المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8)حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ النَّاشِر

- ‌مقدمةالأساس في السنة وفقهها

- ‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌ضخامة المكتبة الحديثية:

- ‌منهج تأليف هذا الكتاب

- ‌أقسام الكتاب

- ‌ثانياً: تعريف بأصول هذا الكتاب ومصنفيها

- ‌1 - الإمام البخاري وصحيحه

- ‌الجامع الصحيح

- ‌الحامل له على تأليف الصحيح:

- ‌منهج البخاري في جمع الصحيح:

- ‌براعة البخاري في النقد:

- ‌شروط البخاري في التصحيح في القمة:

- ‌2 - الإمام مسلم وصحيحه

- ‌صحيح الإمام مسلم

- ‌سماحة الإمام في البحث:

- ‌منهج مسلم في صحيحه:

- ‌خصائص صحيح مسلم:

- ‌3 - الإمام أبو داود وسننه

- ‌4 - الإمام الترمذي وسننه

- ‌5 - الإمام النسائي وسننه

- ‌6 - ابن ماجه وسننه

- ‌7 - الدارمي وسننه

- ‌شيوخه:

- ‌من روى عنه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌مرتبة هذه السنن عند المحدثين:

- ‌8 - الإمام مالك وموطؤه

- ‌9 - الإمام أحمد ومسنده

- ‌10 - 11 - 12 - معاجم الطبراني الثلاثة

- ‌13 - ابن حبان وصحيحه

- ‌14 - ابن خزيمة وصحيحه

- ‌15 - أبو يعلي ومسنده

- ‌16 - أبو بكر البزار ومسنده

- ‌17 - الحاكم ومستدركه

- ‌18 - رزين وابن الأثير وابن الديبع الشيبانيوالأصول الستة

- ‌19 - نور الدين الهيثمي ومجمع الزوائد

- ‌20 - محمد بن محمد بن سليمان المغربيوكتابه جمع الفوائد

- ‌المقدمة

- ‌تصحيح مفاهيم حول السيرة:

- ‌(1)حاجة البشرية إلى الدين

- ‌(2)محمد الرسول الأكمل صلى الله عليه وسلم

- ‌(3)شرط التاريخية

- ‌(4)شرط الكمال المطلق

- ‌(5)شرط الشمولية

- ‌(6)واقعية السيرة المحمدية

- ‌(7)عالمية السيرة المحمدية

- ‌(8)حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية

- ‌الباب الأولمنسيرته صلى الله عليه وسلموهومن البدء حتى النبوة الشريفة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌فَصْلٌ: في فضل النَّسَبِ وفي فضل الجيل

- ‌نسب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌اصطفاء نبينا من خير بني آدم ومن خير الأجيال

- ‌تزكية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللصحابة

- ‌فائدة:

- ‌[هاجر] جدة رسولنا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌تعليق حول صدق إبراهيم عليه السلام

- ‌قصة إسماعيل الذبيح عليه السلام وبناء البيت

- ‌فائدة في التعريف بالقبائل العربية

- ‌فصل: في بعض البشارات بنبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌بشارات في الكتب السابقة:

- ‌تعليق:

- ‌في قصة بحيرا شاهد على أنه عليه الصلاة والسلام مبشر به:

- ‌فائدة حول موضوع الكشف للأولياء:

- ‌فصل: في الميلاد

- ‌متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌ولد يتيماً صلى الله عليه وسلم:

- ‌تعليق حول الحكمة من هذا اليتم وذاك الفقر:

- ‌فصل: في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌تعليق:

- ‌ما جاء عن رضاعه وتنشئته في البادية:

- ‌فائدة حول تنشئته صلى الله عليه وسلم في البادية:

- ‌فصل: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتكرار هذه الحادثة

- ‌فوائد حول حادثة شق الصدر:

- ‌فصل: في رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم والحكمة من ذلك

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في عصمته صلى الله عليه وسلم مما يشينه حتى قبل البعثة

- ‌بناء البيت وعصمته من كشف العورة:

- ‌عصمته من فعل الجاهلية:

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في حضوره صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌فوائد حول حادث حلف الفضول:

- ‌فصل: في الإجارة عند خديجة ثم زواجه صلى الله عليه وسلم منها

- ‌تعليق حول الروايات السابقة:

- ‌فصل: في رجاحة عقله صلى الله عليه سلم وتلقيبه بالأمين قبل البعثة

- ‌فائدة حول تحكيمه صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود:

- ‌بركته ومحبة الناس له وثقتهم به:

