المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب ‌ ‌تمهيد أقبلت على الدعوة الإسلامية - بفضل الله - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ النَّاشِر

- ‌مقدمةالأساس في السنة وفقهها

- ‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌ضخامة المكتبة الحديثية:

- ‌منهج تأليف هذا الكتاب

- ‌أقسام الكتاب

- ‌ثانياً: تعريف بأصول هذا الكتاب ومصنفيها

- ‌1 - الإمام البخاري وصحيحه

- ‌الجامع الصحيح

- ‌الحامل له على تأليف الصحيح:

- ‌منهج البخاري في جمع الصحيح:

- ‌براعة البخاري في النقد:

- ‌شروط البخاري في التصحيح في القمة:

- ‌2 - الإمام مسلم وصحيحه

- ‌صحيح الإمام مسلم

- ‌سماحة الإمام في البحث:

- ‌منهج مسلم في صحيحه:

- ‌خصائص صحيح مسلم:

- ‌3 - الإمام أبو داود وسننه

- ‌4 - الإمام الترمذي وسننه

- ‌5 - الإمام النسائي وسننه

- ‌6 - ابن ماجه وسننه

- ‌7 - الدارمي وسننه

- ‌شيوخه:

- ‌من روى عنه:

- ‌ثناء الأئمة عليه:

- ‌مرتبة هذه السنن عند المحدثين:

- ‌8 - الإمام مالك وموطؤه

- ‌9 - الإمام أحمد ومسنده

- ‌10 - 11 - 12 - معاجم الطبراني الثلاثة

- ‌13 - ابن حبان وصحيحه

- ‌14 - ابن خزيمة وصحيحه

- ‌15 - أبو يعلي ومسنده

- ‌16 - أبو بكر البزار ومسنده

- ‌17 - الحاكم ومستدركه

- ‌18 - رزين وابن الأثير وابن الديبع الشيبانيوالأصول الستة

- ‌19 - نور الدين الهيثمي ومجمع الزوائد

- ‌20 - محمد بن محمد بن سليمان المغربيوكتابه جمع الفوائد

- ‌المقدمة

- ‌تصحيح مفاهيم حول السيرة:

- ‌(1)حاجة البشرية إلى الدين

- ‌(2)محمد الرسول الأكمل صلى الله عليه وسلم

- ‌(3)شرط التاريخية

- ‌(4)شرط الكمال المطلق

- ‌(5)شرط الشمولية

- ‌(6)واقعية السيرة المحمدية

- ‌(7)عالمية السيرة المحمدية

- ‌(8)حقية الرسالة المحمدية وأياديها على البشرية

- ‌الباب الأولمنسيرته صلى الله عليه وسلموهومن البدء حتى النبوة الشريفة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌فَصْلٌ: في فضل النَّسَبِ وفي فضل الجيل

- ‌نسب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌اصطفاء نبينا من خير بني آدم ومن خير الأجيال

- ‌تزكية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللصحابة

- ‌فائدة:

- ‌[هاجر] جدة رسولنا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌تعليق حول صدق إبراهيم عليه السلام

- ‌قصة إسماعيل الذبيح عليه السلام وبناء البيت

- ‌فائدة في التعريف بالقبائل العربية

- ‌فصل: في بعض البشارات بنبينا صلى الله عليه وسلم

- ‌بشارات في الكتب السابقة:

- ‌تعليق:

- ‌في قصة بحيرا شاهد على أنه عليه الصلاة والسلام مبشر به:

- ‌فائدة حول موضوع الكشف للأولياء:

- ‌فصل: في الميلاد

- ‌متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌ولد يتيماً صلى الله عليه وسلم:

- ‌تعليق حول الحكمة من هذا اليتم وذاك الفقر:

- ‌فصل: في أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌تعليق:

- ‌ما جاء عن رضاعه وتنشئته في البادية:

- ‌فائدة حول تنشئته صلى الله عليه وسلم في البادية:

