الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: [هَذَا إِذَا قُلْنَا] : ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ حَلَالٌ، فَإِنْ قُلْنَا: مَيْتَةٌ، لَزِمَهُ لَهُ كُلُّ الْقِيمَةِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَإِذَا قُلْنَا: مَيْتَةٌ فَالْجِلْدُ لِلْمَالِكِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَا جَزَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ. وَلَوْ تَوَحَّشَ حَيَوَانٌ إِنْسِيٌّ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ. وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِأَجْزَاءِ الصَّيْدِ، بِالْجَرْحِ وَالْقَطْعِ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ، فَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يَجِبُ بِنَقْصِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ بَرَأَ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ وَلَا أَثَرٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؟ وَجْهَانِ، كَالْوَجْهَيْنِ فِي جِرَاحَةِ الْآدَمِيِّ إِذَا انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ وَلَا شَيْنٌ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ نُتِفَ رِيشُهُ فَعَادَ كَمَا كَانَ. وَبَيْضُ الطَّائِرِ الْمَأْكُولُ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَذَرَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِكَسْرِهَا، إِلَّا بَيْضَةَ النَّعَامَةِ، فَفِيهَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ قِشْرَهَا قَدْ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضَتِهِ الَّتِي حَضَنَهَا، فَفَسَدَتْ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا. وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ دَجَاجَةٍ، فَأَحْضَنَهُ صَيْدًا، فَفَسَدَ بَيْضُ الصَّيْدِ، أَوْ لَمْ يَحْضُنْهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَسَادَ بَيْضِهِ بِسَبَبِ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجَةِ إِلَيْهِ. وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ صَيْدٍ وَأَحْضَنَهُ دَجَاجَةً، فَهُوَ فِي ضَمَانَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ الْفَرْخُ وَيَسْعَى. فَلَوْ خَرَجَ وَمَاتَ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ. وَلَوْ كَسَرَ بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ لَهُ رُوحٌ، فَطَارَ وَسَلِمَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ مَاتَ، فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ وَلَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ، قَالَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يَضْمَنُ.
فَصْلٌ
مَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ ضَرْبَانِ. مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَأْكُولٌ، وَمَا أَحَدُ أَصْلَيْهِ مَأْكُولٌ.
فَالْأَوَّلُ: لَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالْإِحْرَامِ، وَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ ثُمَّ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ: مَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ الْمُؤْذِيَاتُ، كَالْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْغُرَابِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالذِّئْبِ، وَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالدُّبِّ، وَالنَّسْرِ، وَالْعُقَابِ، وَالْبُرْغُوثِ، وَالْبَقِّ، وَالزُّنْبُورِ. وَلَوْ ظَهَرَ الْقَمْلُ عَلَى بَدَنِ الْمُحْرِمِ أَوْ ثِيَابِهِ، لَمْ يُكْرَهْ تَنْحِيَتُهُ. وَلَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْلِيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ. فَإِنْ فَعَلَ فَأَخْرَجَ مِنْهُمَا قَمْلَةً وَقَتَلَهَا، تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله.
قَالَ الْأَكْثَرُونَ: هَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ. وَقِيلَ: وَاجِبٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنِ الرَّأْسِ.
قُلْتُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَعَالَى: وَلِلصِّئْبَانِ حُكْمُ الْقَمْلِ، وَهُوَ بَيْضُ الْقَمْلِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَمِنْهُ: مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ، كَالْفَهْدِ، وَالصَّقْرِ، وَالْبَازِي، فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا لِنَفْعِهَا وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهَا. وَمِنْهُ: مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا ضَرَرٌ، كَالْخَنَافِسِ وَالْجِعْلَانِ وَالسَّرَطَانِ، وَالرَّخَمِ وَالْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ، فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا. وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ، وَالنَّحْلِ، وَالْخُطَّافِ، وَالضُّفْدَعِ. وَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِمَا.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: إِنَّ الْكَلْبَ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ يُكْرَهُ قَتْلُهُ، مُرَادُهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. وَالْمُرَادُ: الْكَلْبُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ. فَأَمَّا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِلَا شَكٍّ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ. وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا أَحَدُ أَصْلَيْهِ مَأْكُولٌ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ، وَبَيْنَ حِمَارَيِ الْوَحْشِ وَالْإِنْسِ، فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ، وَيَجِبُ الْجَزَاءُ فِيهِ.