الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في الفتح: والذي يظهر لي أن معنى قوله "واستقبوا نبلكم" لا يتعلق بقوله "ارموهم" وإنما هو كالبيان للمراد بالأمر بتأخير الرمي حتى يقربوا منهم، أي إنهم إذا كانوا بعيداً لا تصيبهم غالباً، فالمعنى استبقوا نبلكم في الحالة التي إذا رميتم بها لا تصيب غالباً وإذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالباً فارموا. أهـ.
* * *
عوامل النصر
جرت عادة القادة في الحروب أنهم يتقدمون لجندهم بتوجيهات القتال بين يدي المعركة الملاحظ من خلال هذا الحديث وغيره مما مر معنا ويمر ما يلي:
1 -
أن توجيهات القتال كانت واضحة وحكيمة.
2 -
أن التعبئة النفسية كانت على أرقاها وأعلاها.
3 -
أن القناعة بالمعركة كانت كاملة.
وكل ذلك كانت عوامل مناسبة للوصول إلى النصر وهي جزء من عالم الأسباب الذي يجب أن يلاحظه المسلمون في معاركهم.
300 -
* روى البخاري عن الزبير بن العوام القرشي قال: لقيتُ يوم بدرٍ عبيدة بن سعيد بن العاص، وهو مدجج، لا يُرى منه إلا عيناهُ، وكان يُكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملتُ عليه بالعنزة، فطعنته في عينه، فمات، قال فأخبرتُ أن الزبير قال: لقد وضعتُ رجلي عليه، ثم تمطأت فكان الجُهد: أن نزعتُها، وقد انثنى
300 - البخاري (7/ 214) 64 - كتاب المغازي - باب: 12.
مدجج: المدجج: الغائص في سلاحه.
العنزة: شبه العكازة في رأسها سنان كسنان الرمح.
تمطيت: تمطى: امتد وطال ومنه التمطي.
الجهد: بضم الجيم. الوسع والطاقة وبفتحها: المشقة. وقيل: هما لغتان في المشقة.
يكون في الصف".
304 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدرٍ: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب".
305 -
* روى الحاكم عن أبي أمامة بن سهل قال: قال لي أبي: يا بُني لقد رأيتُنا يوم بدرٍ وإن أحدنا ُشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه.
306 -
* روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدرٍ نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسع عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه سولم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه يقول:"اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تُعبدُ في الأرض" فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كذاك مُناشدتك ربك، فإنه سينجزُ لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1) فأمده الله بالملائكة، قال سِماك: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجلٍ من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزُوم فنظر إلى المشرك أمامهُ خر مستلقياً، فنظر إليه،
204 - البخاري (7/ 212) 64 - كتاب المغازي - 11 - باب شهود الملائكة بدراً.
205 -
المستدرك (3/ 409) كتاب معرفة الصحابة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
206 -
(3/ 1383) 32 - كتاب الجهاد والسير - 18 - باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم.
هتف به: إذا ناداه وصاح به، والمراد به: الدعاء والتضرع في السؤال.
العصابة: الجماعة من الناس.
يناشده: المناشدة: المسألة والطلب، والابتهال إلى الله تعالى.
مردفين: أي: متتابعين، يتبع بعضهم بعضاً.
(1)
الأنفال: 9.
يشتد: الشد: العدو.
خيؤوم: اسم فرس من خيل الملائكة الذين أمد الله بهم المسلمين يوم بدر.
فإذا هو قد خُطِمَ أنفه وشُق وجهه، كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمعُ، فجاء الأنصاريُّ، فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"صدقت، ذلك منْ مددِ السماء الثالثة" فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين، قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر:"ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قلتُ: لا والله، يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمكنا، فنضرب أعناقهم، فتُمكن علياً من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكني من فلان -نسيباً لعمر - فأضربه عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدُها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئتُ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكير أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} (1). فأحل الله الغنيمة لهم.
وأخرج الترمذي (2) منه إلى قوله: فأمده الله بالملائكة.
= خطم أنفه: الخطم - بالحاء المهملة - الدق والكسر، وبالخاء المعجمة: الأثر على الأنف، كما يخطم البعير بالكي، يقال: خطمت البعير: إذا وسمته بكي في الأنف إلى أحد خديه، والخِطامُ: السمة في عرض الوجه إلى الخد.
صناديدها: الصناديد جمع صنديد، وهو السيد الشجاع.
فهوى: هويت الشيء أهواه: إذا ملت إليه، ورغبت فيه.
يثخن: أي حتى يكثر فيها القتل، ويتمكن منها، وتقوى شوكته.
(1)
الأنفال: 67، 68.
(2)
الترمذي (5/ 269) كتاب تفسير القرآن - باب: ومن سورة الأنفال، قال: حديث حسن صحيح غريب.
وأخرج أبو داود (1) منه طرفاً قال: حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، فأخذ - يعني النبي صلى الله عليه وسلم الفداء، فأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله:{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء، ثم أحل لهم الغنائم.
307 -
* روى البخاري (2) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهلٍ؟ قلت: نعم، ما حاجتُك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرتُ أنه يسُبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سوادهُ حتى يموت الأعجلُ منا، قال: فتعجبت لذلك، قال: فغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله فأخبراه، فقال:"أيكما قتله؟ " قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال:"هل مسحتما سيفيكما؟ " قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال:"كلاكما قتله سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح"، وكانا معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.
وفي أخرى (2) قال: إني لفي الصفة يوم بدر، إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري
(1) أبو داود (3/ 61) كتاب الجهاد - باب: في فداء الأسير بالمال.
307 -
البخاري (6/ 346) 57 - كتاب فرض الخمس - 18 - باب: من لم يخمس الأسلاب.
ومسلم (3/ 1372) 32 - كتاب الجهاد والسير - 13 - باب: استحقاق القاتل سلب القتيلز
بين أضلع منهما أي: أقوى منهما وأشد: والضليعُ: القوي الشديد.
سوادي سواده: أي شخصي شخصه.
حتى يموت الأعجل منا: أي لا أفارقه حتى يموت أحدنا، وهو الأقرب أجلاً.
لم أنشب: أي لم ألبث. أي لم يمض زمن كثير على سؤالهما إلا وأنا رأيته.
كلاكما قتله: تطييباً لقلب الآخر من حيث أن له مشاركة في قتله، وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب، وهو الإثخان وإخراجه عن كونه ممتنعاً، إنما وُجد من معاذ بن عمرو بن الجموح، فلهذا قضي له بالسلب.
(2)
البخاري (7/ 307) 63 - كتاب المغازي - باب: 10.
فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانها، إذ قال لي أحدهما سِراً من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي وماتصنعُ به؟ قال: عاهدت الله إن رأيتُه أن أقتله أو أمُوت دُونه، فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله، قال: فماسرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إيه فشدا عليه مثل الصقرين، حتى ضرباه، وهُما ابنا عفراء.
308 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر "مَنْ ينظر ما صنع أبو جهل" فانطلق ابن مسعود فوجَدَهُ قد ضربه ابنا عفراء، حتى برد فأخذ بلحيته، فقال: أنت أبو جهل؟ قال: وهل فوق رجُلٍ قتلتموه؟ أو قال: قتلهُ قومه؟
وفي رواية: قال أبو جهلٍ: فلو غير أكار قتلني.
309 -
* روى الطبراني عن ابن مسعود قال: أدركتُ أبا جهلٍ يوم بدر صريعاً، فقلتُ: أي عدو الله قد أخزاك الله قال: وبما أخزاني من رجل قتلتموه. ومعي سيف لي فجعلت أضربه ولايَحْتَكُّ فيه شيء ومعه سيف له جيد فضربت يده فوقع السيف من يده فأخذته، ثم كشفتُ المغفر عن رأسه فضربتُ عنقهُ، ثم أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:"الله الذي لا إله إلا هو" قلت: الله الذي لا إله إلا هو قال: "انطلق فاستثبتْ" فانطلقت وأنا أسعى مثل الطائر ثم جئتُ وأنا أسعى مثل الطائر أضحك فأخبرتُهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انطلق" فانطلقتُ معه، فأريتُه فلما وقف عليه صلى الله عليه وسلم قال:"هذا فرعونُ هذه الأمةِ"
208 - البخاري (7/ 293) 64 - كتاب المغازي - 8 - باب: قتل أبي جهل. وكذا في (7/ 321) 64 - كتاب المغازي - 11 - باب: شهود الملائكة بدراً.
ومسلم (3/ 1424) 32 - كتاب الجهاد والسير - 41 - باب: قتل أبي جهل.
أكار: الأكار: الفلاح، وأراد بقوله ذلك استصغاراً واستعظاماً، كيف مثله يقتل مثله.
حتى برد: أي صار في حالة من مات ولم يبق منه إلا حركة المذبوح.
309 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 79) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن وهب بن أبي كريمة، وهو ثقة.
المغفر: زَرَدٌ ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
310 -
* روى الطبراني عن حَكِيمِ بن حِزامٍ قال: سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرضِ كأنه صوتُ حصاةٍ في طستٍ ورمَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصاة فانهزمنا.
311 -
* روى البزارُ عن ابن عباسٍ، قال: أخذتْهم ريحٌ عقيمٌ يوم بدر.
312 -
* روى الطبراني عن ابن عباس، أن النبي قال لعلي:"ناولني كفاً من حصى" فناوله، فرمى به وجوه القوم فما بقي أحدٌ من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
…
} (1).
أقول: وهكذا اجتمع في بدر الأخذ بالأسباب بالقدر الممكن مع التوفيق الرباني في تهيئة جميع أسباب النصر متعاونة متكافئة مع التأييدات الرباينة الخارقة والغيبية، ففي عالم الأسباب تشكل دراسة الأرض والطقس ووجود القيادة والثقة بها والروح المعنوية لبناتٍ أساسية في صحة القرار العسكري، ولقد كانت الأرض لصالح المسلمين وكان الطقس مناسباً للمعركة، والقيادة الراقية موجودة والثقة بها عالية والروح المعنوية سابقة، وبعض من هذه المعاني كان من الله بشكل مباشر وتوفيقه وبعضها كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذاً بالأسباب المطلوبة فتضافر الأخذ بالأسباب مع توفيق الله وزيد على ذلك التأييدات الغيبية والخارقة فكان ما كان، وذلك نموذج على ما يعطاه المسلمون بفضل الله إذا ما صلحت النيات عند الجند والقادة ووجدت الاستقامة على أمر الله، وأخذ المسلمون بالأسباب.
* * *
310 - أورده الهيثمي في المجمع (6/ 84) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن.
311 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 77) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.
الريح العقيم: هي التي لا تلقح.
312 -
المعجم الكبير (11/ 285) وأورده الهيثمي في المجمع (6/ 84) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(1)
الأنفال: 17.
313 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أمْ الرُّبيع بنت البراء - وهي أم حارثة بن سُراقة - أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله لا تحدثني عن حارثة - وكان قُتِلَ يوم بدر، أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرتُ، وإن كان غيرُ ذلك اجتهدتُ عليه في البكاء؟ قال:"يا أم حارثة، إنها جنانٌ في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".
وفي رواية (1): قال أنس: أصيب حارثةُ يوم بدر وهو غلامٌ، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك في الجنة أصبرُ وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال:"ويْحَكِ - أو هَبِلْتِ - أو جنة واحدة هي؟ إنها جنانٌ كثيرةٌ، وإنه في جنة الفردوس".