- ‌فصل: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتكرار هذه الحادثة

- ‌فوائد حول حادثة شق الصدر:

- ‌فصل: في رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم والحكمة من ذلك

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في عصمته صلى الله عليه وسلم مما يشينه حتى قبل البعثة

- ‌بناء البيت وعصمته من كشف العورة:

- ‌عصمته من فعل الجاهلية:

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في حضوره صلى الله عليه وسلم حلف الفضول

- ‌فوائد حول حادث حلف الفضول:

- ‌فصل: في الإجارة عند خديجة ثم زواجه صلى الله عليه وسلم منها

- ‌تعليق حول الروايات السابقة:

- ‌فصل: في رجاحة عقله صلى الله عليه سلم وتلقيبه بالأمين قبل البعثة

- ‌فائدة حول تحكيمه صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود:

- ‌بركته ومحبة الناس له وثقتهم به:

- ‌فصل: في مقدمات بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌تطلعات إلى دين جديد صحيح:

- ‌نقل حول ما وصل إليه العرب من سوء الأحوال وحاجتهم إلى الدين الجديد:

- ‌الفترة التي بين عيسى ونبينا - عليهما الصلاة والسلام

- ‌إرهاصات بنبوته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فائدة:

- ‌خاتمة الباب

- ‌الباب الثانيمنالبعثة حتى الاستقرار في المدينة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌فصل: في بدء الوحي وفترته واستئنافه

- ‌السر في الخلوة:

- ‌حياته قبل النبوة:

- ‌المراحل الأولى للوحي:

- ‌فصل: في ظاهرة الوحي

- ‌أقسام الوحي:

- ‌حفظ أمر السماء بعد النبوة:

- ‌القرآنمعجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الخالدة

- ‌متى وكيف نزل القرآن:

- ‌فصل: في الدعوة السرية

- ‌بداية الدعوة في سريتها وفرديتها:

- ‌فصل: في الدعوة الجهرية

- ‌أصناف خصوم الدعوة الجهرية:

- ‌فصل ووصل

- ‌فصل: في هجرتي الحبشة

- ‌دروس من الهجرة إلى الحبشة:

- ‌فصل: في إسلام عمر وحمزة

- ‌دروس من إسلام عمر وحمزة:

- ‌فصل: في حصار الشِّعْب

- ‌درس من الحصار:

- ‌جزاء المقاطعة:

- ‌فصل: في انشقاق القمر

- ‌فصل: الإيذاء مستمر والدعوة مستمرة

- ‌فصل: عام الحزن والشدّة

- ‌فصل: في رحلة الطائف

- ‌فصل: في تبليغ الجن

- ‌الفرج بعد الشدة:

- ‌فصل: في تكسير بعض الأصنام

- ‌فصل: في الإسراء والمعراج

- ‌زمن الإسراء والمعراج:

- ‌الإيمان بالإسراء والمعراج:

- ‌الإسراء بالروح وبالجسد:

- ‌فصل: في بداية دخول الإسلام المدينة المنورةوفي بيعتي العقبة

- ‌فصل: في الهجرة إلى المدينة المنورة

- ‌مقدمة:

- ‌الهجرة من دار الحرب إلى دار السلام:

- ‌فوائد من فتح الباري:

- ‌تعليق:

- ‌فوائد من كتاب الهجرة للدكتور محمد أبو فارس:

- ‌تأملات في العهد المكي وتصويبات

- ‌الباب الثالثمِنالاستقرار في المدينة حتى الوفاة

- ‌هذه المرحلة في سطور

- ‌من ملامح هذه المرحلة

- ‌السنة الأولى للهجرة

- ‌أحادث السنة الأولى في سطور

- ‌فصل: المدينة عند الهجرة

- ‌ اليهود

- ‌الأوس والخزرج:

- ‌الوضع الطبيعي:

- ‌الحالة الدينية والمكانة الاجتماعية:

- ‌الحالة الاقتصادية والحضارية:

