الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى هذا أنه لم يلزم نفسه بما التزم به البخاري من مراعاة مستوى خاص في الرواية والرواة، بل توسع في شرطه فروى عن رواة لم يرو لهم البخاري في صحيحه، ولعلك على ذكر من المثال الذي ذكرناه أثناء الكلام على شرط البخاري في صحيحه، وهو أن تلامذة الإمام ابن شهاب الزهري على خمس طبقات: الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ولكل طبقة مزية على التي تليها في الحفظ والإتقان وطول الملازمة والصحبة.
وقد ذكرنا هناك أن البخاري يخرج أحاديث الطبقة الأولى، ويخرج من أحاديث الطبقة الثانية قليلاً وفي غير أصول الكتاب.
أما مسلم فيخرج أحاديث رجال الطبقة الأولى والثانية استيعاباً، ويخرج من أحاديث الطبقة الثالثة قليلاً، وذلك في المتابعات والشواهد لا في أصل الكتاب، ولعل فيما ذكره مسلم في مقدمة صحيحه ما يلقي لنا ضوءاً نتعرف به شرطه في صحيحه ذلك أنه قسم الأحاديث ثلاثة أقسام:
الأولى: ما رواه الحفاظ المتقنون.
الثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان.
الثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون وقد ذكر أنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه (1) وهو يؤيد ما ذكرناه.
خصائص صحيح مسلم:
وقد امتاز صحيح مسلم بأن مؤلفه سلك فيه طريقة حسنة، ذلك أنه يجمع المتون كلها بطرقها في موضع واحد، ولا يفرقها في الأبواب، ولا يكررها إلا في القليل النادر، إلا إذا كانت هناك ضرورة لهذا التكرار كفائدة زائدة في سند الحديث أو متنه.
وقد سهل له هذا المنهج أنه لم يقصد أن يضم إلى جمع الأحاديث بيان فقهها واستنباط الأحكام والآداب منها.
(1) صحيح مسلم بشرح النووي جـ 1 ص 48.
أما البخاري فقد قصد إلى ذلك فمن ثم اضطر إلى طريقته التي سلكها في صحيحه.
ومن هذه الخصائص: التدقيق في الألفاظ، والمحافظة على اللفظ ما وسعه الأمر حتى إذا خالف راوٍ راويا آخر في لفظه والمعنى واحد فرواها بعضهم بلفظ والآخر بلفظ آخر، بينهُ، وكذا إذا قال راوٍ (حدثنا) وقال آخر (أخبرنا)(1) بيّن الخلاف في ذلك، وكذلك إذا روى الحديث جماعة وكانت هناك مغايرة في بعض الألفاظ فإنه يبين أن اللفظ المذكور من رواية فلان، ولذا تجده يقول ي هذا النوع من الحديث:(واللفظ لفلان) وهذا غاية الدقة والأمانة في النقل اللتين امتاز بهما مثل الإمام مسلم.
وأيضاً فقد حرص مسلم أن لا يذكر في كتابه إلا الأحاديث المسندة المرفوعة - أي المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يذكر أقوال الصحابة ولا التابعين وليس فيه بعد المقدمة إلا الأحاديث المرفوعة.
وكذلك لم يكثر مسلم في كتابه من الأحاديث المعلقة (2) فليس فيه إلا اثنا عشر حديثاً وهي في المتابعات لا في أصول الكتاب ومقاصده، هذا وهناك - غير ما ذكرنا - خصائص تظهر لمن يدرس الكتاب حق الدرس.
* * *
(1) الذي عليه جمهور المحدثين - ومنهم مسلم - التفرقة بين حدثنا، وأخبرنا، فالأول: بما سمعه الراوي من لفظ شيخه، والثاني: لما قرأه التلميذ على شيخه.
(2)
هي ما حذف من مبتدأ إسنادها واحد أو أكثر.