الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - رزين وابن الأثير وابن الديبع الشيباني
والأصول الستة
قال في الرسالة المستطرفة:
والجمع بين الأصول الستة أي: الصحاح الثلاثة التي هي البخاري ومسلم والموطأ، والسنن الثلاثة وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي، لأبي الحسن (رزين) بوزن أمير، ابن معاوية العبدري السرقسطي الأندلسي المالكي، المتوفى بمكة - بعد ما جاور بها أعواماً - سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وهو المسمى بـ (التجريد للصحاح والسنن)، والجمع بينهما أيضاً لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف (بابن الأثير) الجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر لكونه ولد بها ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل وبه توفي سنة ست وستمائة ودفن برباطه، وهو المسمى (جامع الأصول من أحاديث الرسول) على وضع كتاب رزين إلا أن فيه زيادات كثيرة عليه، في عشرة أجزاء، واختصره أبو زيد وأبو الضياء حافظ العصر وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عمر الشهير (بابن الديْيَع) بدال مهملة مفتوحة فياء تحتية ساكنة فياء موحدة مفتوحة أيضاً فعين مهملة آخره، الشيباني الزبيدي اليمني الشافعي المولود بزبيد سنة ست وستين وثمانمائة، والمتوفى ضحى يوم الجمعة سادس عشر رجب سنة أربع وأربعين وقيل سنة خمسين وتسعمائة وهو أحسن مختصراته سماه (تيسير الوصول إلى جامع الأصول) في مجلدين.
وإذن فعندنا ثلاثة كتب:
(تجريد الصحاح والسنن) لرَزِين، و (جامع الأصول من أحاديث الرسول) لابن الأثير و (تيسير الوصول إلى جامع الأصول) مبني على كتاب جامع الأصول محاولاً فيه صاحبه الخروج من التكرار وهو لابن الدييع الشيباني، وأصول هذه الكتب الثلاثة: صحيحا البخاري ومسلم وموطأ الإمام مالك وسنن أبي داود والترمذي والنسائي.
قال ابن الأثير في مقدمة كتابه الجامع للأصول:
لما وقفت على هذه الكتب أي الستة ورأيتُها في غاية من الوضع الحسن والترتيب الجميل، ورأيت كتاب (رَزِين) هو أكبرها وأعمها، حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أم كتب الحديث، وأشهرها في أيدي الناس وبأحاديثها أخذ العلماء واستدل الفقهاء، وأثبتوا الأحكام، وشادوا مباني الإسلام.
ومصنفوها أشهر علماء الحديث، وأكثرهم حفظاً، وأعرفهم بمواضع الخطأ والصواب، وإليهم المنتهى، عندهم الموقف.
فحينئذ أحببت أن أشتغل بهذا الكتاب الجامع لهذه الصحاح، وأعتني بأمره، ولو بقراءته ونسخه، فلما تتبعته وجدته - على ما قد تعب فيه - قد أودع أحاديث في أبواب، غير تلك الأبواب أولى بها، وكرر فيه أحاديث كثيرة، وترك أكثر منها.
ثم إنني جمعت بين كتابه وبين الأصول الستة التي ضمنها كتابه، فرأيت فيها أحاديث كثيرة لم يذكرها في كتابه، إما للاختصار، أو لغرض وقع له فأهملها، ورأيت في كتابه أحاديث كثيرة لم أجدها في الأصول التي قرأتها وسمعتها ونقلت منها، وذلك لاختلاف النسخ والطرق، ورأيته قد اعتمد في ترتيب كتابه على أبواب البخاري، فذكر بعضها وحذف بعضها.
فناجتني نفسي أن أهذب كتابه، وأرتب أبوابه، وأوطيء مقصده، وأسهل مطلبه، وأضيف إليه ما أسقطه من الأصول، وأُتبعه شرح ما في الأحاديث من الغريب والإعراب والمعنى، وغير ذلك مما يزيده إيضاحاً وبياناً، فاستصغرت نفسي عن ذلك، واستعجزتها، ولم يزل الباعث يقوى والهمة تنازع، والرغبة تتوفر، وأنا أُعللها بما في ذلك من التعرض للملام، والانتصاب للقدح، والأمن من ذلك جميعه مع الترك، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، فتحققت بلطف الله العزيمة، وصدقت بعونه النية، وخلصت بتوفيقه الطوية.
فشرعت في الجمع بين هذه الكتب الستة التي أودعها (رزين) رحمه الله كتابه، وصدفت عما فعله ورتبه، فاعتمدت على الأصول دون كتابه، واخترت له وضعاً يزيد بيانه حسبما أدى إليه اجتهادي، وانتهى إليه عرفاني.
