المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ، فَامْتَثَلَ. وَلَوْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٣

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ قَوْلَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مَوَانِعِ إِتْمَامِ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ الضَّحَايَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْعَقِيقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ خِيَارِ النَّقِيصَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَصِفَةُ الْقَبْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ بَابِ [

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ [وَتَحَالُفِهِمَا]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ، فَامْتَثَلَ. وَلَوْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ

كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ، فَامْتَثَلَ. وَلَوْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ لِلصَّبِيِّ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، ضَمِنَ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، إِذْ لَيْسَ لَهُ تَضْيِيعُهَا وَإِنْ أَمَرَهُ الْوَلِيُّ بِهِ.

‌فَصْلٌ

إِسْلَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي مُطْلَقِ التَّبَايُعِ، لَكِنْ لَوِ اشْتَرَى كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوِ اتَّهَبَهُ، أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ، فَقَبِلَ، لَمْ يُمَلِّكْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : الْقَوْلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ، إِذَا قُلْنَا: يَمْلِكُهَا بِالْقَبُولِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَوْتِ، ثَبَتَ بِلَا خِلَافٍ كَالْإِرْثِ. وَلَوِ اشْتَرَى مُصْحَفًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَالْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: وَكُتُبُ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ، لَهَا حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ يَصِحُّ بَيْعُهَا لِلْكَافِرِ. وَفِي أَمْرِهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا، وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ، وَالْمُصْحَفِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ، إِنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَاشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ شِرَاءٍ يَسْتَعْقِبُ عِتْقًا، كَقَوْلِ الْكَافِرِ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ الْمُسْلِمَ عَنِّي بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِجَابَتِهِ، وَكَمَا إِذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ. وَرَتَّبَ الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى شِرَاءِ الْقَرِيبِ. وَقَالَ: الْأُولَى أَوْلَى بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا ضِمْنِيٌّ، وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهَا وَإِنْ حُكِمَ بِهِ، فَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، بِخِلَافِ الْقَرِيبِ. وَلَوِ اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ، وَصَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِهَذَا

ص: 346

الشَّرْطِ، فَهُوَ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. وَقِيلَ: هُوَ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ.

فَرْعٌ:

يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، كَدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. فَعَلَى هَذَا، هَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنِ الْمَنَافِعِ، بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ مُسْلِمًا؟ وَجْهَانِ. قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ.

قُلْتُ: وَإِذَا صَحَّحْنَا إِجَارَةَ عَيْنِهِ، فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي ارْتِهَانِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ، وَجْهَانِ. وَيَجُوزُ إِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ قَطْعًا. وَكَذَا إِيدَاعُهُ عِنْدَهُ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: صِحَّةُ ارْتِهَانِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَالْمُصْحَفَ، وَيُسَلَّمُ إِلَى عَدْلٍ. وَفِي الْإِعَارَةِ وَجْهٌ: أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَ «التَّنْبِيهُ» وَالْجُرْجَانِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ:

لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا - وَرِثَهُ، أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ - بِثَوْبٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَهُ رَدُّ الثَّوْبِ بِالْعَيْبِ. وَهَلْ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَهُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا، بَلْ يَسْتَرِدُّ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ. وَطَرَدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ رَدِّ الثَّوْبِ. وَالصَّوَابُ: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قُطِعَ فِي

ص: 347

التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِهِ عَيْبًا، فَفِي رَدِّهِ وَاسْتِرْدَادِهِ الثَّوْبَ طَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ. وَالثَّانِي: عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ بَاعَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ تَقَايَلَا، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ، لَمْ يَنْفُذْ، وَإِنْ قُلْنَا: فُسِخَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.

فَرْعٌ: وَلَوْ وَكَّلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا لِيَشْتَرِيَ عَبْدًا مُسْلِمًا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ أَوَّلًا، وَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِ آخِرًا وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ فِي الشِّرَاءِ، صَحَّ، وَإِلَّا، فَإِنْ قُلْنَا: يَقَعُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ أَوَّلًا، لَمْ يَصِحَّ: وَإِنْ قُلْنَا: يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ، صَحَّ.

فَرْعٌ:

لَوِ اشْتَرَى كَافِرٌ مُرْتَدًّا، فَوَجْهَانِ، لِبَقَاءِ عَلْقَةِ الْإِسْلَامِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ بِذِمِّيٍّ.

فَرْعٌ:

لَوِ اشْتَرَى كَافِرٌ كَافِرًا، فَأَسْلَمَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ كَمَنِ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَمْ لَا كَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبِقِ قَبْلَ قَبْضِهِ؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَبْطُلُ، فَهَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي، أَمْ يُنَصِّبُ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ؟ وَجْهَانِ. وَقَطَعَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَيَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ، وَهَذَا أَصَحُّ.