- ‌فصل: في مقدمات بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌تطلعات إلى دين جديد صحيح:

- ‌نقل حول ما وصل إليه العرب من سوء الأحوال وحاجتهم إلى الدين الجديد:

- ‌الفترة التي بين عيسى ونبينا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌إرهاصات بنبوته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة الباب

- ‌الباب الثانيمنالبعثة حتى الاستقرار في المدينة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌فصل: في بدء الوحي وفترته واستئنافه

- ‌السر في الخلوة:

- ‌حياته قبل النبوة:

- ‌المراحل الأولى للوحي:

- ‌فصل: في ظاهرة الوحي

- ‌أقسام الوحي:

- ‌حفظ أمر السماء بعد النبوة:

- ‌القرآنمعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة

- ‌متى وكيف نزل القرآن:

- ‌فصل: في الدعوة السرية

- ‌بداية الدعوة في سريتها وفرديتها:

- ‌فصل: في الدعوة الجهرية

- ‌أصناف خصوم الدعوة الجهرية:

- ‌فصل ووصل

- ‌فصل: في هجرتي الحبشة

- ‌دروس من الهجرة إلى الحبشة:

- ‌فصل: في إسلام عمر وحمزة

- ‌دروس من إسلام عمر وحمزة:

- ‌فصل: في حصار الشِّعْب

- ‌درس من الحصار:

- ‌جزاء المقاطعة:

- ‌فصل: في انشقاق القمر

- ‌فصل: الإيذاء مستمر والدعوة مستمرة

- ‌فصل: عام الحزن والشدّة

- ‌فصل: في رحلة الطائف

- ‌فصل: في تبليغ الجن

- ‌الفرج بعد الشدة:

- ‌فصل: في تكسير بعض الأصنام

- ‌فصل: في الإسراء والمعراج

- ‌زمن الإسراء والمعراج:

- ‌الإيمان بالإسراء والمعراج:

- ‌الإسراء بالروح وبالجسد:

- ‌فصل: في بداية دخول الإسلام المدينة المنورةوفي بيعتي العقبة

- ‌فصل: في الهجرة إلى المدينة المنورة

- ‌مقدمة:

- ‌الهجرة من دار الحرب إلى دار السلام:

- ‌فوائد من فتح الباري:

- ‌تعليق:

- ‌فوائد من كتاب الهجرة للدكتور محمد أبو فارس:

- ‌تأملات في العهد المكي وتصويبات

- ‌الباب الثالثمِنالاستقرار في المدينة حتى الوفاة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌أحادث السنة الأولى في سطور

- ‌فصل: المدينة عند الهجرة

- ‌ اليهود

- ‌الأوس والخزرج:

- ‌الوضع الطبيعي:

- ‌الحالة الدينية والمكانة الاجتماعية:

- ‌الحالة الاقتصادية والحضارية:

- ‌فصل: التأريخ بالهجرة

- ‌ للبداءة بالمحرم سببان:

- ‌فصل: في حسن الاستقبال وقوة الإقبال

- ‌فصل: المسجد أولاً

- ‌فصل: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌أهداف المؤاخاة:

- ‌فصل: في الترتيبات الدستورية

- ‌دروس من الصحيفة:

- ‌فصل: في البيعة

- ‌فصل: في الإذن بالقتال وبدء الحركة القتالية

- ‌فصل: في أمور متفرقةحدثت في السنة الأولى

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام:

- ‌2 - خروج وباء المدينة منها:

- ‌3 - دخوله عليه الصلاة والسلام بعائشة:

- ‌4 - تشريع الأذان وإكمال الصلاة:

- ‌5 - حراسة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الأولى

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌1 - في تحالفات هذا العام:

- ‌2 - في الحركة العسكرية:

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن جحش

- ‌دروس من هذه السرية:

- ‌الحكمة في السرايا:

- ‌فصل: في تحويل القبلة

- ‌دروس في تحويل القبلة:

- ‌عدد غزواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فصل: في غزوة بدر

- ‌تمهيد:

- ‌1 - مقدمات الغزوة

- ‌2 - صور ومشاهد

- ‌عوامل النصر

- ‌3 - الأنفال

- ‌فوائد:

- ‌4 - فضل أهل بدر

- ‌5 - الأسارى

- ‌6 - آيات بدرية

- ‌7 - من فقه غزوة بدر

- ‌8 - في أعقاب بدر

- ‌من نعم الله على المسلمين في غزوة بدر:

- ‌فصل: في إجراء يهود بني قينُقاعٍ

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الثانية للهجرة

الفصل: ‌(8)حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية

بينهم وصحح النظرة إليهم، فالغلاة من أتباعهم أرجعهم إلى القصد، والمنتقصون لأقدارهم أرجعهم إلى الرشد.