لكن ابن الأثير كرر الأحاديث على حسب احتياجات الأبواب إليها، فخرج كتابه كبيراً واسعاً؛ لذلك اختصره ابن الديبع في مجلدين. وقد عرف الشيخ عبد القادر الأرناؤوط - محقق كتاب الجامع - على ابن الأثير وكان مما قال:
هو الإمام البارع مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، ثم الموصلي المعروف بابن الأثير.
ولد في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة في جزيرة ابن عمر، وهي - على ما يقول ياقوت الحموي معاصر المؤلف - بلدة فوق الموصل: بينهما ثلاثة أيام، ونشأ بها وتلقى من علمائها معارفه الأولى، من تفسير وحديث ونحو ولغة وفقه، ثم تحول سنة (565 هـ) إلى الموصل، وفيها بدأت معارفه تنضج وثقافته تزداد، وأقام بها إلى أن توفي.
قرأ الأدب على ناصح الدين أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، وأبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي، وأبي الحزم مكي بن الريان بن شبة النحوي الضرير، وسمع الحديث بالموصل من جماعة منهم خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي، وقدم بغداد حاجاً فسمع بها من أبي القاسم صاحب ابن الخل، وعبد الوهاب بن سكينة، وعاد إلى الموصل فروى بها وحدث وانتفع به الناس.
وصفه من أرخ له بأنه كان من محاسن الزمن، ذا دين متين، وطريقة مستقيمة، عارفاً، فاضلاً، ورعاً، عاقلاً، سيداً، مطاعاً، رئيساً، مشاوراً، ذا بِرَ وإحسان. قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث والفقه، وصنف تصانيف مشهورة وألف كتباً مفيدة.
منها: (غريب الحديث) على حروف المعجم، وهو المعروف بالنهاية، و (الشافي في شرح مسند الشافي) و (الإنصاف بين الكشف والكشاف)، جمع فيه بين تفسيري الثعلبي والزمخشري، و (البديع) في النحو، و (الباهر في الفروق) في النحو أيضاً، و (تهذيب فصول ابن الدهان) و (المصطفى المختار من الأدعية والأذكار) و (كتاب لطيف في صناعة الكتابة) وله رسائل في الحساب مُجدّوْلات، وكتاب ديوان رسائله: كتاب البنين
والبنات، والآباء والأمهات، والأذواء والذوات، و (جامع الأصول في أحاديث الرسول) وهو هذا الكتاب. إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة والمصنفات النافعة.
قال ياقوت الحموي في (معجم الأدباء): حدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود ب زنكي، ثم ولاه ديوان جزيرة ابن عمر وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل، فناب في الديوان عند الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني، ثم اتصل بمجاهد الدين بن قايماز - وكان نائب المملكة - بالموصل أيضاً، فنال عنده درجة رفيعة، فلما قُبض على مجاهد الدين سنة 589 هـ اتصل بخدمة أتابك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين وآل الأمر إلى ولده نور الدين شاه، فاتصل بخدمته حتى صار واحد دولته حقيقة، بحيث إن السلطان كان يقصده في منزله في مهام نفسه، لأنه أُقعد في آخر زمانه، فكانت الحركة تصعب عليه، فكان يجيئه بنفسه أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤاً.
وكان قد عرض عليه غير مرة أن يستوزره، وهو يأبى، فركب السلطان إليه، فامتنع أيضاً، حتى غضب عليه، فاعتذر إليه وقال له: أنا رجل كبير، وقد خدمت العلم عمري واشتهر ذلك عني في البلاد، وأعلم أني لو اجتهدت في إقامة لعدل بغابة جهدي ما قدرت أن أؤدي حقه، ولو ظُلِم أكِّار (حرِّاث) في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إليَّ، ورجعت أنت وغيرك باللائمة عليِّ، والملك لا يستقيم إلا بشيء من العسف والظلم، وأخذ الخَلْق بالشدة، وأنا لا أقدر عليه، ولا يليق بي، فعذره وأعفاه.
ولما أقعد في آخر عمره، جاء رجل مغربي فعالجه بدهن صنعه، فبانت ثمرته، وتمكن من مدِّ رجليه، فقال لأخيه عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير: أعطه ما يرضيه، واصرفه، فقال أخوه: لماذا وقد ظهر النجح؟! قال: هو كما تقول، ولكني في راحة من صحبة هؤلاء القوم - يعني الأمراء والسلاطين، وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة، وبالأمس كنت أذل نفسي بالسعي إليهم، وهنا في منزلي لا يأتون إليَّ إلا في مشورة مهمة، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعش باقيه حراً سليماً من الذل، قال أخوه: فقبلت قوله وصرفت الرجل بإحسان.
فلزم بيته صابراً محتسباً، يقصده العلماء، ويفد إليه السلاطين والأمراء، يقبسون من علمه، وينهلون من فيضه، حتى توفي رحمه الله بالموصل سنة 606 هـ.
* * *