ص: 348

فَرْعٌ:

جَمِيعُ مَا سَبَقَ، تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمَنْعِ. أَمَّا إِذَا صَحَّحْنَا شِرَاءَهُ، فَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَيُمَكِّنُهُ مِنَ الْقَبْضِ، أَمْ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُهُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَإِذَا حَصَلَ الْقَبْضُ، أَوْ عُلِمَ بِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ، أَمَرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ، كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَرْعٌ:

إِذَا كَانَ فِي يَدِ الْكَافِرِ عَبْدٌ، فَأَسْلَمَ، لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ غَيْرِهَا. وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْحَيْلُولَةُ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَتَكُونُ كِتَابَةً صَحِيحَةً. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَكْفِي، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ، فَيُبَاعُ الْعَبْدُ.

وَالثَّانِي: صَحِيحَةٌ. ثُمَّ إِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْمُكَاتَبِ، بِيعَ مُكَاتَبًا، وَإِلَّا، فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ وَالْبَيْعُ. وَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ إِزَالَةِ مِلْكِهِ، بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، كَمَا يَبِيعُ مَالَ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ، صَبَرَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيَسْتَكْسِبُ لَهُ، وَتُؤْخَذُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ. وَلَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلِدَةُ كَافِرٍ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى نَقْلِهَا إِلَى غَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِعْتَاقِهَا؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: لَا يُجْبَرُ، بَلْ يُحَالُ بَيْنَهُمَا وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا وَتَسْتَكْسِبُ لَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ. وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ أَسْلَمَ عَبْدٌ فِي يَدِهِ، صَارَ لِوَارِثِهِ، وَأُمِرَ بِمَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ مُورِثُهُ، فَإِنِ امْتَثَلَ، وَإِلَّا، بِيعَ عَلَيْهِ.

ص: 349

قُلْتُ: قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابِهِ «اللُّبَابِ» : لَا يَدْخُلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِي مِلْكِ كَافِرٍ ابْتِدَاءً، إِلَّا فِي سِتِّ مَسَائِلَ:

إِحْدَاهَا: بِالْإِرْثِ.

الثَّانِيَةُ: يَسْتَرْجِعُهُ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي.

الثَّالِثَةُ: يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ.

الْخَامِسَةُ: إِذَا قَالَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، فَأَعْتَقَهُ وَصَحَّحْنَاهُ.

السَّادِسَةُ: إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ، فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، ثُمَّ عَجَزَ عَنِ النُّجُومِ، فَلَهُ تَعْجِيزُهُ، وَهَذِهِ السَّادِسَةُ فِيهَا تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ لِيَتَجَدَّدَ بِالتَّعْجِيزِ.

وَتَرَكَ سَابِعَةً، وَهِيَ: إِذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: صَلَاحِيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ بَيْعِهِ، خَمْسَةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: الطَّهَارَةُ، فَالنَّجَسُ ضَرْبَانِ، نَجَسُ الْعَيْنِ، وَنَجَسٌ بِعَارِضٍ. فَالْأَوَّلُ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَمِنْهُ الْكَلْبُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَسَوَاءٌ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ، وَمِنْهُ الْمَيْتَةُ، وَسِرْجِينُ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ، وَالْبَوْلُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَيْلَجِ وَفِي بَاطِنِهِ الدُّودُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ، كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ.

قُلْتُ: الْفَيْلَجُ - بِالْفَاءِ - وَهُوَ الْقَزُّ. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَفِيهِ الدُّودُ، سَوَاءٌ كَانَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا، وَسَوَاءٌ بَاعَهُ وَزْنًا، أَوْ جُزَافًا، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي بَيْعِ بَزْرِ الْقَزِّ وَفَأْرَةِ الْمِسْكِ، وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهِمَا.

الضَّرْبُ الثَّانِي: قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُتَنَجِّسٌ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، كَالثَّوْبِ،

ص: 350

وَالْخَشَبَةِ، وَالْآجُرِّ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ جَوْهَرَهَا طَاهِرٌ. فَإِنِ اسْتَتَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْوَارِدَةِ، خَرَجَ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ. وَالثَّانِي: مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، كَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَالدِّبْسِ، إِذَا تَنَجَّسَتْ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَأَمَّا الدُّهْنُ، فَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ، كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ، لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِحَالٍ. وَإِنْ نَجُسَ بِعَارِضٍ، فَهَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا. فَعَلَى هَذَا، لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَوْلِ. وَالثَّانِي: يُمْكِنُ. فَعَلَى هَذَا، فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ، هَذَا تَرْتِيبُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.

