الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ، وَهِيَ مِمَّا تُثْمِرُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَيَغْلُبُ تَلَاحُقُهَا، لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِلَّا بِشَرْطِ قَطْعِ الْبَائِعِ ثَمَرَتَهُ عِنْدَ خَوْفِ الِاخْتِلَاطِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ هُوَ الثَّمَرَةَ. ثُمَّ إِذَا تَبَايَعَ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَلَمْ يَتَّفِقِ الْقَطْعُ حَتَّى اخْتَلَطَا، أَوْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ مِمَّا يَنْدُرُ فِيهَا التَّلَاحُقُ وَالِاخْتِلَاطُ، فَاتَّفَقَ وُقُوعُهُ، فَطَرِيقَانِ. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: فِي الِانْفِسَاخِ الْقَوْلَانِ. وَقِيلَ: لَا انْفِسَاخَ قَطْعًا. فَإِنْ قُلْنَا: لَا انْفِسَاخَ، فَسَمَحَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الثَّمَرَةِ الْقَدِيمَةِ، أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ. وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَرْكِ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ، أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَأُقِرَّ الْعَقْدُ. وَيُحْتَمَلُ خِلَافٌ فِي الْإِجْبَارِ، فَإِنِ اسْتَمَرَّا عَلَى النِّزَاعِ، فَالْمُثْبِتُونَ لِلْقَوْلَيْنِ قَالُوا: يُفْسَخُ الْعَقْدُ. وَالْقَاطِعُونَ قَالُوا: لَا فَسْخَ، بَلْ أَيُّهُمَا كَانَتِ الثَّمَرَةُ وَالشَّجَرَةُ فِي يَدِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْآخَرُ. قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ، لِبَقَاءِ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ، اسْتَرَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَرَدَّ الشَّجَرَةَ مَعَ جَمِيعِ الثِّمَارِ، قَالَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» .
بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ
الْعَبْدُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِ. الْأَوَّلُ: الْمَأْذُونُ لَهُ، فَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالْإِجْمَاعِ. وَيَسْتَفِيدُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كُلُّ مَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اسْمِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَتَوَابِعِهَا، كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ،
وَحَمْلِ الْمَتَاعِ إِلَى الْحَانُوتِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْعُهْدَةِ، وَنَحْوِهَا. وَلَا يَسْتَفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ، هَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ. وَتَفْصِيلُهُ بِصُوَرٍ.
إِحْدَاهَا: لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ أَنْ يَنْكِحَ، كَمَا لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَتَّجِرَ.
الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَالَ التِّجَارَةِ كَعَبِيدِهَا وَثِيَابِهَا وَدَوَابِّهَا عَلَى الْأَصَحِّ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ، أَوْ شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ، لَمْ يَتَجَاوَزِ الْمَأْذُونَ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ: اتَّجِرْ فِيهِ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ، وَبِقَدْرِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَزِيدُ. وَلَوْ قَالَ: اجْعَلْهُ رَأْسَ مَالِكَ، وَتَصَرَّفْ أَوِ اتَّجِرْ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْأَلْفِ.
الْخَامِسَةُ: لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ السَّيِّدُ، جَازَ، ثُمَّ يَنْعَزِلُ الْمَأْذُونُ الثَّانِي بِعَزْلِ السَّيِّدِ، سَوَاءٌ انْتَزَعَهُ مِنْ يَدِ الْمَأْذُونِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَبْدَهُ فِي آحَادِ التَّصَرُّفَاتِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ: نَعَمْ. وَالثَّانِي: لَا، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» .
قُلْتُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيًّا، كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّادِسَةُ: لَا يَتَّخِذُ دَعْوَةً لِلْمُجَهَّزِينَ، وَلَا يَتَصَدَّقُ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ بَيْعًا وَشِرَاءً.
