الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ الْجَزَاءِ
الصَّيْدُ ضَرْبَانِ، مِثْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، وَغَيْرُ مِثْلِيٍّ. فَالْمِثْلِيُّ: جَزَاؤُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ مِثْلَهُ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، إِمَّا بِأَنْ يُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَيْهِمْ، وَإِمَّا بِأَنْ يُمْلِّكَهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ حَيًّا، وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ. ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ، لَكِنْ إِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا حَيْثُ كَانَ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا دَرَاهِمَ، بَلْ يَجْعَلُهَا طَعَامًا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. فَإِنِ انْكَسَرَ مُدٌّ فِي الضَّرْبَيْنِ صَامَ يَوْمًا. فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَالصِّيَامِ، وَفِي غَيْرِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالصَّوْمِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ قَوْلًا: أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا، فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ بِمَكَّةَ وَيَوْمَئِذٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَبْحِهِ مَكَّةُ. فَإِذَا عَدَلَ عَنْ ذَبْحِهِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الذَّبْحِ. هَذَا نَصُّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: فِيهِمَا قَوْلَانِ. وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَا مَحَلَّ الْإِتْلَافَ، فَلِلْإِمَامِ احْتِمَالَانِ، فِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْعُدُولِ إِلَى الطَّعَامِ سِعْرَ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، أَمْ سِعْرَهُ بِمَكَّةَ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا: الثَّانِي.
فَرْعٌ
فِي بَيَانِ الْمِثْلِيِّ
اعْلَمْ أَنَّ الْمِثْلَ لَيْسَ مُعْتَبَرًا عَلَى التَّحْقِيقِ، بَلْ يُعْتَبَرُ عَلَى التَّقْرِيبِ. وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي الْقِيمَةِ، بَلْ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ. وَالْكَلَامُ فِي الدَّوَابِّ ثُمَّ الطُّيُورِ.
أَمَّا الدَّوَابُّ: فَمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ - أَوْ حَكَمَ فِيهِ صَحَابِيَّانِ، أَوْ عَدْلَانِ مِنَ التَّابِعِينَ، أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ - مِنَ النَّعَمِ أَنَّهُ مِثْلُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ، اتُّبِعَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَحْكِيمِ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الضَّبْعِ بِكَبْشٍ وَحَكَمَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي النَّعَّامَةِ بِبَدَنَةٍ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرَتِهِ بِبَقَرَةٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ.
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: أَنَّهُ حَكَمَ فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الْوَبْرِ بِشَاةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَفِيهِ جَفْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْبَرَ بَدَنًا مِنْهَا. وَعَنْ عَطَاءٍ: فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ. وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: فِي الضَّبِّ جَدْيٌ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: فِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ.
أَمَّا الْعَنَاقُ: فَالْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ إِلَى حِينِ تَرْعَى. وَالْجَفْرَةُ: الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ تُفْطَمُ وَتُفْصَلُ عَنْ أُمِّهَا، فَتَأْخُذُ فِي الرَّعْيِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَالذَّكَرُ جَفْرٌ، هَذَا مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَفْرِ هُنَا مَا دُونُ الْعِنَاقِ، فَإِنَّ الْأَرْنَبَ خَيْرٌ مِنَ الْيَرْبُوعِ.
أَمَّا أَمُّ حُبَيْنٍ، فَدَابَّةٌ عَلَى خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ. وَفِي حِلِّ أَكْلِهَا خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَطْعِمَةِ. وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ.
وَأَمَّا الْحُلَّانُ، وَيُقَالُ الْحُلَّامُ. فَقِيلَ: هُوَ الْجَدْيُ. وَقِيلَ: الْخَرُوفُ.
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ: فِي الظَّبْيِ كَبْشٌ. وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ. وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ، وَزَعَمَ أَنَّ الظَّبْيَ: ذَكَرُ الْغِزْلَانِ، وَأَنَّ الْأُنْثَى غَزَالٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا وَهْمٌ، بَلِ الصَّحِيحُ: أَنَّ فِي الظَّبْيِ عَنْزًا، وَهُوَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِهَا، فَإِنَّهُ أَجْرَدُ الشَّعْرِ، مُتَقَلِّصُ الذَّنَبِ.
وَأَمَّا الْغَزَالُ، فَوَلَدُ الظَّبْيِ، فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الصِّغَارِ.