بهذا وأمثاله وبمسالك متعددة أقام المؤلف الحجة على عالمية الإسلام، وأنه لكل الأمم، وأن على الأمم جميعاً أن تؤمن به، وأن تقتدي بسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن تهتدي بهداه.

* * *

(8)

حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية

وبعد أن برهن المؤلف على أن الرسالة المحمدية لكل الأمم، وأن على جميع الشعوب والأفراد أن يدخلوا فيها، ختم محاضراته بالمحاضرة الثامنة التي تحدث فيها عن حقية هذه الرسالة، وعن حقية مضموناتها، وعن بعض أياديها على البشرية، وعن احتياجات البشرية حالاً واستقبالاً لها.

تحدث عن مظاهر متعددة من انحراف البشر قديماً وحديثاً، وكيف أن الرسالة المحمدية صححت، وأنها وحدها أعطت الحلِّ الصحيح والجواب لمشكلات البشرية ولتساؤلاتها.

تحدث بالنسبة للذات الإلهية عما وقعت فيه البشرية من تشبيه وتمثيل، وكيف أن الإسلام صحح ذلك.

وأن نظريات الخير والشر وفلسفة الخير والشر وأسباب الخير والشر، كل ذلك قد وجدت فيه أخطاء، وجاء الإسلام فصحح ذلك.

وأن فكرة تعذيب الأجسام أصبحت جزءاً من كل الديانات، فجاء الإسلام وحسم ذلك.

وأن فكرة الانتحار تضحية لله في زعمهم أو فراراً من ألم كانت ولا زالت جزءاً من تفكير

ص: 126

الإنسان، وجاء الإسلام فأبطل ذلك وحرمه.

وأن فكرة قتل الأولاد أو وأد البنات أو حرق المرأة نفسها بعد وفاة زوجها كانت في بعض الأديان، ولا زالت في بعضها بصور شتى، وجاء الإسلام فحرم ذلك وأبطله.

ومن أكبر الجرائم التي اقترفتها الأمم ولا تزال باقية في بلاد لم تبلغها دعوة الإسلام ولم تشرق أنواره في أرضها، أنهم جعلوا ثراء المال ونقاء الدم وشرف النسب وكرم المحتد ولون البشرة أساس الكرامة ورأس ما يتفاضلون به ويتفاخرون، فجاء الإسلام بأسس جديدة هي وحدها الأسس الحميدة في تقويم الإنسان.

وكانت حياة الرقيق والمستعبدين والأسرى لا تطاق، فجاء الإسلام برحمته الشاملة، ففتح الباب لتحرير الرقيق، ووضع الأساس لحسن التعامل مع الأسير.

ولقد وجد من فرَّق بين الدين والدنيا، وجاء الإسلام فألغى هذا التناقض، ولقد جاء الإسلام وفي العالم رهبانية وعزلة رهيبة عن الحياة فوضع الأمور مواضعها، فهناك واجبات حياتية لا يسع أحداً أن يفرط فيها.

وفي شأن المرأة كانت ولا زالت أخطاء، وفي شأن الأسرة كانت ولا زالت أخطاء، وفي شأن السلم والحرب، وفي شأن الحياة الاقتصادية كانت ولا زالت أخطاء، وفي علاقات الشعوب مع بعضها البعض، وفي نظرة الإنسان إلى الإنسان، جاء الإسلام مصححاً وموجهاً ومعلمً ومربياً وقاطعاً الطريق على الانحراف.

كل ذلك بعض أيادي الإسلام على البشرية، وكل ذلك وغيره تحتاجه البشرية بلا استثناء، وكل ما في الإسلام حق وعدل.

فيا شعوب هذا العالم ويا أبناءه ليس أمامكم إلا الإسلام فآمنوا به والتزموا هديه.

وقد عرض المؤلف هذه المعاني كلها أجمل عرض وأقواه وضرب له من الأمثلة ما يشفي ويغني.

وقد ترددت كثيراً أن أجعل هذا التلخيص جزءاً من هذه المقدمة لطوله، ولكن غلبني أسره فأثبته.

