الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وختم هذه المحاضرة بقوله:
لقد بينت لكم في هذه المحاضرة ما كان في الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من خلالٍ جامعة. وقد أشرت إلى مظاهرها العديدة ونواحيها المختلفة، وإخالكم قد ألفتم مما درستم في طبيعة الكون من ألوان مختلفة، وما عرفتم في طبائع البشر من مواهب شتى وهذه الدنيا ليست إلا مظهراً من مظاهر الحياة متنوعة الألوان - أن العالم لا يمكن أن تكون هدايته إلا بالمصلح الأخير للدنيا وهو خاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي اجتمعت فيه خلال الإرشاد كلها وخصال الإصلاح للنوع البشري بأجمعه، ولذلك قال له الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1) فوجه الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى كل من يدعي محبة الله بأن يتبعه ويطيع أمره، ونادى الملوك في ممالكهم، والرعاع في شوارعهم، والمعلمين في مدارسهم، والتلاميذ في فصولهم، والفقراء في أكواخهم، والأغنياء في قصورهم، كما دعا المظلومين والمقهورين والمخذولين، بل أهاب بالعالم كله أن يتبعوا سبيله ويقتفوا أثره، لأن سيرته الشريفة هي المثل الأعلى، وفيها الأسوة الكاملة لكل من يحب الخير ويبتغي الصلح لنفسه.
اللهم صل وسلم عليه وآله وصحبه أجمعين.
* * *
(6)
واقعية السيرة المحمدية
وبعد أن أثبت تاريخية السيرة المحمدية وكمالها وشمولها، خشي أن يفهم فاهم أن هذه السيرة غير عملية أو غير واقعية أو غير ممكنة التطبيق فكانت المحاضرة السادسة في ذلك: فأثبت واقعيتها من خلال نقطتين، الأولى: أن رسول الله ما كان يأمر بشيء إلا فعله. الثانية: أنه ارتفع بأصحابه إلى تطبيق ما دعا إليه، فسيرته قائمة على التطبيق العملي في حياة
(1) آل عمران: 31.
القدوة، وفي حياة الجيل الذي رباه، والذي كان خيراً على العالم لا يمكن أن يكون إلا عملياً وواقعياً وقابلاً للتطبيق، هذا مع الكمال والشمول والنقل التاريخي التفصيلي، إن ذلك لم يجتمع لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك دليل من أدلة رسالته، وذلك يجعله القدوة الأولى لهذا العالم.
استعرض في هذه المحاضرة أعظم التكليفات الإسلامية وبرهن أنه عليه الصلاة والسلام كان أكثر خلق الله التزاماً بها، وأعظمهم تطبيقاً لها، سواء في ذلك الأذكار والدعوات أو الصلوات والإنفاق أو الصوم والجهاد.
كما استعرض كل الأخلاق التي استقر في ضمير البشرية تقديسها وتعظيم أهلها، من ثبات على الدعوة، إلى الرحمة والعفو، إلى العدل والحزم، إلى التوكل والصبر، إلى الرضا بالقضاء والتسليم لله في المحنة إلى الشجاعة والنجدة، إلى غير ذلك من أخلاق عظيمة وكيف أن رسول الله كان أكمل خلق الله فيها.
هذا مع القدرة والاقتدار، فلم يكن حليماً لأنه لا يستطيع إلا الحلم، بل كان حليماً وهو قادر على البطش. ولم يكن رحيماً وهو عاجز عن العقوبة، بل كان قادراً على الاستئصال.
وكما كان في نفسه كذلك فإنه كان يحمل أصحبه وأهله على ذلك، حتى سمَا بهم هذا السمو الذي لم يعرف في تاريخ البشرية إلا لماماً.
لقد تحدث المؤلف عن هذه الموضوعات فأطنب، وضرب كثير الأمثال حتى استوعب وأقام الحجة واستخرج من القلوب كوامن الفطرة، داعياً إياها إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فكان معلماً وداعية وواعظاً في محاضرته بآن واحد.
وهكذا من خلال تطبيق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا إليه، ومن خلال ارتقاء الجيل الذي رباه للتطبيق العملي رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً وحاكمين ومحكومين ومحاربين ومسالمين، أثبت المؤلف العملية والواقعية وإمكانية التطبيق في الرسالة المحمدية.
* * *