قُلْتُ: هَذَا التَّرْتِيبُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جُزِمَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ. وَكَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي: فِي بَيْعِ الصِّبْغِ النَّجِسِ طَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا: كَالزَّيْتِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، وَإِنَّمَا يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ ثُمَّ يُغْسَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي بَيْعِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَجْهَانِ، كَالدُّهْنِ إِذَا قُلْنَا: يُمْكِنُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ تَطْهِيرَ الْمَاءِ مُمْكِنٌ بِالْمُكَاثَرَةِ. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْجَزْمِ بِالْمَنْعِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِتَطْهِيرٍ، بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مِنْ صِفَةِ النَّجَاسَةِ إِلَى الطَّهَارَةِ، كَالْخَمْرِ تَتَخَلَّلُ. وَيَجُوزُ نَقْلُ الدُّهْنِ النَّجِسِ إِلَى الْغَيْرِ بِالْوَصِيَّةِ، كَالْكَلْبِ. وَأَمَّا هِبَتُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ، فَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: مَنْعُهُمَا. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا مَا فِي هِبَةِ الْكَلْبِ مِنَ الْخِلَافِ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ الصَّدَقَةِ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي، بِأَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي «الْمُخْتَصَرِ» : لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إِلَّا لِصَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا، هَذَا نَصُّهُ. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ اقْتِنَائِهِ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى اقْتِنَائِهِ لِتَعْلِيمِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهُ،

ص: 351

وَالْأَصَحُّ: جَوَازُ اقْتِنَائِهِ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَتَرْبِيَةِ الْجَرْوِ لِذَلِكَ، وَتَحْرِيمُ اقْتِنَائِهِ قَبْلَ شِرَاءِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ. وَكَذَا كَلْبُ الصَّيْدِ لِمَنْ لَا يَصِيدُ. وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ، وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ بِهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ. وَاقْتِنَاءُ الْخَمْرِ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ. فَمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، لَيْسَ بِمَالٍ، فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ بَاطِلٌ. وَلِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ سَبَبَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْقِلَّةُ، كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعَدُّ مَالًا، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى ظُهُورِ النَّفْعِ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا إِلَى مَا يُفْرَضُ مِنْ وَضْعِ الْحَبَّةِ فِي فَخٍّ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ زَمَانِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ. وَمَعَ هَذَا، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْحَبَّةِ مِنْ صُبْرَةِ الْغَيْرِ. فَإِنْ أَخَذَ، لَزِمَهُ رَدُّهَا. فَإِنْ تَلِفَتْ، فَلَا ضَمَانَ، إِذْ لَا مَالِيَّةَ لَهَا. وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَضْمَنُ مِثْلَهَا. وَحَكَى صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَجْهًا: أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِقِلَّتِهِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.

السَّبَبُ الثَّانِي: الْخِسَّةُ، كَالْحَشَرَاتِ. وَالْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ، ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، كَالنَّعَمِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالظِّبَاءِ، وَالْغِزْلَانِ. وَمِنَ الْجَوَارِحِ، كَالصُّقُورِ، وَالْبُزَاةِ، وَالْفَهْدِ. وَمِنَ الطَّيْرِ، كَالْحَمَامِ، وَالْعُصْفُورِ، وَالْعُقَابِ. وَمَا يُنْتَفَعُ بِلَوْنِهِ كَالطَّاوُوسِ، أَوْ صَوْتِهِ كَالزُّرْزُورِ. وَمِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، الْقِرْدُ، وَالْفِيلُ، وَالْهِرَّةُ، وَدُودُ الْقَزِّ. وَبَيْعُ النَّحْلِ فِي الْكِوَارَةِ صَحِيحٌ إِنْ شَاهَدَ جَمِيعَهُ، وَإِلَّا، فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ. وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ طَائِرٌ، فَوَجْهَانِ. قُطِعَ فِي «التَّتِمَّةِ» : بِالصِّحَّةِ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» : بِالْبُطْلَانِ.