* * *

ص: 127

وعلى كل حال فقد عرفنا من هذه المحاضرات القيمة الكبرى لدراسة كل ما له علاقة بالرسالة المحمدية، وعرفنا أن السيرة النبوية لا تعني فقط أن ندرس بعض أحداث هذه السيرة تاريخياً، وقد أصاب الشيخ محمد الغزالي عندما ختم كتابه (فقه السيرة) بهذه الكلمات:

قد تظن أنك درست حياة محمد صلى الله عليه وسلم إذا تابعت تاريخه من المولد إلى الوفاة، وهذا خطأ بالغ، إنك لن تفقه السيرة حقاً إلا إذا درست القرآن الكريم والسنة المطهرة. وبقدر ما تنال من ذلك تكون صلتك بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. أهـ.

* * *

ولقد صحح ما نقلناه عن الشيخ سليمان الندوي بعض المفاهيم والأغلاط ورسَّخ بعض المعاني، وقد آن الأوان لنكمل أغراض هذه المقدمة في التصحيح والترسيخ فأقول:

السيرة في الاصطلاح هي التأريخ لحياته عليه الصلاة والسلام كما جرت عليه عادة كتاب السيرة. فالسيرة من هذه الحيثية يدخل فيها جزء من أفعاله وأقواله وتاريخه صلى الله عليه وسلم وفي السيرة بالمعنى الاصطلاحي يقع بعض الناس في أغلاط.

من هذه الأغلاط أن بعضهم يعتبر السيرة النبوية بالمعنى الاصطلاحي وكأنها المصدر التشريعي الوحيد الذي تستخرج منه الأحكام، وبعضهم يستخرجون من السيرة قواعد وعموميات ويحاولون تطبيقها على جزئيات حياتية قد تدخل فيها وقد لا تدخل، وأحياناً يفرضون على الأمة ألا تخرج على ما يستنبطون، ويحرمون على الأمة ألا تسير على ما يستخرجون، وهناك ناس يعتبرون أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها على حد سواء في فرضية الاقتداء، وهناك ناس يعطون أنفسهم حق التمييز بين أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا سنة وهذا مباح، وهذا فعَله بحكم رئاسته للدولة، وهذا فعله بحكم أنه مشرع للأمة، يعطون أنفسهم هذا الحق وهم ليسوا مؤهلين لذلك، وهذا كله يستدعي توضيحاً.

إن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم كلها جزء من سنته، وسنته هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، ومصادر التشريع الأصلية أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. أما المصادر

ص: 128

الفرعية فمتعددة وهي محلُّ خلاف بين المذاهب الأربعة، ومنها: الاستحسان والاستصحاب والاستصلاح .. إلخ.

والمسلمون بمجموعهم مكلفون أن يسيروا على ضوء حكم الله في الواقعة التي تواجههم، والمسلم مكلف بالسير على ضوء حكم الله في الواقعة التي تواجهه، وحكم الله يؤخذ من المصادر الأصلية والفرعية، وتطرأ عليه طوارئ بسبب من ظروف خاصة زماناً أو مكاناً أو شخصاً، فما دام المسلم ملتزماً بحكم الله وبالفتوى المبصرة من أهلها فهو على إسلام، وهو على سنة، وهو مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل في قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) وهكذا لا تقيد الأمة الإسلامية ولا الفرد المسلم إلا بهذا القيد، وهو الفتوى البصيرة من أهلها.

فإذا اتضح هذا نقول: إن من مصادر التشريع - التي تبني عليها الفتوى - السنة، وأفعال الرسول جزء من السنة النبوية وسيرته من أفعاله، وللأصوليين مباحث بخصوص هذا الشأن منها: هل إذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً فذلك يفيد الوجوب إلا إذا وجدت قرينة، أم أنه لا يفيد الوجوب إلا إذا وجدت قرينة؟ هناك وجهتا نظر.

قال أبو حامد الغزالي في (المنخول):

والمختار عندنا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إن اقترن به قرينة الوجوب كقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فهو للوجوب. وإن لم يقترن نظر، فإن وقع من جملة الأفعال المعتادة، من أكل، وشرب، وقيام وقعود، واتكاء، واضطجاع، فلا حكم له أصلاً. وظن بعض المحدثين أن التشبه به في كل أفعاله سنة، وهو غلط؛ وإن تردد بين الوجوب والندب، فإن اقترنت به قرينة القربة فهو محمول على الندب، لأنه أقل، والوجوب متوقف فيه. وإن تردد بين القربة والإباحة، فيتلقى منه رفع الحرج، وليس هذا متلقى من صيغة الفعل، إذ الفعل لا صيغة له، ومستنده مسلك الصحابة فإنا نعلم أن الممنوع من فعل فيما بينهم، لو نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله لفهموا منه رفع الحرج.

