الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند العرب وتجنبهم فيها القتال وذلك من مراعاة للرأي العام، وبعضهم يرى أن نسخ تحريم القتال في الأشهر الحرم جاء متأخراً ولا أرى ذلك.
* * *
دروس من هذه السرية:
1 -
قال الشيخ الغزالي تعليقاً على هذه الحادثة: ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسماً هذه الأقاويل ومؤيداً مسلك عبد الله تجاه المشركين.
إن الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسملين لا مساغ لها، فإن الحرمات المقدسة قد انتُهكت كلها في محاربة الإسلام واضطهاد أهله! فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاكها معرة وشناعة؟
ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرر قتل نبيهم وسلب أموالهم؟ لكن بعض الناس يرفع القوانين إلى السماء عندما تكون في مصلحته، فإذا رأى هذه المصلحة مهددة بما ينتقضُها هدم القوانين والدساتير جميعاً.
فالقانون المرعي - عنده في الحقيقة - هو مقتضيات هذه المصلحة الخاصة فحسب.
وقد أوضح الله عز وجل أن المشركين لن يحجزهم شهر حرام أو بلد حرام عن المضي في خطتهم الأصلية، وهي سحق المسلمين، حتى لا تقوم لدينهم قائمة فقال:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (2).
ثم حذر المسلمين من الهزيمة أمام هذه القوى الباغية والتفريط في الإيمان الذي شرفهم
(1) البقرة: 217.
(2)
البقر: 217.
الله به، وناط سعادتهم في الدنيا والآخرة بالبقاء عليه فقال:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).
وزكى القرآن عمل "عبد الله" وصحبه، فقد نفذوا أوامر الرسول بأمانة وشجاعة وتوغلوا في أرض العدو مسافات شاسعة؛ متعرضين للقتل في سبيل الله متطوعين لذلك من غير مكره أو محرج.
فكيف يُجزن على هذا بالتقريع والتخويف؟ قال الله فيهم:
والقرآن في فعال هذه السرية، لم يدع مجالاً للهوادة مع المشركين المعتمدين مما كان له أثره البعيد لدى المسلمين وخصومهم.
فبعد أن كان أغلب المكتتبين في السرايا السابقة من المهاجرين، أخذت البعوث الخارجة تتألف من المهاجرين والأنصار معاً.
وزاد الشعور بأن الكفاح المرتقب قد يطول مداه، وتكثر تبعاته، ولكنه كفاح مستحب، مقرون بالخير العاجل والآجل.
وأدركت مكة أنها مؤاخذة بما جد أو يجد من سيئاتها، وأن تجارتها مع الشام أمست تحت رحمة المسلمين.
وهكذا اتسعت الهوة، وزادت بين الفريقين الجفوة.
وكأن هذه الأحاديث الشداد هي المقدمة لما أعده القدر بعد شهر واحد من وقوعها عندما جمع رجالات مكة. وخيرة أهل المدينة على موعد غير منظور في "بدر".
(1) البقرة: 217.
(2)
البقرة: 218.