ص: 352

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الصِّحَّةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَالْخَنَافِسِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْفَأْرِ، وَالنَّمْلِ، وَنَحْوِهَا، وَلَا نَظَرَ إِلَى مَنَافِعِهَا الْمَعْدُودَةِ مِنْ خَوَاصِّهَا، وَفِي مَعْنَاهَا السِّبَاعُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ وَالْقِتَالِ عَلَيْهَا، كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ. وَلَا يُنْظَرُ إِلَى اقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لَهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا فِي جَوَازِ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ. وَالِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا مُتَوَقَّعٌ بِالدِّبَّاغِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّمْلِ فِي «عَسْكَرَ مُكْرَمٍ» وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَشْهُورَةُ بِخُرَاسَانَ؛ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ السُّكَّرُ، وَ «نَصِيبِينَ» ؛ لِأَنَّهُ تُعَالَجَ بِهِ الْعَقَارِبُ الطَّيَّارَةُ. وَالْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِدَأَةِ، وَالرَّخَمَةِ، وَالْغُرَابِ. فَإِنْ كَانَ فِي أَجْنِحَةِ بَعْضِهَا فَائِدَةٌ، جَاءَ فِيهَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ الْجُلُودَ تُدْبَغُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَطْهِيرِ الْأَجْنِحَةِ.

قُلْتُ: وَجْهُ الْجَوَازِ، الِانْتِفَاعُ بِرِيشِهَا فِي النَّبْلِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ، يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي النَّبْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْيَابِسَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعَلَقِ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِمَارِ الزَّمِنِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الزَّمِنِ، فَإِنَّهُ يُتَقَرَّبُ بِإِعْتَاقِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِغَرَضِ جَلْدِهِ إِذَا مَاتَ.

فَرْعٌ:

السُّمُّ إِنْ كَانَ يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيَنْفَعُ قَلِيلُهُ، كَالسُّقَمُونِيَا، وَالْأَفْيُونِ، جَازَ بَيْعُهُ. وَإِنْ قَتَلَ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ، فَقُطِعَ بِالْمَنْعِ. وَمَالَ الْإِمَامُ وَشَيْخُهُ إِلَى الْجَوَازِ لِيُدَسَّ فِي طَعَامِ الْكَافِرِ.

ص: 353

فَرْعٌ:

آلَاتُ الْمَلَاهِي: كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِمَا، إِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُعَدُّ بَعْدَ الرَّضِّ وَالْحَلِّ مَالًا، لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا. وَإِنْ كَانَ رُضَاضُهَا يُعَدُّ مَالًا، فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا وَبَيْعِ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهِمَا، وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: الْمَنْعُ. وَتَوَسَّطَ الْإِمَامُ، فَذَكَرَ الْإِمَامُ وَجْهًا ثَالِثًا اخْتَارَهُ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّهُ إِنِ اتُّخِذَتْ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ، صَحَّ بَيْعُهَا. وَإِنِ اتُّخِذَتْ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا، وَالْمَذْهَبُ: الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ، وَبِهِ أَجَابَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ.

فَرْعٌ:

الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ الَّتِي تُسَاوِي أَلْفًا بِلَا غَنَاءٍ، إِذَا اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ، فِيهِ أَوْجُهٌ. قَالَ الْمَحْمُودِيُّ: بِالْبُطْلَانِ، وَالْأَوْدَنِيُّ: بِالصِّحَّةِ، وَأَبُو زَيْدٍ: إِنْ قَصَدَ الْغَنَاءَ، بَطُلَ، وَإِلَّا، فَلَا.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: قَوْلُ الْأَوْدَنِيِّ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هُوَ الْقِيَاسُ السَّدِيدُ وَلَوْ بِيعَتْ بِأَلْفٍ، صَحَّ قَطْعًا. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي كَبْشِ النِّطَاحِ وَالدِّيكِ الْهَرَّاشِ. وَلَوْ بَاعَ إِنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، صَحَّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الذَّهَبُ فَقَطْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُكْرَهُ بَيْعُ الشِّطْرَنْجِ. قَالَ: وَالنَّرْدُ، إِنْ صَلُحَ لِبَيَاذِقِ الشِّطْرَنْجِ، فَكَالشِّطْرَنْجِ، وَإِلَّا، فَكَالْمِزْمَارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 354

فَرْعٌ:

بَيْعُ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَسَتَأْتِي تَفَارِيعُهُ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ، فَفِي بَيْعِهِ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ، وَبَيْعِ التُّرَابِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَبَيْعِ الْحِجَارَةِ بَيْنَ الشِّعَابِ الْكَثِيرَةِ، وَالْأَحْجَارِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ.

فَرْعٌ:

بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ صَحِيحٌ.

