الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في بدء الوحي وفترته واستئنافه
48 -
* روى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنثُ فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لِمُثُلِهَا.
حتى جاءه الحق - وفي رواية: حتى فجأه الحق - وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئٍ، قال: فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأن قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهدُ، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ!؟ فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني،
48 - البخاري (1/ 33) 1 - كتاب بدء الوحي.
2 -
باب حدثنا يحيى بن بكير.
مسلم (1/ 129) 1 - كتاب الإيمان - 73 - باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التحنُّث: التعبد وهو أن يفعل فعلاً يخرج به من الحنث، وهو الإثم. نزعتُ إلى أهلي: أي رجعت. غطه: إذا حطه بشدة كما يغطه في الماء إذا بالغ في حطه فيه. الجهد: بفتح الجيم: المشقة، وبضمها: الطاقة، وقيل: هما لغتان. زملوني: التزميل والتدثير: واحد وهو التغطية والتلفف في الثوب. لقد خشيت على نفسي تكلم العلماء في معنى هذه الخشية بأقوال كثيرة: فذهب أبو بكر الإسماعيلي إلى أن هذه الخشية كانت منه قبل أن يحصل له العلم بأن الذي جاءه ملك من عند الله، وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه: مجنون. وقد قيل في قوله: "لقد خشيت على نفسي"، أي: خشيت ألا أنهض بأعباء النسوة، وأن أضعف عنها، ثم أزال الله خشيته، ورزقه الأيد والقوة والثبات والعصمة، وقد قيل: إن خشيته كانت من قومه أن يقتلوه، ولا غرو، فإنه بشر يخشى من القتل والإذاية الشديدة ما يخشاه البشر، ثم يهون عليه الصبر في ذات الله كل خشية، ويجلب إلى قلبه كل شجاعة قوة. الكل: الأثقال والحوائج المهمة والعيال، وكل ما يتكلفه الإنسان من الأحوال، ويحمله عن غيره فهو كلّ. تكسب المعدوم: جعل الكسب لنفسه وأنه يصل إلى كل معدوم ويناله فلا يتعذر عليه لتعذره. وقيل: أي يعطي الشيء المعدوم غيره ويوصله إلى كل من هو معدوم عنده. ويقال كسبت مالاً: وكسبت زيداً مالاً: أي أعنته على كسبه ومنهم من عداه بالهمزة، يقال: أكسبت زيداً مالاً، أي جعلته يكسبه. والقول الثاني أولى القولين، لأنه أشبه بما قبله في باب التفضل والإنعام، إذ لا إنعام أن يكسب هو لنفسه مالاً كان معدوماً عنده، وباب الحظ السعادة في الاكتساب غير باب التفضل والإنعام، الناموس: صاحب سر الملك الذي لا يحضر إلا بخير، ولا يُظهر إل الجميل، وسمي جبريل عليه السلام ناموساً، لأنه مخصوص بالوحي والغيب الذي لا يطلع عليه أحد من الملائكة سواه. =
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجُف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال:"زملوني، زملوني، زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروعُ، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر -:"لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسبُ المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسدٍ بن عبد العزى ابن عم خديجة - وكان امرءاً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي - فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيه جذاعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو مخرجي هم؟ " قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يُدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفى، وفتر الوحي.
قال البخاري: وتابعه هلال بن رداد عن الزهري، وقال يونس ومعمر:(ترجف بوادره).
وفي حديث معمر عن الزهري عند مسلم (فوالله لا يحزنك الله أبداً) بالحاء والنون.
وزاد البخاري (2) في رواية أخرى قال: (وفتر الوحي فترة، حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم
= جذعاً: الجذع هاهنا: كناية عن الشباب، يقول: يا ليتني كنت شاباً عند ظهورك لأنصرك وأعينك. نصراً مؤزرا: أي: مؤكداً قوياً، ترجف: تخفق وبوادره جمع بادرة، وهي اللحمة تكون بين عتق الإنسان ومنكبه، وكذلك في غير الإنسان.
(1)
العلق: 1، 2، 3.
(2)
البخاري (12/ 352) 11 - كتاب التعبير - 1 - باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة. يتردى: التردي: الوقوع من وضع عال، الشواهق: الجبال العالية، الواحد: شاهق، أوفى: أشرف على الشيء. وذروة كل شيء: أعلاه، الجأش: الجنان والقلب.