الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَامِسَةُ: الِاضْطِبَاعُ. وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَيُبْقِي مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ مَكْشُوفًا. وَكُلُّ طَوَافٍ سُنَّ فِيهِ الرَّمَلُ سُنَّ فِيهِ الِاضْطِبَاعُ، وَمَا لَا فَلَا.
لَكِنَّ الرَّمَلَ مَخْصُوصٌ بِالطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَالِاضْطِبَاعُ يَعُمُّ جَمِيعَهَا. وَيُسَنُّ أَيْضًا فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ. وَلَا يُسَنُّ فِي رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِكَرَاهَةِ الِاضْطِبَاعِ فِي الصَّلَاةِ. فَعَلَى هَذَا، إِذَا فَرَغَ [مِنَ] الطَّوَافِ، أَزَالَ الِاضْطِبَاعَ ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَعَادَ الِاضْطِبَاعَ وَخَرَجَ لِلسَّعْيِ.
فَرْعٌ
لَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَضْطَبِعُ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ، فَيَضْطَبِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.
قُلْتُ: وَمَتَى كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، فَنَوَى غَيْرَهُ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ نَفْسِهِ تَطَوُّعًا أَوْ قُدُومًا، أَوْ وَدَاعًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، كَمَا فِي وَاجِبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ، فَطَافَ عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: إِنْ كَانَ زَمَنُ النَّذْرِ مُعَيَّنًا، لَمْ يُجُزْ أَنْ يَطُوفَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ. وَإِنْ طَافَ فِي غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ زَمَانُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَطُوفَ عَنْ غَيْرِهِ وَالنَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ كَالْإِفَاضَةِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ
فِي السَّعْيِ
إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَسْتَلِمَهُ،
ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، لِيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَيَبْدَأَ بِالصَّفَا، وَيَرْقَى عَلَى الصَّفَا بِقَدْرِ قَامَةِ رَجُلٍ حَتَّى يَتَرَاءَى الْبَيْتُ، وَيَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَقِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدِ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، ثُمَّ يُعِيدُ هَذَا الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا، ثُمَّ يُعِيدُ الذِّكْرَ ثَالِثًا، وَلَا يَدْعُو.
قُلْتُ: وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَدْعُو بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ، وَصَاحِبُ «التَّنْبِيهِ» ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا، وَيَمْشِي إِلَى الْمَرْوَةِ وَيَرْقَى عَلَيْهَا بِقَدْرِ قَامَةِ رَجُلٍ، وَيَأْتِي بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا. ثُمَّ الْمُسْتَحَبُّ فِي قَطْعِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ، أَنْ يَمْشِيَ مِنَ الصَّفَا عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتِّ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ. وَالْآخَرُ: مُتَّصِلٌ بِدَارِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه. ثُمَّ يَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى يَصْعَدَ الْمَرْوَةَ. وَإِذَا عَادَ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى الصَّفَا مَشَى فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَسَعَى فِي مَوْضِعِ رَعْيِهِ أَوَّلًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سَعْيِهِ:«رَبِّ اغْفِرْ، وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ» .
فَرْعٌ
الرُّقِيُّ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةٌ، وَالْوَاجِبُ هُوَ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رُقِيٍّ بِأَنْ يُلْصِقَ الْعَقِبَ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَيُلْصِقَ رُءُوسَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ يَجِبُ الرُّقِيُّ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ قَامَةِ رَجُلٍ. وَأَمَّا الذِّكْرُ، وَالدُّعَاءُ وَالْإِسْرَاعُ فِي السَّعْيِ، وَعَدَمُ الْإِسْرَاعِ، فَسُنَّةٌ. وَالْمُوَالَاةُ فِي مَرَّاتِ السَّعْيِ سُنَّةٌ، وَكَذَا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ سُنَّةٌ، فَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ طَوِيلٌ، لَمْ يَضُرَّ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ رُكْنٌ. فَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ، ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَذَكَرَ فِي «التَّتِمَّةِ» : أَنَّهُ إِذَا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعْيِ، أَوْ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَفِي صِحَّةِ السَّعْيِ قَوْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ رُكْنٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ.
فَرْعٌ
فِي وَاجِبَاتِ السَّعْيِ وَشُرُوطِهِ
فَيُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ. وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ هُوَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَإِذَا بَقِيَ السَّعْيُ لَمْ يَكُنِ الْمَأْتِيُّ بِهِ طَوَّافَ وَدَاعٍ. وَلَوْ سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ تُسْتَحَبَّ إِعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: تُكْرَهُ إِعَادَتُهُ، وَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ: وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا. فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، لَمْ يُحْسَبْ مُرُورُهُ مِنْهَا إِلَى الصَّفَا.
قُلْتُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَرْوَةِ. فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الْمَرْوَةَ تَرَكَ الْعَوْدَ فِي طَرِيقِهِ، وَعَدَلَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَابْتَدَأَ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّفَا أَيْضًا، لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ فِي «الْبَحْرِ» وَغَيْرِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَيَجِبُ أَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا سَبْعًا، وَيَحْسِبُ الذَّهَابَ بِمَرَّةٍ، وَالْعَوْدَ بِأُخْرَى. فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا، وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، وَابْنُ الْوَكِيلِ، وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: يُحْسَبُ الذَّهَابُ وَالْعَوْدُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ، وَلَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَلَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ. وَيَجُوزُ السَّعْيُ رَاكِبًا، وَالْأَفْضَلُ مَاشِيًا.
فَرْعٌ
لَوْ طَافَ أَوْ سَعَى، وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ، أَخَذَ بِالْأَقَلِّ. وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَتَمَّهُمَا، فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ بَقَاءِ شَيْءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ. وَالسَّعْيُ رُكْنٌ لَا يُجْبَرُ بِدَمٍ، وَلَا يُتَحَلَّلُ بِدُونِهِ.
قُلْتُ: الْأَفْضَلُ: أَنْ يَتَحَرَّى لِسَعْيِهِ زَمَنَ خُلُوِّ الْمَسْعَى. وَإِذَا عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ الشَّدِيدِ لِلزَّحْمَةِ، فَلْيَتَشَبَّهْ بِالسَّاعِي كَمَا قُلْنَا فِي الرَّمَلِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَالْمَرْأَةُ تَمْشِي، وَلَا تَسْعَى.
قُلْتُ: وَقِيلَ: إِنْ سَعَتْ فِي الْخَلْوَةِ بِاللَّيْلِ سَعَتْ كَالرَّجُلِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.