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي عن أبيه عن جده قال: كنت امرءاً تاجراً فقدمت الحج، فأتيتُ العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرءاً تاجراً، فوالله إني لعنده بمنى إذ خرج رجلٌ من خباءٍ قريبٍ منه فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت قام يُصلي، قال: ثم خرجت امرأةً من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي، قال: فقلت للعباس من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قال فقلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد، قال قلت: من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه، قال فقلت: فما هذا الذي يصنع؟ قل: يصلي وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إل امرأته وابن عمه، هذا الفتى، وهو يزعم أنه يفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. قال: فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول: - وأسلم بعد ذلك وحسُنَ إسلامه - لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثالثاً مع علي بن أبي طالب.
قال صاحب الفتح الرباني:
مالت الشمس: أي إلى جهة المغرب، وجاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهما حين زالت الشمس فهي تفسر ما هنا، ولا يعارضه قول مقاتل كانت الصلاة أول فرهضا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي لقوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (1) فقد قيل العشي ما بين الزوال إلى الغروب، ومنه قيل للظهر والعصر صلاتا العشي (قال الحافظ) كان صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء يصلي قطعاً وكذلك أصحابه، ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا؟ فقيل إن الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، والحجة فيه قوله تعالى {وَسَبِّحْ} أي: صل حال كونك متلبساً {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
61 - أحمد في مسنده (1/ 309) والطبراني (18/ 100).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 103)، رواه أحمد وأبو يعلي بنحوه والطبراني بأسانيد، ورجال أحمد ثقات.
(1)
غافر: 55.
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (1).
62 -
* روى الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن ورقة بن نوفلٍ فقال: "يُبعثُ يوم القيامة أمةً وحده". وذلك لأنه آمن ونوى النصرة وتوفي قبل أن يدعى.
63 -
* روى أحمد والترمذي عن زيدٍ بن أرقم قال: أول من صلى (وفي لفظ) أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليٍّ (قال عمرو أحد الرواة) فذكرت ذلك لإبراهيم (أي: النخعي) فأنكر ذلك، وقال: أول من أسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال في الفتح:
وروى ابن إسحاق في السيرة قال: أول ذكر ٍآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين، وكان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام. وقال محمد بن كعب: أول من أسلم من هذه الأمة خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعليٍّ، وأسلم علي قبل أبي بكر وكان علي يكتم إيمانه خوفاً من أبيه حتى لقيه أبوه قال: أسلمت؟ قال: نعم. قال: آزر ابن عمك وانصره، قال: وكان أبو بكر الصديق أول من أظهر الإسلام، وروى الطبراني عن أبي رافع: صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول يوم الإثنين وصلت خديجة آخره، وصلى علي يوم الثلاثاء، وروى الحاكم في المستدرك من حديث بريدة الأسلمي قال: أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وصلى عليٍّ يوم الثلاثاء. وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
وتوفيقاً بين النصوص التي تذكر أول من أسلم قال صاحب الفتح:
ولا منافاة، فإن أبا بكر أول من أسلم من الرجال، وعليًّا أول من أسلم من الصبيان، فقد روي أنه كان حينذاك بين تسع سنين وعشر، وكان إسلامه قبل إسلام أبي بكر رضي
(1) طه: 130.
62 -
المعجم الكبير (24/ 82) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 416) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
63 -
أحمد في مسنده (4/ 271) والترمذي (5/ 642) 50 - كتاب المناقب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح مجمع الزوائد (9/ 103) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.
الله عنهما.
64 -
* روى أحمد والبزار عن حبَّة العُرني قال: رأيتُ علياً رضي الله عنه يضحكُ على المنبر لم أرهُ ضحِكَ ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذُهُ، ثم قال: ذكرتُ قول أبي طالب: ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نُصلي ببطن نخلة فقال: ماذا تصنعان يا ابن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فقال: ما بالذي تصنعان بأس، ولكن لا تعلوني إستي أبداً. فضحك تعجباً لقولة أبيه ثم قال: اللهم لا أعترف عبداً من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك - ثل ثمرات - لقد صليتُ قبل أن يصلي الناس سبعاً.