وزاد رَزِين: "وإنه في الفردوس الأعلى. وسقفُه عرشُ الرحمن، ومنه تفجر أنهارُ الجنةِ، وإن غدوةً في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقابُ قوس أحدكم - أو موضع قِدِّه - من الأرض في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعتْ إلى الأرض لأضاءت الدنيا وما فيها، ولنصيفُها - يعني خمارها - خيرٌ من الدنيا وما فيها".
314 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن عباس، ذكر حديث المبارزة وأن عُتْبة بن ربيعة قتل عُبيدة بن الحارث مبارزة ضربه عتبةُ على ساقه فقطعها فحمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمات بالصفراء مُنصرفِهِ من بدرٍ فدفنه هنالك.
313 - البخاري (6/ 26) 56 - كتاب الجهاد - 14 - باب: من أتاه سهم غرب فقتله.
سهم غربٍ: يقال: أًابه سهم غرب، يضاف ولا يضاف، وتحرك الراء وتسكن إذا لم يدر من أين أتاه.
ولقاب قوس أحدكم. أو موضع قِده: ألقاب: القدر، والقد: السوط، يعني لقدر قوسه من الجنة خير من الدنيا وما فيها.
(1)
البخاري (11/ 415) 81 - كتاب الرقاق - 51 - باب: صفة الجنة والنار.
314 -
المستدرك (3/ 188) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
الصفراء: واد قرب المدينة كثير النخل والزرع والخير يجلب منه التمر إلى المدينة.
315 -
* روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: كاتبتُ أمية بن خلفٍ كتاباً: بأن يحفظني في صاغيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرتُ (الرحمن) قالك لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان لك في الجاهلية، فكاتبته (عبد عمرو) فلما كان يوم بدر خرجتُ إلى جيلٍ لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلالٌ، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال: أمية بن خلفٍ، لا نجوتُ إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيتُ أن يلحقونا خلفت لهم ابنه، لأشغلهُم به، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعُونا، وكان رجلاً ثقيلاً. فلما أدركونا قلتُ له: ابْرُك، فبَرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتجللوُه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن يُرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه.
وفي رواية: فلما كان يوم بدر، حصللي درعان، فلقيني أمية فقال: خُذني وابني، فأنا خيرٌ لك من الدرعين، أفتدي منك، فرآه بلالٌ، فقال: أمية رأسُ الكفر، لا نجوتُ إن نجا أمية، فقتلهُما، فكان ابن عوفٍ يقول: يرحمُ الله بلالاً، فلا درعي ولا أسيري.
قال في الفتح: قوله: (بأن يحفظني في صاغيتي) الصاغية بصاد مهملة وغين معجمة خاصة الرجل، مأخوذ من صغى إليه إذا مال. قال الأصمعي: صاغية الرجل كل من يميل إليه، ويطلق على الأهل والمال. وقال ابن التين: رواه الداودي ظاعنتي بالظاء المشالة المعجمة والعين المهملة بعدها نون، ثم فسره بأنه الشيء الذي يسفر إليه قال ولم أر هذا لغيره. قوله:(لا أعرف الرحمن) أي لا أعترف بتوحيده، وزاد ابن إسحق في حديثه أن أمية بن خلف كان يسميه عبد الإله. قوله:(حين نام الناس) أي رقدوا، وأراد بذلك اغتنام غفلتهم ليصون دمه. قوله (فقال: أمية بن خلف) بالنصب على الإغراء، أي عليكم أمية، وفي راية أبي ذر بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا أمية. قوله: (خلفت لهم
315 - البخاري (4/ 480) 40 - كتاب الوكالة - 2 - باب: إذا وكل المسلم حربياً في دار الحرب أو في دار الإسلام.
لأحرزه: أي: لأحوطه وأحفظه من القتل، ومنه الحرزُ، وهو الموضع الذي يحفظ فيه الشيء.