- ‌فصل: التأريخ بالهجرة

- ‌ للبداءة بالمحرم سببان:

- ‌فصل: في حسن الاستقبال وقوة الإقبال

- ‌فصل: المسجد أولاً

- ‌فصل: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌أهداف المؤاخاة:

- ‌فصل: في الترتيبات الدستورية

- ‌دروس من الصحيفة:

- ‌فصل: في البيعة

- ‌فصل: في الإذن بالقتال وبدء الحركة القتالية

- ‌فصل: في أمور متفرقةحدثت في السنة الأولى

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام:

- ‌2 - خروج وباء المدينة منها:

- ‌3 - دخوله عليه الصلاة والسلام بعائشة:

- ‌4 - تشريع الأذان وإكمال الصلاة:

- ‌5 - حراسة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الأولى

- ‌السنة الثانية للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌1 - في تحالفات هذا العام:

- ‌2 - في الحركة العسكرية:

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن جحش

- ‌دروس من هذه السرية:

- ‌الحكمة في السرايا:

- ‌فصل: في تحويل القبلة

- ‌دروس في تحويل القبلة:

- ‌عدد غزواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌فصل: في غزوة بدر

- ‌تمهيد:

- ‌1 - مقدمات الغزوة

- ‌2 - صور ومشاهد

- ‌عوامل النصر

- ‌3 - الأنفال

- ‌فوائد:

- ‌4 - فضل أهل بدر

- ‌5 - الأسارى

- ‌6 - آيات بدرية

- ‌7 - من فقه غزوة بدر

- ‌8 - في أعقاب بدر

- ‌من نعم الله على المسلمين في غزوة بدر:

- ‌فصل: في إجراء يهود بني قينُقاعٍ

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الثانية للهجرة

الفصل: ‌ ‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب ‌ ‌تمهيد أقبلت على الدعوة الإسلامية - بفضل الله

‌أولاً: تعريف بهذا الكتاب

‌تمهيد

أقبلت على الدعوة الإسلامية - بفضل الله - في سنِّ مبكرة من حياتي، وكانت المكتبة الإسلامية لحديثة فقيرة، وكان من أبرز الكُتَّاب الذين تصادفنا كتبهم في تلك الأيام الشيخ محمد الغزالي - أطال الله بقاءه - وكان مما قرأت له كتاب فقه السيرة، وكان مما قاله في هذا الكتاب:

إن القرآن روح الإسلام ومادته، وفي آياته المحكمة شُرِحَ دستوره وبُسِطَتْ دعوته، وقد تكفل الله بحفظه فصِينت به حقيقة الدين، وكُتِبَ لها الخلود أبد الآبدين، وكان الرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالته (قرآناً) حياً يسعى بين الناس، كان مثالاً لما صوَّره القرآن من إيمان وإخبات، وسعي وجهاد، وحق وقوة، وفقه وبيان، فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه، ونواحي حياته كلها تعد ركناً في الدين، وشريعة للمؤمنين.

إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه، فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال؟ ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي يتواءم مع دلالات القرآن القريبة والبعيدة؟ إن تطبيق القانون لا يقل خطراً عن صياغته، وللقانون نص وروح، وعند علاج الأحداث المختلفة لتسير وفق القانون العتيد، تجدُّ فتاوى وتدوّنُ نصائح، وتُحفظ تجارب وعِبر، وتثبت أحكام بعضها أقرب إلى حرفية النص وبعضها أدنى إلى روحه .. وهكذا.

والقرآن هو قانون الإسلام، والسنة هي تطبيقه، والمسلم مكلف باحترام هذا التطبيق تكليفه باحترام القانون نفسه، وقد أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم حق الاتباع فيما يأمر به وينهى عنه لأنه - في ذلك - لا يصدر عن نفسه بل عن توجيه ربه، فطاعته هي طاعة الله، قال الله عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ

ص: 11

حَفِيظًا} (1). وقال: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (2). وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3).