65 -
* روى الطبراني عن ابن شهاب قال: أول من أسلم زيد بن حارثة.
زيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي، وقصة تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بعد عتقه مشهورة، وإسلام زيد وأمثاله ممن هم أكثر الناس خلطة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم معرفة به علم من أعلام نبوته.
66 -
* روى الترمذي عن جَبَلة بن حارثة رضي الله عنه قال: قَدِمْت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ابعثْ معي أخي زيداً، قال:"هو ذا، فإن انطلق معك لم أمنعه". قال زيد: يا رسول الله، والله لا أختار عليك أحداً، قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي.
67 -
* روى أحمد عن ابن مسعود قال: كنت غلاماً يافعاً أرعى غنماً لعقبة بن أبي
64 - أحمد في مسنده (1/ 99) والبزار: كشف الأستار (3/ 182)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 102) وقال: رواه أحمد وأبو يعلي باختصار، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
نواجذه: النواجذ هي الأسنان التي تبدو عند الضحك. بطن نخلة: اسم مكان، سبعا: تحتمل كثراً وتحتمل سبع ليال. لا تعلوني استي أبدا: أي لا ترتفع مقعدتي عن رأسي كما يحدث للساجد.
65 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 374) وقال: رواه الطبراني مرسلاً وإسناده حسن.
66 -
الترمذي (5/ 671) 50 - كتاب المناقب - 40 - باب مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه. وقال عنه: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي عن علي بن مُسْهِر. والحاكم (3/ 314) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في الفتح سكت عنه وذلك أمارة تحسينه.
67 -
أحمد في مسنده (1/ 462). قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي ورجالهما رجال الصحيح.
مُعيطٍ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين، فقالا: يا غلام هل عندك من لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما.
كان هذا أول الإسلام قبل إسلام عبد الله بن مسعود، وقد يكون المراد بالفرار في الرواية: ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من استخفاء إذا ما أرادوا الصلاة ولكن الظاهر أن الأمر غير ذلك، وهذا يفيد أن الاضطهاد بدأ مبكراً، والرواية تدلنا على أمانة ابن مسعود مما يشير إلى أن هذه النوعية من الناس هي التي تملك الاستعداد الرفيع للدخول في الإسلام كما حدث لابن مسعود، وسؤاهما اللبن كان بناء على أن من حق ابن مسعود أن يسقيهما كأن يكون هو صاحب الغنم أو أنه مأذون بالضيافة.
68 -
* روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لقد رأيتُني وأنا ثُلُثُ الإسلام. وفي رواية: ما أسلم أحدٌ إلا في أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيامٍ، وإني لثلث الإسلام.
قال في الفتح شارحاً قوله: (وإني لثلث الإسلام) قال ذلك بحسب اطلاعه، والسبب فيه أن من كان أسلم في ابتداء الأمر كان يخفي إسلامه، ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر، أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وقد كانت خديجة أسلمت قطعاً فلعله خص الرجال، وقد تقدم في ترجمة الصديق حديث عمار (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وأبو بكر) وهو يعارض حديث سعد، والجمع بينهما ما أشرت إليه، أو يحمل قول سعد على الأحرار البالغين يخرج الأعبد المذكورون وعلي رضي الله عنه، أو لم يكن اطلع على أولئك، ويدل على هذا الأخير أنه وقع عند الإسماعيلي من رواية يحيى بن سعيد الأموي عن هاشم بلفظ (ما أسلم أحد قبلي) ومثله عند ابن سعد من وجه آخر عن عامر بن سعد عن أبيه، وهذا مقتضى رواية الأصيلي، وهي مشكلة لأنه قد أسلم قبله جماعة، لكن يحمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ. وقد رأيت في (المعرفة لابن منده) من طريق أبي بدر عن هاشم بلفظ (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه) وهذا
68 - البخاري (7/ 83) 62 - كتاب فضائل الصحابة - 15 - باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري.
ثلث الإسلام: أي ثالث رجل أسلم.
لا إشكال فيه إذ لا مانع أن يشاركه أحد في الإسلام يوم أسلم، لكن أخرجه الخطيب من الوجه الذي أخرجه ابن منده فأثبت فيه (إلا) كبقية الروايات فتعين الحمل على ما قلته.
69 -
* روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إنه نزلت فيه آياتٌ من القرآن، قال: حلفت أمُّ سعدٍ أن لا تكلمهُ أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمتَ أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثاً حتى غُشي عليها من الجهد فقام ابن لها يُقال له: عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعدٍ، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} (1){وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (2). قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمةٌ عظيمةٌ، فإذا فيها سيفٌ، فأخذتهُ فأتيتُ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نفَّلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حالهُ، فقال:"رُده من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردتُ أن ألقيهُ في القبض، لامتنى نفسي، فرجعت إليه، فقلت: أعطنيه، قال: فشد لي صوته: "رُده من حيث أخذتهُ"، قال: فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} (3). ومرضتُ، فأرسلتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
69 - مسلم (4/ 1877) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 5 - باب في فضل سعد بن أبي وقاص.
نفلني: نفلته كذا، أي: أعطيته نافلة وزيادة على سهمه من الغنيمة.
القبض: بسكون الباء: مصدر قبضت الشيء قبضاً: أخذته إليك فصار في قبضتك، أي: في يدك وتحت تصرفك، وبفتح الباء: الشيء المقبوض وأراد به: ما يجمع من الغنائم ويحرز، وهو المراد في الحديث. الجزُور: البعير، ذكراً كان أو أنثى، وأصله: البعير يُنْحَرُ ويقطع لحمه، إلا أن اللقطة مؤنثة. الميسر: القمار. الأنصاب: الأصنام أو الحجارة التي كانوا يذبحون عليها لآلهتهم. والأزلام: القداح، وإحداها: زلم، وزلم - بفتح الزاي وضمها - وهي سهام بلا نصول ولا ريش، كانوا يضربون بها في القمار ليعرفوا نصيب كل واحد منهم، وكانوا يضربون بها أيضاً عند الشروع في الأمر يعرض لهم، من سفر أو زواج أو بيع أو نحو ذلك، يعرفون بها - في زعمهم - ما هو الأصلح لهم، فإن خرج لهم "افعل" فعلوا، وإن خرج "لا تفعل" لم يفعلوا. رجس: الرجس: النجس. شجروا فاها: أي: فتحوه كرهاً. أو جرت: الدواء في فيه: إنا ألقيت فيه، لفشبه إلقاء الطعام في فيها كرهاً بإلقاء الدواء عن غير اختيار. مفزوراً: أي: مشقوقاً.
(1)
سورة العنكبوت: 8.
(2)
سورة لقمان: 15.
(3)
سورة الأنفال: 1.
فأتاني، فقلتُ: دعْنِي أقسمُ مالي حيثُ شئتُ، قال: فأبي، قلتُ: فالنصفُ، قال: فأبي قلتُ: فالثلثُ، قال: فسكت، فكان بعدُ الثلثُ جائزاً، قال: وأتيتُ على نفرٍ من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال نطعِمُكَ، ونُسقيك خمراً - وذلك قبل أن تُحرم الخمرُ - قال: فأتيتُهم في حشٍّ - والحشُ: البُستانُ - فإذا رأس جزورٍ مشويٍّ عندهم، وزق من خمر فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصارُ والمهاجرون عندهم، فقلت: المهاجرون خيرٌ من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحي الرأس، فضربني به، فجرح أنفي، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتهُ، فأنزل الله في - يعني نفسهُ - شأن الخمر {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} (1).
وفي رواية في قصة أم سعد: فكانوا إذا أرادوا أن يُطعمواه شجروا فاها بعصاً، ثم أوجروها.
وفي آخرها: فضرب به أنف سعدٍ ففزرهُ، فكان أنف سعدٍ مفزوراً.