قُلْتُ: قَوْلُ الْإِمَامِ هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْغَزَالُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إِلَى حِينِ يَقْوَى وَيَطْلُعُ قَرْنَاهُ، ثُمَّ هِيَ ظَبْيَةٌ، وَالذَّكَرُ: ظَبْيٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا بَيَانُ مَا فِيهِ حُكْمٌ. أَمَّا مَا لَا نَقْلَ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إِلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ، أَوْ يَكُونُ قَاتِلَاهُ الْحَكَمَيْنِ؟ نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْقَتْلُ عُدْوَانًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَفْسُقُ. وَإِنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ أَنَّ لَهُ مِثْلًا، وَعَدْلَانِ أَنْ لَا مِثْلَ لَهُ، فَهُوَ مِثْلِيٌّ.
قُلْتُ: وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ، وَعَدْلَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ، فَوَجْهَانِ فِي «الْحَاوِي» وَ «الْبَحْرِ» . أَصَحُّهُمَا: يَتَخَيَّرُ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِأَعْظَمِهِمَا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الطُّيُورُ فَحَمَامٌ وَغَيْرُهُ. فَالْحَمَامَةُ فِيهَا شَاةٌ وَغَيْرُهَا إِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا جُثَّةً، كَالزُّرْزُورِ، وَالصَّعْوَةِ، وَالْبُلْبُلِ، وَالْقُبَّرَةِ، وَالْوَطْوَاطِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ. وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحَمَامِ أَوْ مِثْلَهُ فَقَوْلَانِ: الْجَدِيدُ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: الْوَاجِبُ الْقِيمَةِ. وَالثَّانِي: شَاةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْحَمَامِ: كُلُّ مَا عَبَّ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَهُ جَرْعًا، وَغَيْرُ الْحَمَامِ يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً. وَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَلَا حَاجَةَ فِي وَصْفِ الْحَمَامِ، إِلَى ذِكْرِ الْهَدِيرِ مَعَ الْعَبِّ؛ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ. وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى الْعَبِّ، وَيَدْخُلُ فِي اسْمِ الْحَمَامِ الْيَمَامُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبُيُوتَ، وَالْقُمْرِيُّ، وَالْفَاخِتَةُ، وَالدُّبْسِيُّ، وَالْقَطَاةُ.
فَرْعٌ
يُفْدَى الْكَبِيرُ مِنَ الصَّيْدِ بِالْكَبِيرِ مِنْ مِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ، وَالصَّغِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالْمَرِيضُ بِالْمَرِيضِ، وَالْمَعِيبُ بِالْمَعِيبِ، إِذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ، كَالْعَوَرِ وَالْعَوَرِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ، كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا. وَإِنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ، وَالْآخَرُ فِي الْيَسَارِ، فَفِي إِجْزَائِهِ، وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: الْإِجْزَاءُ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، لِتَقَارُبِهِمَا. وَلَوْ قَابَلَ الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ، أَوِ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ، فَهُوَ أَفْضَلُ. وَإِنْ فَدَى الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى، فَطُرُقٌ: أَصَحُّهَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: الْإِجْزَاءُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ. وَالثَّالِثُ: إِنْ أَرَادَ الذَّبْحَ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ أَرَادَ التَّقْوِيمَ جَازَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْأُنْثَى أَكْثَرُ، وَلَحْمَ الذَّكَرِ أَطْيَبُ. وَالرَّابِعُ: إِنْ لَمْ تَلِدِ الْأُنْثَى جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأُنْثَى فَهَلْ هِيَ أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: تَفْضِيلُ الذَّكَرِ؛ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ فَدَى الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا الْإِجْزَاءُ، وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَجَدْتَهُمْ طَارِدِينَ الْخِلَافَ مَعَ نَقْصِ اللَّحْمِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَنْقُصِ اللَّحْمُ فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِي الطِّيبِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْصَيْنِ، لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ.
فَرْعٌ
لَوْ قَتَلَ صَيْدًا حَامِلًا، قَابَلْنَاهُ بِمِثْلِهِ حَامِلًا. وَلَا يَذْبَحُ الْحَامِلَ، بَلْ يُقَوِّمُ الْمِثْلَ حَامِلًا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ حَامِلٍ نَفِيسَةٍ بِقِيمَةِ حَامِلٍ وَسَطٍ، وَيَجْعَلُ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا، كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ، فَأَلْقَى جَنِينًا مَيِّتًا، نُظِرَ، إِنْ مَاتَتِ الْأُمُّ أَيْضًا، فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ، وَإِلَّا، ضَمِنَ مَا نَقَصَتِ الْأُمُّ، وَلَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ، بِخِلَافِ جَنِينِ الْأَمَةِ، يُضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ، وَيُنْقِصُ الْآدَمِيَّاتِ، فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيِّاتِ، وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَا، ضَمِنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ. وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ وَعَاشَتِ الْأُمُّ، ضَمِنَ الْوَلَدَ بِانْفِرَادٍ، وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ.
فَرْعٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْمُخْتَصَرِ» : إِنْ جَرَحَ ظَبْيًا نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ، فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ شَاةٍ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ تَخْرِيجًا عَلَيْهِ: عُشْرُ شَاةٍ. قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: الْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ شَرِيكًا فِي ذَبْحِ شَاةٍ، فَأَرْشَدَهُ إِلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ، فَإِنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ. فَعَلَى هَذَا، هُوَ مُخَيَّرٌ، إِنْ شَاءَ أَخْرَجَ الْعُشْرَ، وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ قِيمَتَهُ فِي طَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ، وَقَالَ: الْوَاجِبُ عُشْرُ الْقِيمَةِ. وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: الْمَنْصُوصُ، وَتَخْرِيجُ الْمُزَنِيِّ. فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ، فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: تَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ. وَالثَّانِي، لَا تُجْزِئَهُ الدَّرَاهِمُ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ، أَوْ يَصُومُ.
وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ عُشْرِ الْمِثْلِ، وَبَيْنَ إِخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ. وَالرَّابِعُ: إِنْ وَجَدَ شَرِيكًا فِي الدَّمِ، أَخْرَجَهُ وَلَمْ تُجْزِئْهُ الدَّرَاهِمُ، وَإِلَّا، أَجْزَأَتْهُ. هَذَا فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ، فَالْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ قَطْعًا.
قُلْتُ: لَوْ قَتَلَ نَعَامَةً فَأَرَادَ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْبَدَنَةِ إِلَى بَقَرَةٍ، أَوْ سَبْعِ شِيَاهٍ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي «الْبَحْرِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ جَرَحَ صَيْدًا، فَانْدَمَلَ جُرْحُهُ وَصَارَ زَمِنًا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ، كَمَا لَوْ أَزْمَنَ عَبْدًا، لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ. وَالثَّانِي: أَرْشُ النَّقْصِ. وَعَلَى هَذَا، يَجِبُ قِسْطٌ مِنَ الْمِثْلِ، أَوْ مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ. وَلَوْ جَاءَ مُحْرِمٌ آخَرُ، فَقَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، أَوْ قَبْلَهُ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ زَمِنًا، وَيَبْقَى الْجَزَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ بِحَالِهِ. وَقِيلَ: إِنْ أَوْجَبْنَا جَزَاءً كَامِلًا، عَادَ هُنَا إِلَى قَدْرِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ إِيجَابُ جَزَاءَيْنِ لِمُتْلِفٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ عَادَ الْمُزْمِنُ فَقَتَلَهُ، نُظِرَ، إِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَعَلَيْهِ دِيَةٌ.
وَفِي وَجْهٍ: أَنَّ أَرْشَ الطَّرَفِ يَنْفَرِدُ عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ، فَيَجِيءُ مِثْلُهُ هُنَا. وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ. فَفِي الْقَتْلِ جَزَاؤُهُ زَمِنًا، وَفِيمَا يَجِبُ بِالْإِزْمَانِ، الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَإِذَا أَوْجَبْنَا بِالْإِزْمَانِ جَزَاءً كَامِلًا، وَكَانَ لِلصَّيْدِ امْتِنَاعَانِ، كَالنَّعَامَةِ، تَمْتَنِعُ بِالْعَدْوِ وَبِالْجَنَاحِ، فَأُبْطِلُ أَحَدُ امْتِنَاعَيْهِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، لِتَعَدُّدِ الِامْتِنَاعِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِاتِّحَادِ الْمُمْتَنِعِ. وَعَلَى هَذَا، فَمَا الْوَاجِبُ؟
قَالَ الْإِمَامُ: الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَا نَقَصَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّعَامَةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلِ وَالْجَنَاحِ، فَالزَّائِلُ، بَعْضُ الِامْتِنَاعِ.
فَرْعٌ
جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ، ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَمَاتَ بِجِرَاحَتِهِ أَمْ بِحَادِثٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ، أَمْ أَرْشُ الْجُرْحِ فَقَطْ؟ قَوْلَانِ.
قُلْتُ: أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمُونَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ، حَرَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. وَلَوْ قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا، لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. وَكَذَا لَوِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوِ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ، لَزِمَ الْمُحْرِمَ نِصْفُ الْجَزَاءِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ.
فَرْعٌ
قَدْ سَبَقَ، أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُ الصَّيْدِ الَّذِي ذَبَحَهُ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ مَا اصْطَادَهُ لَهُ حَلَالٌ، أَوْ بِإِعَانَتِهِ، أَوْ بِدَلَالَتِهِ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَقَوْلَانِ: الْجَدِيدُ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. وَالْقَدِيمُ: يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ. وَلَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مَا ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَكْلِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ شَيْءٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي أَكْلِ صَيْدِ الْمُحْرِمِ بَعْدَ الذَّبْحِ شَيْءٌ آخَرُ.