قُلْتُ: وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ نَجِسٌ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، حَكَاهُ فِي «الْحَاوِي» عَنِ الْأَنْمَاطِيِّ، وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ، وَسَبَقَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ «الطَّهَارَةِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ. فَإِنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ، فَلْيَكُنْ لَهُ، وَإِنْ بَاشَرَهُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وِكَالَةٍ، فَلْيَكُنْ لِذَلِكَ الْغَيْرِ. فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إِذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ، فَقَوْلَانِ. الْجَدِيدُ: بُطْلَانُهُ. وَالْقَدِيمُ: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَجَازَ، نَفَذَ، وَإِلَّا، لَغَا. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوِ ابْنَتَهُ، أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، أَوْ أَجَّرَ دَارَهُ، أَوْ وَهَبَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَلَوِ اشْتَرَى الْفُضُولِيُّ لِغَيْرِهِ، نَظَرَ، إِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَإِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، نَظَرَ، إِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى كَوْنَهُ لِلْغَيْرِ، فَعَلَى الْجَدِيدِ: يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ: يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ رَدَّ،

ص: 355

نَفَذَ فِي حَقِّ الْفُضُولِيِّ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَهُوَ كَاشْتِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ. وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ، وَلَمْ يُضِفِ الثَّمَنَ إِلَى ذِمَّتِهِ، فَعَلَى الْجَدِيدِ: وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَلْغُو الْعَقْدُ، وَالثَّانِي: يَقَعُ عَنِ الْمُبَاشِرِ. وَعَلَى الْقَدِيمِ: يَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ فُلَانٍ، فَإِنْ رَدَّ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ، نَظَرَ، إِنْ لَمْ يُسَمِّهُ، وَقَعَ الْعَقْدُ عَنِ الْمُبَاشِرِ، سَوَاءٌ أَذِنَ ذَلِكَ الْغَيْرُ، أَمْ لَا. وَإِنْ سَمَّاهُ، نَظَرَ، إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، لَغَتِ التَّسْمِيَةُ. وَهَلْ يَقَعُ عَنْهُ، أَمْ يَبْطُلُ؟ وَجْهَانِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ، فَهَلْ تَلْغُو التَّسْمِيَةُ؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، فَهَلْ يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ، أَمْ يَقَعُ عَنِ الْمُبَاشِرِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا، وَقَعَ عَنِ الْآذِنِ. وَهَلْ يَكُونُ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا، أَمْ هِبَةً؟ وَجْهَانِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَقْدِ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ، مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الطِّفْلِ، أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالْمُعْتَبَرُ إِجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ. حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ، فَبَلَغَ وَأَجَازَ، لَمْ يَنْفُذْ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ، ثُمَّ مَلَكَهُ وَأَجَازَ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَمْ يَعْرِفِ الْعِرَاقِيُّونَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَدِيمَ، وَقَطَعُوا بِالْبُطْلَانِ.

قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْقَدِيمَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، الْمَحَامِلِيُّ فِي «اللُّبَابِ» ، وَالشَّاشِيُّ، وَصَاحِبُ «الْبَيَانِ» ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْبُوَيْطِيِّ» ، وَهُوَ قَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ:

لَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَبَاعَهَا وَتَصَرَّفَ فِي أَثْمَانِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: بُطْلَانُ الْجَمِيعِ. وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِ أَنْ يُجِيزَهَا وَيَأْخُذَ الْحَاصِلَ مِنْهَا، لِعُسْرِ تَتَبُّعِهَا بِالْإِبْطَالِ.

ص: 356

فَرْعٌ:

لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ وَهُوَ فُضُولِيٌّ، فَبَانَ مَيِّتًا حِينَئِذٍ، وَأَنَّهُ مَلَكَ الْعَاقِدَ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ. وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَالْغَائِبِ. وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ هَذَا الْخِلَافِ بِبَيْعِ الْهَازِلِ - هَلْ يَنْعَقِدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ - وَبِالْخِلَافِ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَخَافَ غَصْبَ مَالِهِ، أَوِ الْإِكْرَاهَ عَلَى بَيْعِهِ، فَيَبِيعَهُ لِإِنْسَانٍ بَيْعًا مُطْلَقًا. وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ، لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْبَيْعِ. وَالصَّحِيحُ: صِحَّتُهُ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ مَكَاتَبٌ، فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ، وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ. وَيَجْرِي فِيمَنْ زَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ، فَبَانَ مَيِّتًا، هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ؟ فَإِنْ صَحَّحْنَا، فَقَدْ نَقَلُوا وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ.