واختصره الترمذي (2) قال: أُنزلت في أربع آياتٍ، فذكر قصةً فقالت أم سعدٍ: أليس قد أمر الله بالبر؟ والله لا أطعم طعاماً، ولا أشربُ شراباً حتى أموتُ، أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يُطعموها شجروا فاها، فنزلت هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا
…
} (3) الآية.
70 -
* روى البخاري عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبدٍ وامرأتان وأبو بكرٍ.
نجد ههنا نوعية المستجيبين الأوائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الأصالة ومكارم الأخلاق والمضطهدين والنساء، وفي ذلك تذكير للدعاة ألا يهملوا المضطهدين والفقراء من عمال
(1) المائدة: 90.
(2)
الترمذي (5/ 241) 48 - كتاب تفسير القرآن - 20 - باب ومن سورة العنكبوت. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
العنكبوت: 8.
70 -
البخاري (7/ 18) 62 - كتاب فضائل الصحابة - 35 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً".
وفلاحين، وألا يهملوا النساء، وأن يركزوا على المثقفين.
71 -
* روى أحمد عن سالم بن أبي العجد قال: دعا عثمان ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عمار بن ياسر فقال: إني سائلكم وإني أحبُّ أن تصدقوني، نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشاً على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم فقال عثمان: لو أن يبدئ مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم، فبعث إلى طلحة والزبير فقال عثمان: ألا أحدثكما عنه - يعني عماراً - أقبلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيدي نتمشى بالبطحاء حتى أتى على أبيه وأمه وعليه يُعذبون، فقال أبو عمار: يا رسول الله الدهر هكذا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اصبر"، ثم قال:"اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت".
73 -
* روى الحاكم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمارٍ وأهله وهم يعذبون فقال: "أبشروا آل عمران وآل ياسر فإن موعدكم الجنةُ".
73 -
* روى الحاكم عن كردوس: أن خباباً أسلم سادس ستة، كان سُدس الإسلام.
74 -
* روى ابن ماجه عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: ادن فما أحد أحقُّ بهذا المجلس منك إلا عمار، فجعل خباب يريه آثاراً بظهره مما عذبه المشركون
71 - أحمد في مسنده (1/ 63).
وأورده الهيثمي في الزوائد (9/ 363)، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
نشدتكم بالله: نشدتك بالله أي سألتك بالله. البطحاء: مسيل واسع فيه دقائق الحصى. يقصد عثمان رضي الله عنه أنه كما أكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وبني هاشم وآثرهم لأنهم قرابته فهو يفعل ذلك ببني أمية لأنهم قرابته حتى لو استطاع أن يدخلهم الجنة لفعل، ومن السياق نعلم أن عماراً رضي الله عنه كان لا يرتاح لإيثار بني أمية، لأن الإيثار لم يقتصر على ما هو شخصي وخاص، ورضي الله عن الجميع. والنص يدل على ما تقدم إسلام عثمان رضي الله عنه.
72 -
المستدرك (3/ 389) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
73 -
المتسدرك (2/ 382) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 298) رواه الطبراني مرسلاً ورجاله إلى كردوس رجال الصحيح وكردوس ثقة.
74 -
ابن ماجه (1/ 54) المقدمة - 11 - باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزوائد: إسناده صحيح.
75 -
* روى البخاري عن خبابِ بن الأرتِّ قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فقال:"كان الرجلُ فيمن قبلكم يحفرُ له في الأرض فيُجعلُ فيه، فيُجاء بالمنشار فيوضعُ على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشطُ بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصب وما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه. ولكنكم تستعجلون".
76 -
* روى مسلم عن أبي أمامة قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: كنتُ، وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالةٍ. وأنهم لسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجلٍ بمكة يخبر أخباراً. فقعدتُ على راحلتي. فقدمتُ عليه. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً، جرءاءُ عليه قومه. فتلطفتُ حتى دخلت عليه بمكة. فقلت له: ما أنت؟ قال: "أنا نبي" فقلت: ما نبي؟ قال: "أرسلني الله" فقلت: وبأي شيءٍ أرسلك؟ قال: "أ {سلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يُوحد الله لا يشرك به شيء" قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: "حر وعبدٌ"(قال ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به) فقلت: إني مُتبعُك. قال: "إنك لا تستطيعُ ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرتُ فأتني" قال: فذهبت إلى أهلي. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار
…
أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت
75 - البخاري (6/ 619) 69 - كتاب المناقب - 35 - باب علامات النبوة في الإسلام.