إن السير في ركاب المرسلين هو الخير كله، ومن ثَمَّ كانت سنة محمد عليه الصلاة والسلام مصدراً لشريعته مع الكتاب الذي شرفهُ الله به، إلا أن السنن المأثورة عرض لها ما يوجب اليقظة في تلقيها، فليس كل ما ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام سنة تقبل، ولا كل ما صحت نسبته صح فهمهن أو وُضِعَ موضعه.

والمسلمون لم يؤذوا من الأحاديث الموضوعة - لسهولة تزييفها وفضحها - قدر ما أوذوا من الأحاديث التي أُسيءَ فهمها واضطربت أوضاعها، حتى جاء أخيراً من ينظر إلى السنن جمعاء نظرة ريبة واتهام، ويتمنى لو تخلص المسلمون منها.

وهذا خطأ من ناحيتين: إهمال الحقيقة التاريخية أولاً، فإن الدنيا لم تعرف بشراً أحصيت آثاره ونقدت بحذر، ومُحِّصت بدقة، كما حدث ذلك في آثار محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

والناحية الأخرى أن في السنة كنوزاً من الحكمة العالية، لو نسب بعضها إلى أحد من الناس لكان من عظماء المصلحين، فلماذا تضيع ويحرم الناس خيرها؟!

عندما درسنا تراث محمد صلى الله عليه وسلم في (الأخلاق) وذاكرنا أحاديثه التي تربو على الألوف في شتى الفضائل، خيل إلينا: لو أن جيشاً من علماء النفس والتربية اجتمع ليسوق للعالم مثل هذا الأدب لعجز، والأخلاق شعبة واحدة من رسالة محمد عليه الصلاة والسلام الضخمة أهـ.

وهكذا استقر في ذهني منذ بدايات سيري إلى الله ضرورة التعرف على السنة الصحيحة والحسنة، وضرورة فهمها فهماً صحيحاً. وبعد مطالعات كثيرة في كتب السنة وجدت أن الحاجة ملحة لوجود كتاب يجمع السنة الصحيحة والحسنة، ويقدم مع ذلك الفهم الصحيح للنصوص التي تحتاج إلى شرح أو توضيح. ومن ثم ولدت فكرة هذا الكتاب.

(1) النساء: 80.

(2)

النحل: 44.

(3)

الحشر: 7.

ص: 12

وأثناء مطالعاتي في كتب السنة كنت أتردد في قراءة بعض الكلمات أو الأسماء بسبب من غياب الشكل والضبط، وإذا ما أردت التحقيق كان ذلك يستغرق قسماً من الوقت ليس قليلاً، وكثيراً ما كانت تفوتني معاني بعض الكلمات والتراكيب، وكان ذلك يقتضي مني بحثاً طويلاً إن أردت المعرفة، فشعرت أنه إذا كان من الضروري أن تجمع السنة المعتمدة في كتاب، وأن يعرض ي هذا الكتاب الفهم الصحيح لبعض النصوص، فلابد أن يكون هذا الكتاب مشكلاً مشروحاً فيه كل ما هو غامض في حق القارئ العادي.

وأثناء مطالعاتي ف يكتب السنة كنت ألاحظ أن المؤلفين فيها ما تركوا شيئا إلا وعملوا على خدمة السنة النبوية فيه، ولكنه شيء عادي أن يتحكم في تأليف كل عصر اهتمامات ذلك العصر، فالتأليف في الأصل وليد الحاجة أو وليد الظرف، فمثلاً حيثما وجد صراع مذهبي أو وجدت فرقة ضالة أو جهل معين أو انحراف ما فلابد أن يراعى في تأليف أهل ذلك العصر مثل هذا، ومن ههنا تبرز عناوين ويركز على موضوعات، وقد يتغلب نوع من الترتيب في عصر على غيره، وقد وجدت أن موضوعات كثيرة مما تهم عصرنا لم تنل حظها من الإبراز، كما أني وجدت أن نوعاً من الترتيب يمكن أن يكون أكثر مناسبة للقارئ العادي، وأكثر تحقيقاً لبعض المعاني التربوية أو النفسية التي أحرص عليها.