فَرْعٌ:

الْقَوْلَانِ فِي أَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَفِي الْفَرْعَيْنِ بَعْدَهُ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلَيْ وَقْفِ الْعُقُودِ. وَحَيْثُ قَالُوا: فِيهِ قَوْلَا وَقْفِ الْعُقُودِ، أَرَادُوا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَسُمِّيَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ آيِلٌ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ، هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَى التَّوَقُّفِ، أَمْ لَا بَلْ يَكُونُ بَاطِلًا؟ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ: أَنَّ الصِّحَّةَ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ نَاجِزَةٌ، لَكِنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ. قَالَ: وَيَطَّرِدُ الْوَقْفُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ، كَالْبُيُوعِ، وَالْإِجَارَاتِ، وَالْهِبَاتِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِهَا.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا. وَفَوَاتُهَا قَدْ يَكُونُ حِسًّا، وَقَدْ يَكُونُ شَرْعًا. وَفِيهِ مَسَائِلُ.

ص: 357

إِحْدَاهَا: بَيْعُ الْآبِقِ وَالضَّالِّ بَاطِلٌ، عَرَفَ مَوْضِعَهُ، أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْحَالِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ، الْيَأْسُ مِنَ التَّسْلِيمِ، بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ التَّعَذُّرِ. وَأَحْسَنَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَقَالَ: إِذَا عَرَفَ مَوْضِعَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُهُ إِذَا رَامَ وُصُولَهُ، فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْآبِقِ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا بَاعَ الْمَالِكُ مَالَهُ الْمَغْصُوبَ، نَظَرَ، إِنْ قَدَرَ الْبَائِعُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ وَتَسَلُّمِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ، كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَدِيعَةِ. وَإِنْ عَجَزَ، نَظَرَ، إِنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنَ الْغَاصِبِ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ إِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ. لَكِنْ لَوْ عَجَزَ عَنِ انْتِزَاعِهِ لِضَعْفٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ قُوَّةٍ عَرَضَتْ لِلْغَاصِبِ، فَلَهُ الْخِيَارُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا حَالَ الْعَقْدِ، فَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِمَّنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْمَغْصُوبِ. وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْآبِقَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ، وَإِعْتَاقُهُمَا. قَالَ فِي «الْبَيَانِ» : لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّمْكِينَ مِنَ التَّصَرُّفِ.

الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ. وَلَوْ بَاعَ السَّمَكَ فِي بِرْكَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، صَحَّ. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلَّا بِتَعَبٍ شَدِيدٍ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَحَيْثُ صَحَّحْنَا، فَهُوَ إِذَا لَمْ يَمْنَعِ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ، فَإِنْ مَنَعَهَا، فَعَلَى قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ إِنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ، وَإِلَّا، فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَبَيْعُ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ عَلَى تَفْصِيلِ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْبِرْكَةِ. وَلَوْ بَاعَهَا وَهِيَ طَائِرَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا لَيْلًا، فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي النَّحْلِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ: الصِّحَّةُ، كَالْعَبْدِ الْمَبْعُوثِ فِي شُغُلٍ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: الْمَنْعُ، إِذْ لَا وُثُوقَ بِعَوْدِهَا، لِعَدَمِ عَقْلِهَا.

قُلْتُ: وَلَوْ بَاعَ ثَلْجًا أَوْ جَمَدًا وَزْنًا، وَكَانَ يَنْمَاعُ إِلَى أَنْ يُوزَنَ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى

ص: 358

الْأَصَحِّ، وَسَيَأْتِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ إِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا، صَحَّ وَصَارَ مُشْتَرَكًا. وَلَوْ عَيَّنَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِقَطْعِهِ، وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ. وَلَوْ بَاعَ ذِرَاعًا فَصَاعِدًا مِنْ ثَوْبٍ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الذِّرَاعَ، فَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ عَيَّنَهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ نَفِيسًا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَذِرَاعٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَمَا يَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ زَوْجَيِ الْخُفِّ وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا بِتَفْرِيقِهِمَا، وَالْقِيَاسُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ وَالْإِنَاءِ. وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ كَغَلِيظِ الْكِرْبَاسِ، صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَشَيْخُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ جِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ شَيْءٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إِلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ; لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ كَانَ مِنْ لَبَنٍ أَوْ آجُرٍّ ; جَازَ. هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي «التَّلْخِيصِ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَا لَوْ جُعِلَتِ النِّهَايَةُ صَفًّا مِنَ الْآجُرِّ أَوِ اللَّبِنِ دُونَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَقْطَعُ نِصْفَ سُمْكِهَا. وَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ إِشْكَالٌ، وَإِنْ جُعِلَ النِّهَايَةُ مَا ذَكَرُوهُ ; لِأَنَّ مَوْضِعَ الشَّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِأَنَّ رَفْعَ بَعْضِ الْجِدَارِ يَنْقُصُ قِيمَةَ الْبَاقِي، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ. وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي بِنَاءٍ ; لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ الْهَدْمَ يُوجِبُ النَّقْصَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِذْعِ وَالْآجُرِّ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَصًّا فِي خَاتَمٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لِـ «الْمِفْتَاحِ» : أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا إِلَّا بَيْتًا فِي صَدْرِهَا لَا يَلِي شَارِعًا وَلَا مِلْكًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَمَرَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ، لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ.