وأبو داود (3/ 47) كتاب الجهاد، باب: الأسير يكره على الكفر.
76 -
مسلم (1/ 569) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - 52 - باب إسلام عمرو بن عبسة.
الأرحام: مفردها رحم وهو بيت منبت الولد ورعاؤه، والقرابة أصلها وأسبابها، والمقصود من قول الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يأمر الناس بأن يبتعدوا عن التشاحن والبغضاء والاقتتال والغدر والكيد بين بعضهم وخاصة الأقارب منهم وأن ينشروا بينهم الحب والإخاء والمعاملة لحسنة والوفاء. ظهرت: ظهر الشيء ظهوراً: تبين وبرز بعد الخفاء، وظهر على عدوه: غلبه.
فأتني"، نأخذ منه درساً في الدعوة: أن تكديس المريدين والأعضاء حيث المحنة والإيذاء ليس هو الأصل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه نحو الرجوع إلى الأقوام، وأمر كما سنرى بالهجرتين إلى الحبشة، فذلك تخفيف عن المسلمين وإبعاد عن مواطن الخطر وستر لقوة المسلمين، وإعطاء فرصة للقائد حتى لا يشغل، وضمان للسرية، وإفادة للمكان المرسل إليه، وإعداد للمستقبل، وملاحظة لضمان الاستمرار وتجنب الاستئصال.
77 -
* روى الحاكم عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبةُ بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرمٍ وولت حذاء، وإنما بقي منها صُبابة كصبابة الإناء يصطبُّها صاحِبُها، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها، فانتقلوا منها بخير ما يحضركم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يُلقى من شفير جهنم فيهوي بها سبعين عاماً وما يدرك لها قعراً فوالله لتملأنهُ: أفعجبتُم وقد ذُكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما أربعون سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظٌ من الزحام. ولقد رأيتُني وإني لسابعُ سبعةٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، وإني التقطتُ بردة فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام فأتزرت بنصفها وأتزر سعد بنصفها، وما أصبح منا اليوم أحد حي إلا أصبح أمير مصر من الأمصار، وإنني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً، وإنها لم تكنْ نبوءة قط إل تناقصت حتى يكون عاقبتها ملكا، وستجربون أو ستبلون الأمراء بعدي.
قوله: (وما أصبح منا اليوم أحد حيٌ إلا أصبح أمير مصر من الأمصار) فيه إشارة إلى ملاحظة السبق والقدم في التأمير دون أن يكون ذلك قاعدة مطلقة، ومن الملاحظ أن الخلفاء الراشدين الأربعة كلهم ممن تقدمت له سابقة إسلام وتقدم إسلام.
قوله: (لم تكن نبوة قط إلا تناقصت حتى يكون عاقبتها ملكاً) هذا هو الواقع التاريخي قديماً وهو ما حدث بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الأمة الإسلامية الآن أن تحكم أمرها
77 - المستدرك (3/ 361) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
أذنت بصرم وولت حفاء: المراد انقطاع الدنيا، والحفاء: المقطوعة. صبابة: البقية من الماء واللبن في الإناء. شفير جهنم: أي جانبها وطرفها، كظيظ: ممتلئ من الازدحام. قرحت أشداقنا: أي تجرحت.
للوصول إلى الخلافة الراشدة ووضع القواعد لضمان استمرارها.