وكان مما استقر ف نفسي أن احتياجات القارئ العادي غير احتياجات القارئ المختص، فالقارئ العادي يهمه الجوهر دون ما احتاجه حفظ هذا الجوهر أو تمييزه عن غيره، ولما كانت أكثر كتب الحديث تهتم بما أحاط بالسنة أو لزم لتمحيصها اهتمامها بالسنة نفسها فقد وجدت أن كتاباً ينصبُّ الكلام فيه على السنة ذاتها دون ما أحاط بها من ضرورات التحقيق هو الذي يحتاجه القارئ غير المختص في عصرنا. وهذا الكتاب للقارئ المسلم مطلقاً.

وإذ كنت أرى أن من واجبات دعاة الإسلام في عصرنا أن يقدموا للناس نصوص الكتاب والسنة بأسهل عرض وأجوده، وأقوم شرح وأعدله، خاصة وهم يريدون أن يقدموا للعالم هذا الإسلام، ويريدون أن يصوغوا الحياة عليه، فقد وجدت من الضرورة أن توجد

ص: 13

سلسلة في هذا الشأن، وهكذا تأكد لديَّ إصدار سلسلة الأساس في المنهج بأقسامها الثلاثة:(الأساس في التفسير) و (الأساس في السنة) و (الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص).

وإذ كنت أتصور أنه لا تنضج شخصية الداعية والقائد المسلم في عصرنا إلا باستكماله دراسة عدة أمور، منها السنة النبوية، فقد رأيت أنه لابد من كتاب جامع لنصوص السنة الصحيحة والحسنة يدرسه كل من يتصدر للدعوة إلى الله أو تؤهله مؤهلاته لذلك، أو يقدمه إخوانه للقيادة الإسلامية الراشدة.

وكان هذا عاملاً من عوامل تأليف هذا الكتاب.

* * *

هذه بعض الدوافع التي دفعت إلى التفكير في إخراج هذا الكتاب. ودعني الآن أحدثك بعض الحديث عن بعض المباحث الحديثية وغيرها بين يدي ما فعلته؛ ليخرج هذا الكتاب بالشكل الذي تراه، والذي أطمع أن يكون قد حقق كل ما استهدفته منه.

(1)

انفردت الأمة الإسلامية عن جميع الأمم بأنها حفظت نصوص دينها حفظاً دقيقاً كاملاً، وذلك من معجزات الإسلام، وأن ما قاله كتابه هو الحق والصدق، يشهد لذلك تحقق قوله جل جلاله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) فلقد حفظ القرآن حفظاً لا ينتطح فيه عنزان، وحفظت السنة النبوية التي تشرح القرآن حفظاً هو وحده معجزة، فلقد وُقِّفَتْ هذه الأمة إلى اعتماد كل ما يلزم لحفظ النصوص، وقد قامت جهود هائلة من أجل ذلك، ومن عرف حقائق هذا الأمر أدرك معجزة الإسلام هذه.

(2)

اعتمدت الأمة الإسلامية من أجل حفظ نصوص الوحي مبدأي الرواية والتثبت،

(1) الحجر: 9.

ص: 14

وتوضَّعَتْ نتيجة لاعتماد هذين المبدأين مئات الاصطلاحات والقواعد والضوابط وعشرات العلوم وأنواع الدراسات، ونتج عن ذلك عشرات الألوف من الكتب، وكل ذلك للوصول في النهاية إلى ما يصح اعتماده من النصوص ومالا يصح.

(3)

انصب جهد القراء على حفظ الشاردة والواردة مما له علاقة بالقرآن الكريم، أحرفه ورواياته، من الهمس فيه إلى تعدد اللهجات في النطق به، إلى استقراء طرائق الأداء التي أدى بها الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القرآن لشتى القبائل.