الْخَامِسَةُ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بَعْدَ الْإِقْبَاضِ قَبْلَ الْفِكَاكِ.

السَّادِسَةُ: جِنَايَةُ الْعَبْدِ، إِنْ أَوْجَبَتْ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ، لَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهُ بِحَالٍ. وَإِنْ أَوْجَبَتْهُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، صَحَّ، كَذَا أَطْلَقَهُ فِي

ص: 359

«التَّهْذِيبِ» . وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَا، وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ الْآتِيَ فِي الْمُوسِرِ، وَحَكَمَ بِالْخِيَارِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّحْنَا. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَقِيلَ: مَوْقُوفٌ. فَإِنْ فَدَاهُ، نَفَذَ، وَإِلَّا، فَلَا. فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحِ الْبَيْعَ، فَالسَّيِّدُ عَلَى خِيرَتِهِ، إِنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَإِلَّا، فَيُسَلِّمُهُ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَالسَّيِّدُ مُلْتَزِمٌ لِلْفِدَاءِ بِبَيْعِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِجِنَايَتِهِ، فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْفِدَاءِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ قَتَلَهُ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى خِيرَتِهِ، إِنْ فَدَى، أَمْضَى الْبَيْعَ، وَإِلَّا، فَسَخَ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْفِدَاءِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ أَوْ تَأَخَّرَ لِإِفْلَاسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ، فُسِخَ الْبَيْعُ، وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي. هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَوْجَبَتِ الْجِنَايَةُ الْمَالَ، لِكَوْنِهَا خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ، أَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدُ مَالًا. أَمَّا إِذَا أَوْجَبَتْ قِصَاصًا وَلَا عَفْوَ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ كَبَيْعِ الْمَرِيضِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْتِ. وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَإِذَا اخْتَصَرْتَ، قُلْتَ: الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إِنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ، وَيَصِحُّ إِنْ تَعَلَّقَ بِهِ قِصَاصٌ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْجَانِي، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُعْسِرًا، لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ قَطْعًا. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، نَفَذَ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ. وَالثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ. إِنْ فَدَاهُ، نَفَذَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَاسْتِيلَادُ الْجَانِيَةِ، كَإِعْتَاقِهَا. وَمَتَى فَدَى السَّيِّدُ الْجَانِي، فَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْأَرْشِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ وَإِنْ كَثُرَ.

قُلْتُ: وَلَوْ وَلَدَتِ الْجَارِيَةُ، لَمْ يَتَعَلَّقِ الْأَرْشُ بِالْوَلَدِ قَطْعًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي «نَمَاءِ الرَّهْنِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا. وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ. أَمَّا الْعَيْنُ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدًا مِنَ الْعَبِيدِ، أَوْ أَحَدَ عَبْدَيَّ أَوْ عَبِيدِي هَؤُلَاءِ، أَوْ شَاةً مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ،

ص: 360

فَهُوَ بَاطِلٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُهُمْ، إِلَّا وَاحِدًا، مُبْهَمًا. وَسَوَاءٌ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْعَبِيدِ وَالشِّيَاهِ، أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ قَالَ: وَلَكَ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ، أَمْ لَا. وَحَكَى فِي «التَّتِمَّةِ» قَوْلًا قَدِيمًا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدَيَّ، أَوْ عَبِيدِي الثَّلَاثَةَ، عَلَى أَنْ تَخْتَارَ مَنْ شِئْتَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَاخْتَلَطَ بِعَبِيدٍ لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي مِنْ هَؤُلَاءِ، وَالْمُشْتَرِي يَرَاهُمْ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : لَهُ حُكْمُ بَيْعِ الْغَائِبِ. وَقَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : عِنْدِي أَنَّهُ بَاطِلٌ.

فَرْعٌ:

بَيْعُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مَنْ كُلِّ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ، مِنْ دَارٍ، وَأَرْضٍ، وَعَبْدٍ، وَصُبْرَةٍ، وَثَمَرَةٍ، وَغَيْرِهَا، صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، كَالدَّارِ وَالْفَرَسِ، [كَمَا إِذَا كَانَ] بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، بَاعَ نِصْفَهُ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَأَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ، لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ، وَلَهُ فَوَائِدُ:

مِنْهَا: لَوْ كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا مِلْكَ نَصِيبِهِ بِالْهِبَةِ مِنْ أَبِيهِ، انْقَطَعَتْ وَلَايَةُ الرُّجُوعِ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ، ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ هَذَا التَّصَرُّفِ عَلَى عَيْبٍ، لَمْ يَمْلِكِ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَلَّكَتْهُ بِالصَّدَاقِ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ.