78 -
* روى مسلم عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفارٍ وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالُنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن هلك خالف إليهم أُنيس، فجاء خالنا قنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك، فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقربنا صُرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطي خالنا ثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها. فأنيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها قال: وقد صليتُ يا ابن أخي قبل أن ألقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله. قلت: فأين توجهُ؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي. أصلي عشاءً، حتى إذا كان من آخر الليل ألقيتُ كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس، فقال أنيسٌ: إن لي حاجة بمكة، فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث عليِّ، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعرٌ، كاهنٌ، ساحرٌ، وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس:
78 - مسلم (4/ 1919) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 28 - باب من فضائل أبي ذر.
قثا: الحديث ينتوء نتوأ: إذا أظهره وأشاعه وأفشاه. لا جِمَاع: أي: لا مجامعة لنا معك ولا مُقام. صرمتنا: الصرمة: القطعة من الإبل نحو الثلاثين. فنافر: المنافرة: المحاكمة تكون في تفضيل أحد الشيئين على الآخر، يقال: نافرته، فنفرته، أي: حاكمته، فغلبته، ونفره الحاكم في المنافرة، أي: غلبه وحكم له. خفاء: الخفاء بالخاء المعجمة وكسرها، كساء يطرح على السقاء. فراث: رأت فلان علينا: أبطأ. أقراء الشعر: طرائقه وأنواعه، واحدها: قرء - بفتح القاف. فتضعفت: أي نظرت إلى أضعفهم فسألته لأن الضعيف مأمون الغائلة ومع ذلك فإنه لم يسلم من قبله. الصابئ: منصوب على الإفراء أي: انظروا وحذوا هذا الصابئ. والصابئ من غير دينه. مدرة: المدرة: الطينة المستحجرة. نصب: النُّصب: الحجر أو الصنم الذي كانوا ينصبونه في الجاهلية ويذبحون عليه، فيحمر من كثرة دم القربان والذبائح، أراد: أنهم ضربوه حتى أدموه، فصار كأنه نُصب أحمر. تكسرت عكن بطني: جمع عكنة وهو الطي من البطن من الممن، ومعنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه. سخفة جوع: سخفة الجوع: رقته وهزاله. ليلة إضحيان: وإضحيانه، أي: مضيئة لا غيم فيها، فقمرها ظاهر يضيئها. ضرب على أسمختهم: الأسمخة: جمع سماخ، وهو ثقب الأذن، والضرب هاهنا: المنع من الاستماع، وذلك كناية عن النوم المفرط. إسافاً ونائلة: إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلاً وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا. هن مثل الخشية: ألهن من الرجل ذكره. تولولان: الولولة: الاستغاثة والصياح. أو الدعاء بالويل. أنفارنا: الأنفار: الجماعة، أي: من أصحابنا وجماعتنا، وهو من النفر الذي هو من الثلاثة إلى العشرة. تملأ الفم: قولها: تملأ الفم، أي أنها عظيمة لا شيء أقبح منها، فمدعْتُه: أي: منعته. طعام طعمٍ: يقال: هذا طعامُ =
لقد سَمعتُ قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعراء، فما يلتئم على لسان أحدٍ بعدي أنه شعرُ، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فانظر، قال: فأتيت مكة فتضعفتُ رجلاً منهم، فقلتُ: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إليَّ، فقال: الصابئ؟ فمال عليَّ أهل الوادي بكل مدرةٍ وعظمٍ، حتى خررتُ مغشياً عليِّ، قال: فارتفعت حين ارتفعتُ. كأني نُضُب أحمر، قال: فأتيتُ زمزم، فغسلتُ عني الدماء، وشربتُ من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلةٍ ويومٍ، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنتُ حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدتُ على كبدي سخفة جوعٍ، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، إذ ضُرب على أسمختهم فما يطوفُ بالبيت أحدٌ، وامرأتانِ منهم تدعوان إسافاً ونائلة، قال: فأتنا عليَّ في طوافهما، فقلت: هن مثل الخشبة - غير أني لا أكني - فانطلقنا تولولان، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا؟ قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهما هابطان، قال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى فلما قضى صلاته، قال أبو ذر: فكنتُ أنا أول من حياهُ بتحية الإسلام، قال فقلتُ: السلام عليك يا رسول الله. فقال: "وعليك السلام ورحمة الله"، ثم قال:"من أنت؟ " قلتُ: مِنْ غفارٍ، قال: فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلتُ في نفسي: كره أن انتميتُ إلى غفارٍ، فذهبتُ آخذُ بيده، فقعدني صاحبه، وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه، فقال:"متى كنت هاهنا؟ " قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلةٍ ويومٍ، قال:"فمن كان يطعمك؟ " قال: قلتُ: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جُوع، قال: "إنها مباركةٌ، إنها طعامُ
= طعمٍ، أي: طعام شبع، يعني أنه يشبع ويكف الجوع ويكفي منه. ظهرت: الغابر هاهنا: الباقي، وهو من الأضداد، أي بقيت ما بقيت. يثرب: المدينة المنورة طابة وطيبة. وقد جاء في حديث في النهي عن تسميتها يثرب. فنفوا له: أي: أبغضوه ونفروا منه، والشنف: البغض، تقول: شنفته. وشنفت له. تجهموا: تجهمت لفلان، أي: تنكرت له واستقبلته بما يكره، وفلان جهم المحيا، أي: كريه المنظر.