السَّابِعَةُ: مَا كَسَبَهُ الْمَأْذُونُ بِالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاتِّهَابِ وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَالْأَخْذِ مِنَ الْمَعْدِنِ، هَلْ يُضَمُّ إِلَى مَالِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا فِي «التَّهْذِيبِ» : نَعَمْ، لِأَنَّهَا مِنَ الْأَكْسَابِ. وَالثَّانِي: لَا، وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ.
الثَّامِنَةُ: لَا يَنْعَزِلُ الْمَأْذُونُ بِالْإِبَاقِ، بَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ، إِلَّا إِذَا خَصَّ السَّيِّدُ الْإِذْنَ بِهَذَا الْبَلَدِ.
قُلْتُ: وَفِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الْغَيْبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
التَّاسِعَةُ: لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي التِّجَارَةِ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ قَطْعًا. وَلَوْ أَذِنَ لَأَمَتِهِ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا، لَمْ تَنْعَزِلْ عَلَى الصَّحِيحِ.
الْعَاشِرَةُ: لَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، فَسَكَتَ عَنْهُ، لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَمَّا فِي يَدِهِ. فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ إِعْتَاقٍ بِإِذْنِ الْمَأْذُونِ وَالْغُرَمَاءِ، جَازَ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ. وَإِنْ أَذِنَ الْعَبْدُ دُونَ الْغُرَمَاءِ، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ أَذِنُوا دُونَهُ، فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَصَحَّحَهُ الْبَغَوَيُّ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَرْضَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ مَقْبُولٌ، سَوَاءٌ أَقَرَّ لِأَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِنَسِيئَةٍ، وَلَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا يُسَافِرُ بِمَالِ التِّجَارَةِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَلَا يَتَمَكَنُّ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ.
قُلْتُ: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدٌ، فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَأْذَنَ الْآخَرُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يَأْذَنَ الْآخَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
قَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» : فِي جَوَازِ مُعَامَلَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ رِقُّهُ وَحُرِّيَّتُهُ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ. لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ الْحُرِّيَّةُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَجْرِ. وَقَطَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالْجَوَازِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَامِلَهُ حَتَّى يَعْرِفَ إِذْنَ السَّيِّدِ. وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ: أَنَا مَأْذُونٌ، كَمَا لَوْ زَعَمَ الرَّاهِنُ إِذْنَ الْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ، وَإِنَّمَا يُعَرَفُ كَوْنُهُ مَأْذُونًا بِسَمَاعِ الْإِذْنِ مِنَ السَّيِّدِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ شَاعَ فِي النَّاسِ كَوْنُهُ مَأْذُونًا، كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا عَلِمَ كَوْنَهُ مَأْذُونًا، فَقَالَ: حَجَرَ عَلَيَّ السَّيِّدُ، لَمْ تَجُزْ مُعَامَلَتُهُ. فَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا يُعَامَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَهُوَ يَقُولُ: الْعَقْدُ بَاطِلٌ. وَلَوْ عَامَلَ الْمَأْذُونَ مَنْ يَعْلَمُ رِقَّهُ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْإِذْنَ، فَبَانَ مَأْذُونًا، قَالَ الْأَئِمَّةُ: هُوَ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا، وَمِثْلُهُ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْحَلِيمِيُّ فِيمَا إِذَا ادَّعَى الْوَكَالَةَ فَكَذَّبَهُ، فَعَامَلَهُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ وَكِيلٌ.
قُلْتُ: وَلَوْ بَاعَ مَالًا يَظُنُّهُ لِنَفْسِهِ، فَبَانَ مَالَ أَبِيهِ وَكَانَ مَيِّتًا حَالَ الْعَقْدَ، صَحَّ بِلَا خِلَافٍ، كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ عَلِمَ كَوْنَهُ مَأْذُونًا فَعَامَلَهُ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى الْإِذْنِ، فَلَهُ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ إِنْكَارِ السَّيِّدِ، كَمَا لَوْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْحَقِّ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ حَتَّى يَشْهَدَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكَالَةِ.