الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكْفِي جَرْحٌ يُفْضِي إِلَى الزَّهُوقِ كَيْفَ كَانَ. وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ جُرْحٍ مُذَفَّفٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ، وَالْإِمَامُ.
فَصْلٌ
إِذَا أَرْسَلَ سِلَاحًا، كَسَهْمٍ، وَسَيْفٍ، وَغَيْرِهِمَا، أَوْ كَلْبًا مُعَلَّمًا عَلَى صَيْدٍ، فَأَصَابَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا، نَظَرَ، إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، بِأَنْ كَانَ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِّيئَهُ، أَوْ أَجَافَهُ، أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ لِيُرِيحَهُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَتَرْكَهُ حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ حَلَالٌ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ أَوْ عَدَتْ. وَإِنْ بَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ صَائِدِهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَهُوَ حَلَالٌ أَيْضًا، لِلْعُذْرِ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ، فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ، أَوْ تَعَذَّرَ بِتَقْصِيرِهِ فَمَاتَ، فَهُوَ حَرَامٌ، كَمَا تَرَدَّى بَعِيرٌ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ.
فَمِنْ صُوَرِ الْحَالِ الْأَوَّلِ أَنْ يَشْغَلَ بِأَخْذِ الْآلَةِ وَسَلِّ السِّكِّينَ، فَيَمُوتُ قَبْلَ إِمْكَانِ ذَبْحِهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَمْتَنِعَ بِمَا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ قُوَّةٍ، وَيَمُوتُ قَبْلَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَجِدَ مِنَ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ الذَّبْحُ فِيهِ.
وَمِنْ صُوَرِ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونُ مَعَهُ آلَةُ ذَبْحٍ، أَوْ تَضِيعُ آلَتُهُ مِنْهُ، فَلَوْ نَشِبَتْ فِي الْغِمْدِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِخْرَاجِهَا حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ غِمْدًا يُوَاتِيهِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرِيُّ: يَحِلُّ. وَلَوْ غُصِبَتِ الْآلَةُ، فَالصَّيْدُ حَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: تَحِلُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الصَّيْدِ لَسَبْعٍ حَائِلٍ حَتَّى مَاتَ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوِ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوِ اشْتَغَلَ بِتَحْدِيدِ السِّكِّينِ،
لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ. وَلَوْ كَانَ يُمِرُّ ظَهْرَ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ غَلَطًا، فَمَاتَ، فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ تَقْصِيرٌ. وَلَوْ وَقَعَ الصَّيْدُ مُنَكَّسًا، وَاحْتَاجَ إِلَى قَلْبِهِ لِيَقْدِرَ عَلَى الذَّبْحِ، فَمَاتَ، أَوِ اشْتَغَلَ بِتَوْجِيهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَمَاتَ، فَحَلَالٌ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِ الصَّيْدِ، هَلْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ فَيَحْرُمُ، أَمْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَيَحِلُّ؟ فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَحِلُّ. وَهَلْ يَشْتَرِطُ الْعَدْوَ إِلَى الصَّيْدِ إِذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ أَوِ الْكَلْبُ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لَكِنْ لَا يُكَلَّفُ الْمُبَالَغَةَ بِحَيْثُ يُفْضِي إِلَى ضَرَرٍ ظَاهِرٍ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا، بَلْ يَكْفِي الْمَشْيُ. وَعَلَى هَذَا، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَصَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ، فَأَدْرَكَهُ مَيِّتًا، حَلَّ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَسْرَعَ لَأَدْرَكَهُ حَيًّا. وَقَالَ الْإِمَامُ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِسْرَاعِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَ عَلَى هَيِّنَتِهِ، خَارِجٌ عَنْ عَادَةِ الطَّلَبِ. فَإِنْ شَرَطْنَا الْعَدْوَ، فَتَرَكَهُ، فَصَادَفَ الصَّيْدَ مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَمَاتَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَسَعُ الْعَدْوَ، أَمْ بَعْدَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، فِيمَا إِذَا شَكَّ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ الذَّكَاةِ.
فَرْعٌ
لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ أَوْ مُتَفَاوِتَتَيْنِ، فَهُمَا حَلَالٌ. وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ - بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ - عُضْوًا، كَيَدٍ وَرِجْلٍ، نُظِرَ، إِنْ أَبَانَهُ بِجِرَاحَةٍ مُذَفَّفَةٍ وَمَاتَ فِي الْحَالِ، حَلَّ الْعُضْوُ وَبَاقِي الْبَدَنِ. وَإِنْ لَمْ يُذَفِّفْهُ فَأَدْرَكَهُ وَذَبَحَهُ، أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفَّفًا، فَالْعُضْوُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ مِنْ حَيٍّ، وَبَاقِي الْبَدَنِ حَلَالٌ. وَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى، فَقَدْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ ذَبْحُهُ، وَلَا تُجْزِئُ سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ. وَلَوْ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ، حَلَّ بَاقِي الْبَدَنِ، وَلَمْ يَحِلَّ الْعُضْوُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَبْيَنٌ مِنْ حَيٍّ، فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا، لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ قَطْعًا. وَالثَّانِي: تَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ كَالذَّبْحِ
لِلْجُمْلَةِ، فَتَبِعَهَا الْعُضْوُ. وَإِنْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُذَفَّفَةٌ، فَالصَّيْدُ حَلَالٌ، وَالْعُضْوُ حَرَامٌ، وَإِلَّا، فَالصَّيْدُ حَلَالٌ أَيْضًا، وَالْعُضْوُ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَمْ تَتَجَرَّدْ ذَكَاةً لِلصَّيْدِ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: آلَةُ الذَّبْحِ وَالِاصْطِيَادِ، هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.
الْأَوَّلُ: الْمُحَدَّدَاتُ الْجَارِحَةُ بِحَدِّهَا مِنَ الْحَدِيدِ، كَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ، وَالسَّهْمِ، وَالرُّمْحِ، أَوْ مِنَ الرَّصَاصِ أَوْ مِنَ النُّحَاسِ أَوِ الذَّهَبِ أَوِ الْخَشَبِ الْمُحَدَّدِ، أَوِ الْقَصَبِ أَوِ الزُّجَاجِ أَوِ الْحَجَرِ، فَيَحْصُلُ الذَّبْحُ بِجَمِيعِهَا، وَيَحِلُّ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ بِهَا، إِلَّا الظُّفْرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ، فَإِنْهُ لَا يَحِلُّ بِهَا، سَوَاءٌ عَظْمُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ، الْمُتَّصِلُ
[وَالْمُنْفَصِلُ] .
وَفِي وَجْهٍ: أَنَّ عَظْمَ الْمَأْكُولِ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِهِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَلَوْ رَكَّبَ عَظْمًا عَلَى سَهْمٍ، وَجَعَلَهُ نَصْلًا لَهُ، فَقَتَلَ بِهِ صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْآلَاتُ الْمُثْقَلَاتُ، إِذَا أَثَّرَتْ بِثِقْلِهَا دَقًّا أَوْ خَنْقًا، لَمْ يَحِلَّ الْحَيَوَانُ، وَكَذَا الْمُحَدَّدُ إِذَا قَتَلَ بِثِقْلِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْجُرْحِ. فَيَحْرُمُ الطَّيْرُ إِذَا مَاتَ بِبُنْدُقَةٍ رُمِيَ بِهَا، خَدَشَتْهُ، أَمْ لَا، قَطَعَتْ رَأْسَهُ، أَمْ لَا. وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي بِئْرٍ مَحْفُورَةٍ لَهُ، فَمَاتَ بِالِانْصِدَامِ، أَوِ الْخَنْقِ بِأُحْبُولَةٍ مَنْصُوبَةٍ لَهُ، أَوْ كَانَ رَأْسُ الْحَبْلِ بِيَدِهِ، فَجَّرَهُ وَمَاتَ الصَّيْدُ، أَوْ مَاتَ بِسَهْمٍ لَا نَصْلَ فِيهِ وَلَا حَدَّ لَهُ، أَوْ بِثِقَلِ السَّيْفِ، أَوْ مَاتَ الطَّيْرُ الضَّعِيفُ بِإِصَابَةِ عَرْضِ السَّهْمِ، أَوْ قُتِلَ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصًا، فَكُلُّهُ حَرَامٌ. وَلَوْ ذُبِحَ بِحَدِيدَةٍ لَا تَقْطَعُ، لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ هُنَا بِقُوَّةِ الذَّابِحِ وَشِدَّةِ الِاعْتِمَادِ، لَا بِالْآلَةِ.
وَلَوْ خَسَقَ فِيهِ الْعَصَا وَنَحْوَهُ، حَكَى الرُّويَانِيُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السِّلَاحِ، فَهُوَ حَلَالٌ. وَإِنْ كَانَ لَا يَمُورُ إِلَّا مُسْتَكْرَهًا، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْعُودُ خَفِيفًا قَرِيبًا مِنَ السَّهْمِ، حَلَّ. وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا، لَمْ يَحِلَّ.