قُلْتُ: وَلَوْ بَاعَ نِصْفَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ نِصْفِ صَاحِبِهِ، فَفِي صِحَّتِهِ الْوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ، وَيَصِيرُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ «الصُّلْحِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ بَاعَ الْجُمْلَةَ، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا جُزْءًا شَائِعًا، جَازَ. مِثَالُهُ: بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ، إِلَّا رُبُعَهَا وَقَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهَا. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ

ص: 361

آلَافِ دِرْهَمٍ، إِلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا، فَإِنْ أَرَادَ مَا يَخُصُّهُ إِذَا وُزِّعَتِ الثَّمَرَةُ عَلَى الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ، صَحَّ، وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ. وَإِنْ أَرَادَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا عِنْدَ التَّقْوِيمِ، فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.

فَرْعٌ:

إِذَا بَاعَ أَذْرُعًا مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ، فَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ جُمْلَةَ ذُرْعَانِهَا، بِأَنْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ عَشَرَةٍ، وَيَعْلَمَانِ أَنَّ الْجُمْلَةَ عَشَرَةٌ، صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَأَنَّهُ بَاعَهُ الْعَشْرَ. قَالَ الْإِمَامُ: إِلَّا أَنْ يَعْنِيَ مُعَيَّنًا فَيَبْطُلُ، كَشَاةٍ مِنَ الْقَطِيعِ. وَلَوِ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَرَدْتُ الْإِشَاعَةَ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ أَرَدْتُ مُعَيَّنًا، فَفِيمَنْ يُصَدَّقُ؟ احْتِمَالَانِ.

قُلْتُ: أَرْجَحُهُمَا: الْبَائِعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَعْلَمُ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ الْأَرْضِ وَقَالَ: بِعْتُكَ كَذَا ذِرَاعًا مِنْ مَوْقِفِي هَذَا فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فِي الطُّولِ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَرْعٌ:

إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، فَلَهُ حَالَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ قَطْعًا، وَيُنَزَّلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ. وَلَوْ كَانَتِ الصُّبْرَةُ مِائَةَ صَاعٍ، فَالْمَبِيعُ عُشْرُ الْعُشْرِ، فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا، تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنَ الْمَبِيعِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى الْإِمَامُ فِي تَنْزِيلِهِ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: الْمَبِيعُ صَاعٌ مِنَ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُشَاعٍ، أَيُّ صَاعٍ كَانَ. فَعَلَى هَذَا، يَبْقَى الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ.

ص: 362

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ: لَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ فَرَّقَ صِيعَانَ الصُّبْرَةِ، وَقَالَ: بِعْتُكَ صَاعًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَأَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، يُفْتِي بِهَذَا الثَّانِي مَعَ ذَهَابِهِ إِلَى الْأَوَّلِ، وَيَقُولُ: الْمُسْتَفْتِي يَسْتَفْتِينِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، لَا عَمَّا عِنْدِي. وَعَلَى هَذَا، الْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْهَا، أَيُّ صَاعٍ كَانَ. فَلَوْ تَلِفَ جَمِيعُهَا إِلَّا صَاعًا، تَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ صَاعًا مِنْ أَعْلَى الصُّبْرَةِ أَوْ أَسْفَلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَسْفَلُ مَرْئِيًّا؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا.

قُلْتُ: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ فُرِّقَتْ صِيعَانُهَا فَبَاعَ صَاعًا لَمْ يَصِحَّ، فَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْخِلَافِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ صِحَّةَ بَيْعِهِ، لِعَدَمِ الْغَرَرِ. وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ:

إِبْهَامُ مَمَرِّ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ، كَإِبْهَامِ نَفْسِ الْمَبِيعِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَبِيعَ أَرْضًا مَحْفُوفَةً بِمِلْكِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَيَشْرُطُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْمَمَرِّ مِنْ جَانِبٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالْمَمَرِّ. فَإِنْ عَيَّنَ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ، صَحَّ الْبَيْعُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا، صَحَّ، وَثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْمَمَرِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا كَانَ ثَابِتًا لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ. وَإِنْ أَطْلَقَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَمَرِّ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْمَمَرَّ، فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمَمَرِّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: بُطْلَانُ الْبَيْعِ، لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ؛ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَمَرِّ، وَقَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا، فَلَا. وَلَوْ

ص: 363