الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} (1)، وبقوله:{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} (2).
وحرة واقم التي تحد المدينة من الشرق، كانت أكثر عمراناً من الوبرة، وحين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، كانت حرة واقم مسكونة بأهم قبائل اليهود من بني النضير وقريظة، وعدد من عشائر اليهود الأخرى، كما كانت تسكنها أهم البطون الأوسية: بنو عبد الأشهل وبنو ظفر وبنو حرثة، وبنو معاوية، وفي منازل بني عبد الأشهل كان يقوم حصنهم واقم، الذي سميت الحرة باسمه.
* * *
الحالة الدينية والمكانة الاجتماعية:
كان العرب تابعين لقريش وأهل مكة في العقيدة والديانة، ينظرون إلى قريش كسدنة للبيت، وقادة في الدين، وقدوة في الاعتقاد والعبادة، خاضعين للوثنية السائدة على جزيرة العرب، يعبدون من الأصنام ما تعبد قريش وأهل الحجاز، إلا أن علاقتهم ببعض الأصنام كانت أقوى من علاقتهم ببعضها، فكانت مناة لأهل المدينة، وكانت أقدم الأصنام، وكان الأوس والخزرج أشد إعظاماً لها من غيرهم، وكانوا يهلون لها شركاً بالله تعالى، وكانت حذو (قُدَيْد) الجبل الذي بين مكة والمدينة من ناحية الساحل، كما كانت اللاتُ لأهل الطائف، والعُزى لأهل مكة، وكان أهل هذه المدن أكثر تعصباً حمية لها من غيرها، وكان من اتخذ في داره صنماً من أهل المدينة من خشب أو غيره يسميه "مناة" أيضاً، كما فعل ذلك عمرو بن الجموح سيد من سادات بني سلمة قبل أن يسلم.
وقد جاء في حديث رواه الإمام أحمد عن عروة عن عائشة في تفسر قوله تعالى {إِنَّ
(1) الحشر: 7.
(2)
الحشر: 14.
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1).
قالت: إن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلْل، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل الله عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. ولم نطلع على صنم لهم خاص في المدينة اشتهر كاللات ومناة، والعزى، أو كهُبل، يعكفون على عبادته، ويشد إليه الرحال من خارج المدينة، ويبدو أن الأصنام لم تنتشر في المدينة انتشارها في مكة، فقد كان لكل بيت في مكة صنم خاص، وكانت الأصنام يطاف بها وتباع، فكانوا في الوثنية عيالاً على أهل مكة وأتباعاً لهم.
وكان لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال لهم:"قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما يوم الفطر والأضحى"، وقد ذكر بعض شراح الحديث أنهما النيروز والمهرجان، وكأنهم أخذوهما من الفُرس.
وكانت قريش تعترف بشرف الأوس والخزرج، وهم بنو قحطان العرب العاربة، وكانوا يصاهرونهم، ويتزوجون فيهم، وقد تزوج هاشم بن عبد مناف وهو سيد قريش في بني النجار، تزوج سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجار وهم من الخزرج، إلا أنهم كانوا يرون لأنفسهم فضلاً عليهم، وقد قال عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة - الذين دعوا إلى المبارزة يوم بدر، فخرج إليهم فتية من الأنصار - فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ثم نادى مناديهم، يا محمد! أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي" فلما قاموا ودنوا منهم، وسموا أنفسهم، قالوا: نعم أكفاء كرام، وكانوا ينظرون إلى الفلاحة التي كان يمارسها أهل المدينة بحكم طبيعة أرضهم لاعتمادهم عليها في معاشهم نظرة
(1) البقرة: 158.