فَرْعٌ
إِذَا لَمْ يَجْرَحِ الْكَلْبُ الصَّيْدَ، لَكِنْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ بِضَغْطَتِهِ، حَلَّ عَلَى الْأَظْهَرِ.
فَرْعٌ
إِذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِشَيْئَيْنِ: مُحَرَّمٍ، وَمُبِيحٍ، بِأَنْ مَاتَ بِسَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَصَابَاهُ مِنْ رَامٍ أَوْ رَامِيَيْنِ، أَوْ يُصِيبُ الصَّيْدَ طَرَفٌ مِنَ النَّصْلِ، فَيَجْرَحُهُ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ عَرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ فَيَمُوتُ مِنْهُمَا، أَوْ يَرْمِي إِلَى صَيْدٍ سَهْمًا فَيَقَعُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ، ثُمَّ يَسْقُطُ مِنْهُ، أَوْ عَلَى جَبَلٍ فَيَتَدَهْوَرُ مِنْهُ، أَوْ يَقَعُ فِي مَاءٍ، أَوْ عَلَى شَجَرٍ فَيَنْصَدِمُ بِأَغْصَانِهِ، أَوْ يَقَعُ عَلَى مُحَدَّدٍ مِنْ سِكِّينِ وَغَيْرِهِ، فَكُلُّ هَذَا حَرَامٌ.
وَلَوْ تَدَحْرَجَ الْمَجْرُوحُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ، حَلَّ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ. وَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ الطَّائِرَ فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ، حَلَّ، سَوَاءً مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْوُقُوعِ، فَعُفِيَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ
[الصَّيْدُ] قَائِمًا فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ وَمَاتَ، فَإِنْهُ يَحِلُّ. وَلَوْ زَحَفَ قَلِيلًا بَعْدَ إِصَابَةِ السَّهْمِ، فَهُوَ كَالْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ، فَيَحِلُّ. وَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ، لَكِنْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ، فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ جُرْحٌ يُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ خَفِيفًا لَا يُؤَثِّرُ مِثْلُهُ، لَكِنْ عَطَّلَ جَنَاحَهُ فَسَقَطَ وَمَاتَ، فَحَرَامٌ. وَلَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ، إِنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ، فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ، وَإِلَّا، فَهُوَ حَلَالٌ، وَقَعْرُ الْبِئْرِ كَالْأَرْضِ. وَالْمُرَادُ: إِذَا لَمْ تُصَادِمْهُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ. وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ،
حَلَّ. وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غُصْنٍ ثُمَّ عَلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَحِلَّ. وَلَيْسَ الِانْصِدَامُ بِالْأَغْصَانِ، أَوْ بِأَحْرُفِ الْجَبَلِ عِنْدَ التَّدَهْوُرِ مِنْ أَعْلَاهُ، كَالِانْصِدَامِ بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الِانْصِدَامَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا غَالِبٍ، وَالِانْصِدَامُ بِالْأَرْضِ، لَازِمٌ. وَلِلْإِمَامِ احْتِمَالٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الطَّيْرِ عَلَى الشَّجَرِ، وَالِانْصِدَامُ بِطَرَفِ الْجَبَلِ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ فِيهِ.
فَرْعٌ
إِذَا رُمِيَ طَيْرُ الْمَاءَ، إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ، حَلَّ، وَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ. وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَاءِ، وَوَقَعَ فِيهِ بَعْدَ إِصَابَةِ السَّهْمِ، فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا فِي «الْحَاوِي» . وَقَطَعَ فِي «التَّهْذِيبِ» : بِالتَّحْرِيمِ. وَفِي شَرْحِ «مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ» : بِالْحِلِّ. فَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْبَحْرِ، قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ، لَمْ يَحِلَّ. وَإِنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ، حَلَّ.
فَرْعٌ
جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا لَمْ يَنْتَهِ الصَّيْدُ بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ. فَإِنِ انْتَهَى إِلَيْهَا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِّيءِ، أَوْ غَيْرِهِ، فَقَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ، وَلَا أَثَرَ لِمَا يَعْرِضُ بَعْدَهُ.