طعمٍ"، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرتُ ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنه قد وُجهت لي أرض ذات نخلٍ، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغٌ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم؟ " فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ قلتُ: صنعت أني قد أسلمتُ وصدقتُ، قال: ما بي رغبةٌ عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الفغاري، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخواننا نُسلم على الذي أسلموا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غِفار غفر الله لها، وأسلمُ سالمها الله".
زاد بعض الرواة - بعد قول أبي ذر لأخيه: (فاكفني حتى أذهب فأنظر) - (قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له وتجهموا).
وفي رواية قال: (فتنافرا إلى رجلٍ من الكهان، قال: فلم يزل أخي أنيس يمدحه حتى غلبه، فأخذنا صرمته فضممناها إلى صرمتنا).
وفي رواية البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس قال: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنتُ رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وأتني بخبره.
79 -
* روى البخار يعن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي؛ فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر،
79 - البخاري (7/ 172) 62 - كتاب مناقب الأنصار - 23 - باب إسلام أبي ذر الغفاري.
ومسلم (4/ 1922) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 28 - باب: من فضائل أبي ذر.
الشنة: الزق البالي الذي يحمل فهي الماء
فقال: رأيتُه يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر، فقال: ما شَفَيْتَني مما أردتُ، فتزود وحمل شَنَّةً له فيها ماء، حتى قَدِمَ مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه - حتى أدركه بعض الليل فرآه عليٍّن فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحدٌ منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عليٍّ، فقال: أما نال للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه فذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي مثل ذلك، فأقامه معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لتُرشدني فعلت، ففعل، فأخبره، قال: فإنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أُريق الماء، فإذا مضيتُ فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع إلى قومك فأخبرهم، حتى يأتيك أمري"، قال: والذي نفسي بيده، لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا لله، وأن محمداً رسول الله. ثم قام القوم فضربوه حتى أوجعوه، وأتى العباس، فأكب عليه، وقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تُجاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد فضربوه، وثاروا إليه، فأكب العباس عليه.
وفي الرواية الأخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أسلم: "يا أبا ذر، اكتُم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظُهورُنا فأقبِل"، قال: فقلتُ: والذي بعثك بالحق، لأصرخن بها بين أظهرهم .. وذكر نحوه".
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر رضي الله عنه.
80 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: انطلق أبو ذر ونعيم ابن عم أبي
80 - المستدرك (3/ 112) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
مكتتم: أي متخفف وهو اسم فاعل من الكتم: وكتم الشيء، كتماً وكتماناً: ستره وأخفاه. وفي هذا تصريح بأن إسلام أبي ذر كان في المرحلة السرية.
ذر وأنا معهم نطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجبلِ مُكتتمٌ، فقال أبو ذر: يا محمد أتيناك نسمعُ ما تقول وإلى ما تدعو، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم:"أقول لا إله إلا الله وإني رسول الله" فآمن به أبو ذر وصاحبه وآمنتُ به، وكان عليٍّ في حاجةٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله سلم أرسله فيها، وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يوم الإثنين وصلى عليٍّ يوم الثلاثاء.