وانصبَّ جهد المحدثين على حفظ الحديث وتبيان ما داخله أو خالطه أو أدخل عليه.

وبهذا الجهد وذاك قدم القراء والمحدثون المادة الخام لكل علوم الإسلام التي انبثقت عن الكتاب والسنة، كعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم التفسير وعلم الأصول وعلوم العقائد والفقه والأخلاق والآداب والسلوك وعلوم السيرة والشمائل والخصائص إلى غير ذلك من علوم أمهات، ولقد وسِعَتْ هذه المادة الخام الحياة كلها؛ ولذلك فإن الدراسات والمعاني التي يمكن أن تنبثق عن الكتاب والسنة لا تتناهى.

وإذا كانت المحصلة المرادة من النصوص هي الأحكام الشرعية فقد وجد علم أصول الفقه الذي يضبط كيفية الوصول إلى الأحكام الشرعية التي تسع الزمان والمكان والتي لا تتناهى كذلك.

وهذا العلم - علم أصول الفقه - هو الذي وضع القواعد التي تضع السنة في محلها بالنسبة لأصول التشريع، والذي وضع قواعد الوصول إلى الحكم الشرعي من خلال استشراف النصوص وأصول الأحكام.

وهكذا تعاون القراء والمحدثون والمجتهدون والأصوليون والراسخون في العلم بعامة على وضع كل نص في محله بالنسبة لبناء الإسلام.

ص: 15

(4)

وقد اشتغل المحدثون للتثبت من المرويات على محورين: محور السند، ومحور المتن.

فعلى محور السند: درسوا وضع الرواة: عدالتهم وصدقهم وضبطهم، واجتماعهم ببعضهم، وإمكانية أخذ بعضهم عن بعض، إلى غير ذلك.

وعلى محور المتن: قارنوا بين المتون المروية فإذا خالف الثقة من هو أوثق منه أو إذا خالف الثقة الثقات لم يقبلوا المتن إلا إذا أمكن الجمع بين الحديثين.

وهكذا من خلال سير السند ومقارنة المتون أحكموا أمر التثبت، ومع ذلك فإنهم لم يكتفوا بذلك بل أوجبوا على أنفسهم أن ينظروا نظرة شمولية إلى السند والمتن بعي الخبير بشأنها البصير بهما، لعلهم يكتشفون قادحاً خفياً، ومن ثم أوجدوا ما يسمى بعلم العلل، ولم يعتبروا الحديث صحيحاً إلا إذا سلم من الشذوذ والعلة.

وهذا كله كان جهد المحدثين، وأكمل عملهم الأئمة المجتهدون، فإذا كان المحدثون مهمتهم النظر في السند والمتن ومقارنة متون السنة النبوية ببعضها البعض لمعرفة الشذوذ في الرواية، فمهمة المجتهدين أن يستشرفوا نصوص الكتاب والسنة، وأن يلحظوا ما إذا كانت رواية من الروايات تخالف معنى قرآنياً أو قاعدة تشريعية، وهكذا أكمل المجتهد عمل المحدث، ولذلك ترى بعض النصوص صححها المحدثون ولم يأخذ بها الأئمة المجتهدون إما لاعتبارها مخالفة لنص قرآني أو لقاعدة شرعية محكمة أو لاعتبارهم إياها سنة يومية فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم قيادته السياسية للدولة الإسلامية، وإذ كانت هذه القضية من أخطر القضايا لما يترتب عليها من تعطيل السنن فإنها محرمة إلا على أهل الاجتهاد، ولذلك اعتبروا من يتصدر للاجتهاد وليس أهلاً له ضالاً مضلاً؛ لما يترتب على اجتهاده من تعطيل لبعض النصوص أو مس لهيكل الشريعة.

وهكذا تضافرت جهود لا مثيل لها حتى بقيت نصوص الإسلام سليمة من الخلط أو التحريف أو التبديل أو الزيادة أو النقص، لتبقى زاد الأمم ومصدر هدايتها إلى قيام الساعة.

* * *

ص: 16