فَرْعٌ
لَوْ أُرْسِلَ كَلْبٌ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ مُحَدَّدَةٌ، فَجَرَحَ الصَّيْدَ بِهَا، حَلَّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا، قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَقَدْ يَفْرِقُ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِالسَّهْمِ الصَّيْدَ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْقِلَادَةِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْجَوَارِحُ، فَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ، كَالْكَلْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ، وَغَيْرِهَا. وَبِجَوَارِحِ الطَّيْرِ، كَالْبَازِيِّ، وَالشَّاهِينِ، وَالصَّقْرِ. وَفِي وَجْهٍ يُحْكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ: لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِهَا: أَنَّ مَا أَخَذَتْهُ وَجَرَحَتْهُ وَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهَا مَيِّتًا، أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، حَلَّ أَكْلُهُ.
وَيَقُومُ إِرْسَالُ الصَّائِدِ وَجَرْحُ الْجَارِحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، مَقَامَ الذَّبْحِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إِثْبَاتِ الْمِلْكِ، فَلَا يَخْتَصُّ، بَلْ يَحْصُلُ بِأَيِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ. ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِحِلٍّ مَا قَتَلَهُ الْجَوَارِحُ، كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا، لَمْ يَحِلَّ مَا قَتَلَهُ. فَإِنْ أُدْرِكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، ذَكَّاهُ كَغَيْرِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْكَلْبِ مُعَلَّمًا، أَرْبَعَةُ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْزَجِرَ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ، كَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ. فَأَمَّا إِذَا انْطَلَقَ وَاشْتَدَّ عَدْوُهُ، فَفِي اشْتِرَاطِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا يُشْتَرَطُ.
الثَّانِي: أَنْ يَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أُغْرِيَ بِالصَّيْدِ هَاجَ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَمْسِكَ الصَّيْدَ فَيَحْبِسَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَا يُخَلِّيهِ.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ شَاذٍّ: لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ. هَذَا حُكْمُ الْكَلْبِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ: أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَنْطَلِقَ بِإِطْلَاقِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّهُ لَوِ انْطَلَقَ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا. وَرَآهُ الْإِمَامُ مُشْكِلًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَلْبَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، إِذَا رَأَى صَيْدًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى كَلَبِ الْجُوعِ، يُبْعِدُ انْكِفَافَهُ.
وَأَمَّا جَوَارِحُ الطَّيْرِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ أَيْضًا. وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ أَكْلِهَا مِنَ الصَّيْدِ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَطْمَعُ فِي انْزِجَارِهَا بَعْدَ الطَّيَرَانِ، وَيَبْعُدُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ انْكِفَافِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ.
ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: الْأُمُورُ الْمُشْتَرِطَةُ فِي التَّعْلِيمِ، يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ. وَالرُّجُوعُ فِي عَدَدِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ، عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَفِي حِلِّ ذَلِكَ الصَّيْدِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَحُلُّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَدِدْتُ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَنْكَفَّ زَمَانًا ثُمَّ يَأْكُلُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ، لَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.
قُلْتُ: فَصَلَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا: إِنْ أَكَلَ عَقِيبَ الْقَتْلِ، فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَإِلَّا، فَيَحِلُّ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِئْنَافِ التَّعْلِيمِ، وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ مِنْ قَبْلُ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْحِلِّ، فَتَكَرَّرَ أَكْلُهُ وَصَارَ عَادَةً لَهُ، حَرُمَ الصَّيْدُ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي تَحْرِيمِ الصَّيُودِ الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا مِنْ قَبْلُ، وَجْهَانِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ مِنْهُمَا التَّحْرِيمُ. قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ الثَّانِي، حَرُمَ، وَفِي الْأَوَّلِ، الْوَجْهَانِ. وَإِذَا أَكَلَ مِنَ الثَّالِثِ، حَرُمَ، وَفِيمَا قَبْلَهُ، الْوَجْهَانِ. وَهَذَا ذَهَابٌ إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ، يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي تَكَرُّرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُعَلَّمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيمِ فِي الْحِلِّ، وَأَثَرَ الْأَكْلِ فِي التَّحْرِيمِ، فَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا. وَعَلَى هَذَا، لَوْ عَرِفْنَا كَوْنَهُ مُعَلَّمًا، لَمْ يَنْعَطِفِ الْحِلُّ عَلَى مَا سَبَقَ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ، الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَلَوْ لَعِقَ الْكَلْبُ الدَّمَ، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ. وَلَوْ أَكَلَ حَشْوَةَ الصَّيْدِ، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلِي اللَّحْمُ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْحِلِّ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ كَالدَّمِ. وَلَوْ لَمْ يَسْتَرْسِلْ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، أَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ عِنْدَ الزَّجْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا،
الْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ قَالَ الْقَفَّالُ: لَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَخْذَ الصَّيْدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ، وَصَارَ يُقَاتِلُ دُونَهُ، فَهُوَ كَالْأَكْلِ. وَجَوَارِحُ الطَّيْرِ إِذَا أَكَلَتْ مِنْهُ، وَقُلْنَا: يُشْتَرَطُ فِي التَّعْلِيمِ تَرْكُهَا الْأَكْلَ، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ كَالْكَلْبِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْحِلِّ.