فتحللوه: تحللوه بالسيوف. أي: قتلوه بها طعناً، جعل السيوف في هذه الحالة كالأخلة، حيث لم يقدروا أن يضربوه بها.
ابنه) هو علي بن أمية، ووجه أخذ الترجمة من هذا الحديث أن عبد الرحمن بن عوف وهو مسلم في دار الإسلام فوض إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب ما يتعلق بأموره، والظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم ينكره، قال ابن المنذر: توكيل المسلم حربياً مستأمناً وتوكيل الحربي المستأمن مسلماً لا خلاف في جوازه. قوله (وكان رجلاً ثقيلاً) أي ضخم لجثة.
316 -
* روى الطبراني عن شقيق أن ابن مسعود حدثهُ: أن الثمانية عشر الذين قُتلوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله أرواحم في الجنة في طيرٍ خُضْرٍ تسرحَ في الجنة، فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربُّك اطلاعة، فقال: يا عبادي ماذا تشتهون؟ فقالوا: يا ربنا هل فوق هذا شيء قال: فيقول عبادي ماذا تشتهون؟ فيقولون في الرابعة ترُدُّ أرواحنا في أجسادنا فنقتل كما قُتِلْنا.
أقول: المشهور أن الذين استشهدوا من المسلمين يوم بدر أربعة عشر فلعل ذكر الثمانية عشر ههنا وهم، وقد ذكر أسماء الشهداء ابن كثير في البداية والنهاية فقال:
وكان الذين استشهدوا من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً: من المهاجرين ستة وهم: عُبيدة بن الحارث بن المطلب قطعت رجله فمات بالصفراء رحمه الله، وعُمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص الزُّهري قتله العاص بن سعيد وهو ابن ست عشرة سنة ويقال إنه كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع لصغره فبكى فأذن له في الذهاب فقتل رضي الله عنه، وحليفهم ذو الشمالين بن عبد عمرو الخُزاعي، وصفوان بن بيضاء، وعاقلُ بن البُكير الليثي حليف بني عدي، ومهجع مولى عمر بن الخطاب وكان أول قتيل قُتِلَ من المسلمين يومئذ، ومن الأنصار ثمانية وهم: حارثة بن سراقة رماه حِبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فمات، ومُعوذ وعوف ابنا عفراء، ويزيد بن الحارث - ويقال ابن قُسْحُم - وعُمير بن الحمام، ورافع بن المعلي وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر رضي الله عن جمعيهم.
317 -
* روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما فرغ رسول الله
316 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 90) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
317 -
الترمذي (5/ 299) كتاب التفسير - باب: ومن سورة الأنفال. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
…
=
صلى الله عليه وسلم من بدرٍ قيل له: عليك العيرُ، ليس دُونها شيءٌ، قال: فناداه العباس وهو في وثاقِهِ: لا يصلحُ، وقال لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك.
قال صاحب الفتح الرباني: العير بكسر العين الإبل بأحمالها يعني عير أبي سفيان التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين من المدينة يريدها فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين، فلما فاتهم العدو نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بدراً فوقع القتال، وهذه العير يقال كانت ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار وكان فيها ثلاثون رجلاً من قريش وقيل أربعون وقيل ستون، (ليس دونها شيء) أي ليس دون العير شيء يزاحمك، (فناداه العباس) يعني ابن عبد المطلب وكان إذ ذاك أسيراً (في وثاقه) بكسر الواو وفتحها ما يشد به من قيد وحبل ونحوهما (لايصلح لك) أي لا ينبغي لك. المراد بالطائفتين العير والنفير فكان في العير أبو سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وما معه من الأموال، وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهم من روساء قريش، زاد الترمذي قال: أي النبي صلى الله عليه وسلم (صدقت) أي فيما قلت. أهـ.