والجمع بين هذه الرواية والتي قبلها أنها حادثة لاحقة للحادثة الأولى، فبعد أن أسلم أبو ذر أتى بهذين معه متظاهراً أنه لم يسبق له إسلام من أجل ان يسمع رفيقاه فيسلما.
81 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن مسعود قال: لقد رأيتُني سادس ستةٍ ما على الأرض مسلم غيرنا.
82 -
* روى الحاكم عن عروة قال: كانت نفحة من الشيطان أن محمداً صلى الله عليه وآله سلم قد أُخِذَ، فسمع بذلك الزبير وهو ابن إحدى عشرة سنة فخرج بالسيف مسلولاً حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما شأنُكَ؟ " فقال: أردتُ أن أضرب من أخذَكَ فدعا له النبي صلى الله عليه وآله سلم ولسيفهِ، وكان أول سيف سُلَّ في سبيل الله عز وجل.
83 -
* روى ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقدام فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس. فما منهم من أحدٍ إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأخذوه فأعطوهُ
81 - المستدرك (3/ 313) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
82 -
المستدرك (3/ 360) وسكت عنه الذهبي في التلخيص. وإنما أردناه ههنا مع أن فيه ابن لهيعة لموافقته للمحفوظ من تقدم إسلام الزبير وهو صغير.
83 -
ابن ماجه (1/ 53) المقدمة 11 - باب فضل سلمان وأبي ذر والمقداد. والحاكم (3/ 384)، وصححه ووافقه الذهبي. منعه: أي عصمه الله من أذاهم، صهروهم: من صهر كمنع أي عذبوهم. واتاهم: أي وافقتهم على ما أرادوا من ترك إظهار الإسلام. هانت: أي حقرت وصغرت عنده لأجله تعالى: الشعاب: جمع شعب وهو الطريق في الجبل.
الولْدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقولُ أحدٌ أحدٌ.
84 -
* روى الحاكم عن محمد بن عمار بن ياسرٍ عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وآله سلم وذكر آلهتهُم بخيرٍ ثم تركوهُ، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال:"ما وراءك؟ " قال: شَرٍّ يا رسول الله ما تركت حتى نلتُ منك، وذكرتُ آلهتهُم بخيرٍ. قال:"كيف تجدُ قلبك؟ " قال: مُطمئن بالإيمان. قال: "إن عادوا فعُد".
85 -
* روى مسلم عن سعد أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفرٍ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنت: أنا وابن مسعود ورجل من هُذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (1).
86 -
* روى أحمد والطبراني عن ابن مسعود في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} وقوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} قال: مر الملأ من قريشٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمارٌ فقالوا: يا محمدُ أرضيت بهؤلاء فنزل فيهم القرآن {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}
84 - المستدرك (2/ 307) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
نلت منك: سببتك وشتمتك. كيف تجد قلبك: أي هل ما زال على الإيمان بالله واليوم الآخر، فالقول إذا كان من غير تصديق القلب فلا حرج فيه حال الإكراه وهذا مصداق قول الله عز وجل:(إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان)(النحل: 106). وقد أجاز فقهاء الحنفية للمسلم أن يقول ما يخرج به من البلاء إذا كان هذا البلاء قتلاً أو قطعاً أو سجن ظالم.
85 -
مسلم (4/ 1878) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 5 - باب في فضل سعد بن أبي وقاص.
لا يجترئون: من الجرأة وهو الإقدام على الشيء. والمعنى: أي أبعد هؤلاء عن مجلسنا معك حتى لا يتسلطوا علينا ولكي يحترمونا ويقدرونا حق قدرنا. فوقع في نفس رسول الله: أ] خطر في قلبه: وأصل الوقوع في اللغة السقوط.
(1)
الأنعام: 52.
86 -
أحمد في مسنده (1/ 420) المعجم الكبير (10/ 318).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 21)، رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير كردوس وهو لغة.