(1) الأحزاب: 21.

ص: 129

وأما الإباحة فلا نتلقاه، فإنه حكم يقتضي التخيير مع تساوي الطرفين، وهو يناقض الندب، والفعل متردد بينه وبين رفع الحرج، فأقل الدرجات رفع الحرج.

فإن تمسك أبو حنيفة رحمه الله بإجماع الأمة على كون النبي عليه السلام أسوة وقدوة ومطاعاً، وشرطه الاقتداء به في كل ما يأتي ويذر.

قلنا: معناه أن أمره ممتثل، كما يقال: الأمير مطاع في قومه، ولا يراد به أنهم يتربعون إذا تربع، أو ينامون إذا نام.

فإن تمسك بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) وقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (2) وقوله: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3) فكل ذلك محمول على الأمر، وهو الذي أتانا به دون الفعل.

وهل الأصل فيما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم الحرمة أو الإباحة؟ الذي عليه جماهير الأمة سلفاً وخلفاً أن الأصل في الأشياء الإباحة، ومن هنا ندرك خطأ الذين يقولون: هات الدليل على أن هذا الشيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يعتبر جائزاً، الصواب أن يقال: هات الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرّمه، فشيء لم يفعله ولم يأمر به ولم ينه عنه فالأصل فيه الجواز.

إذا اتضحت هذه المعاني فإننا نستطيع أن ندرك كثيراً من الأخطاء، خطأ الذين يحرمون شيئاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وخطأ الذين يعتبرون أن مجرد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد الفرضية.

لقد وجد ناس قرأوا السيرة فاستخرجوا منها أن المنحى العام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية كان على طريقة معينة: دعوة دون قتال مع طلب النصرة ثم هجرة ثم

، وبناء عليه فن الأمة الإسلامية يفترض عليها أن تسير على نفس المنحى، مع أن الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية تختلف، والأحكام قد اكتملت ولم يعد النسخ في الشريعة متصوراً، والعبرة لآخر ما استقر عليه التشريع، ومن ثم فالمسلم مكلف في ما

(1) الحشر: 7.

(2)

النور: 63.

(3)

آل عمران: 31.

ص: 130

يواجهه أن يبحث عن حكم الله، والأمة الإسلامية مقيدة في سيرها بحكم الله، فقد يكون حكم الله القتال ابتداء، وقد يكون غير ذلك.

وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما يفيد الإباحة، ومنها ما يفيد السنية، ومنها ما يفيد الوجوب، والقرائن هي التي تحدد، وحتى أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم للقرائن دخل في فهم الوجوب أو الحرمة منها، وفهم هذه القضية بالمكان الأعلى من فقه الحركة، صحيح أن من قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله غير المنسوخة فهو مأجور في كل حال، ولكن هذا شيء وادعاء الفرضية أو الحرمة شيء آخر.

ولاشك أن بعض أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطبق عليه وصف السياسة الشرعية، وبالتالي فبعض أفعاله جزء من السياسة اليومية التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم إدارته لشؤون المسلمين.

ولكن هل كل أحد مرشح لأن يقول عن أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا يفيد السنية، وهذا يفيد الوجوب؟ وهل كل إنسان مرشح لأن يقول: هذا من السياسة اليومية وهذا من التشريع الدائم؟

إن هناك معلومات من الدين بالضرورة يستوي في معرفتها والفتوى بها العام والخاص ولكن ما سوى ذلك من أمور مشتبهات لا يستطيعها إلا مجتهد استشرف نصوص الكتاب والسنة واستوعب الكليات والجزئيات، أمثال هؤلاء هم المرشحون للبيان قال عليه الصلاة والسلام في الحدث الصحيح:"وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس" وإذن فهناك م يعلمها وهم الأئمة المجتهدون، ولخطورة أن يتكلم في هذا الموضوع أحد لم يصل إلى رتبة الاجتهاد، حكم الأئمة على من يتصدر للاجتهاد وليس أهلاً له بأنه ضال مُضِل، لأنه في هذه الحالة يجعل الحرام حلالاً، والواجب مباحاً، أو المباح حراماً، أو يعطل لنصوص بحجة أنها مؤقتة بوقت، أو كانت مرحلية، إلى غير ذلك من أقوال إن لم تكن صادقة فهي الضلال عينه.

* * *

وإلى الباب الأول من قسم السيرة النبوية.

ص: 131