318 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن أبي طلحة قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، أمر يوم بدرٍ بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قُريش، فقذفوا في طويٍّ من أطواء بدرٍ خبيثٍ مُخبثٍ، وكان إذا ظهر على قومٍ أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ، فلما كان ببدر اليوم الثالث: أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطقُ إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الرِّكيِّ فجعل يُناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: "يا فلانُ بن فلانٍ، ويا فلان بن فلانٍ، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ " فقال عمر: يا رسول الله ما تُكلم من أجسادٍ لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ
= وأحمد في مسنده (1/ 329).
318 -
البخاري (7/ 300) 64 - كتاب المغازي - 8 - باب: قتل أبي جهل. ومسلم (4/ 3204) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمه وأهلها - 17 - باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو انار عليه.
عرصة الدار: ساحتها.
الرحل: رحل البعير: ما يوضع على ظهره للركوب فكل شيء بعد الرحيل من وعاء للمتاع وغيره.
بيده، ما أنتم بأسمع لما أقولُ منهم" قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخاً، وتصغيراً، ونقمة، وحسرة، وندماً.
قال صاحب فتح الباري: وسيأتي من حديث البراء أن قتلى بدر من الكفار كانوا سبعين، وكأن الذين طرحوا في القليب كانوا الرؤساء منهم ثم من قريش، وخصوا بالمخاطبة المذكورة لما كان تقدم منهم من المعاندة، وطرح باقي القتلى في أمكنة أخرى. وأفاد الواقدي أن القليب المذكور كان حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقي فيه هؤلاء الكفار. قوله:(على شفة الركي) أي طرف البئر، وفي رواية الكشميهني (على شفير الركي) والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره: البئر قبل أن تطوى. والإطواء جمع طوى وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار، ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي. قوله:(فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان) في رواية حميد عن أنس (فنادى يا عتبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام) أخرجه ابن إسحق وأحمد وغيرهما، وكذا وقع عند أحمد ومسلم من طريق ثابت عن أنس، فسمى الأربعة، لكن قدم وأخر، وسياقه أتم. قال في أوله:(تركهم ثلاثة أيام حتى جيفوا) فذكره، وفيه من الزيادة: فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث، وهل يسمعون؟ أهـ.
319 -
* روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: "يا أهل القليبِ هل وجدتم ما وعد ربكُم حقاً فإني وجدتُ ما وعدني ربي حقاً" قالوا: يا رسول الله هل يسمعُونَ ما تقول؟ قال: "ما أنتم بأسمع لما أقول مهم ولكنهم اليوم لا يجيبون".
320 -
روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدرٍ ثلاثاً، ثم أتاهم، فقام عليهم، فناداهم فقال: "يا أبا جهل بن هشام، يا أميةُ بنُ
319 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 91) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
320 -
مسلم (4/ 2303) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها - 17 - باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه.
خلفٍ، يا عتبةُ بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً" فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله، كيف يسمعوا؟ وأني يُجيبوا وقد جيفُوا؟ قال: "والذي نفسي بيده، ما أنتمُ بأسمع لما أقولُ منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يُجيبوا"، ثم أُمِرَ بهم فسُحبوا، فأُلقُوا في قليب بدرٍ.
قال النووي: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم): قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع عملاً بظاهر الحديث ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء ورد عليه القاضي عياض وقال: يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها وذلك بإحئايهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله. أهـ.
هذا كلام القاضي وهو الظاهر المختار الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور والله أعلم. ولأن عائشة رضي الله عنها كان لها تحفظ على بعض هذه الروايات فقد قال ابن حجر في الفتح:
ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفظاً فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة، قال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم مالا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن.
371 -
* روى الحاكم عن أمامة بن سهل قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله
جيفوا: جاف القتيلُ وجيف: إذا أنتن.
القليبُ: البئر يذكر ويؤنث.
321 -
المستدرك (3/ 218) وقال: هذا حديث صحيح علىش رط مسلم ولم يخرجاه: وسكت عنه الذهبي.
…
=