الثَّالِثَةُ: مَعَضُّ الْكَلْبِ مِنَ الصَّيْدِ نَجِسٌ، يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا مَعَ التَّعْفِيرِ كَغَيْرِهِ. فَإِذَا غَسَلَ، حَلَّ أَكْلُهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: إِنْهُ طَاهِرٌ. وَقِيلَ: نَجِسٌ يُعْفَى عَنْهُ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ بِلَا غُسْلٍ. وَقِيلَ: نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، بَلْ يَجِبُ تَقْوِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَطَرْحُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّبُ لُعَابَهُ، فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا الْقَائِلُ، يَطْرُدُ مَا ذَكَرَهُ فِي كُلِّ لَحْمٍ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِعَضَّةِ الْكَلْبِ، بِخِلَافِ مَوْضِعٍ يَنَالُهُ لُعَابُهُ بِغَيْرِ عَضٍّ. وَقِيلَ: إِنْ أَصَابَ نَابُ الْكَلْبِ عِرْقًا نَضَّاخًا بِالدَّمِ، سَرَى حُكْمُ النَّجَاسَةِ إِلَى جَمِيعِ الصَّيْدِ، وَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ وَإِنِ اتَّصَلَتْ بِالدَّمِ، فَالْعِرْقُ وِعَاءٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ، ثُمَّ الدَّمُ إِذَا كَانَ يَفُورُ، امْتَنَعَ غَوْصُ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْمُتَصَعِّدِ مِنْ فَوَّارَةٍ، إِذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ عَلَى أَعْلَاهُ، لَمْ يَنْجُسْ مَا تَحْتَهُ.
فَرْعٌ
ذَكَرْنَا أَنَّ النَّمِرَ وَالْفَهْدَ، كَالْكَلْبِ فِي حِلِّ مَا قَتَلَاهُ. وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ: أَنَّ الْفَهْدَ يَبْعُدُ فِيهِ التَّعَلُّمُ، لِأَنْفَتِهِ وَعَدَمِ انْقِيَادِهِ. فَإِنْ تُصُوِّرَ تَعَلُّمُهُ عَلَى نُدُورٍ، فَهُوَ كَالْكَلْبِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ، لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ. وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَا يُوهِمُ خِلَافَ هَذَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ.
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: نَفْسُ الذَّبْحِ، وَعَقْرُ الصَّيْدِ.
أَمَّا نَفْسُ الذَّبْحِ، فَسَبَقَ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ. وَأَمَّا الْعَقْرُ الَّذِي يُبِيحُ الصَّيْدَ بِلَا ذَكَاةٍ، فَهُوَ الْجُرْحُ الْمَقْصُودُ الْمُزْهِقُ الْوَارِدُ عَلَى حَيَوَانٍ وَحْشِيٍّ. أَمَّا الْجُرْحُ، فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْخَنْقُ وَالْوَقْذُ وَنَحْوَهُمَا. وَأَمَّا الْقَصْدُ، فَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:
الْأُولَى: قَصْدُ أَصْلِ الْفِعْلِ الْجَارِحِ. فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ سِكِّينٌ، فَسَقَطَ فَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ وَمَاتَ، أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا أَوْ مِنْجَلًا أَوْ حَدِيدَةً فَانْعَقَرَ بِهِ صَيْدٌ وَمَاتَ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ سِكِّينٌ فَاحْتَكَّتْ بِهَا شَاةٌ، فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا، أَوْ وَقَعَتْ عَلَى حَلَقِهَا فَقَطَعَتْهُ، فَهِيَ حَرَامٌ. وَحُكِيَ وَجْهٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّهُ تَحِلُّ الشَّاةُ فِي صُورَةِ وُقُوعِ السِّكِّينِ مِنْ يَدِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّيْدَ فِي مَعْنَاهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ حَدِيدَةٌ فَحَرَّكَهَا، وَحَكَّتِ الشَّاةُ أَيْضًا حَلْقَهَا بِالْحَدِيدَةِ فَحَصَلَ انْقِطَاعُ حَلْقِهَا بِالْحَرَكَتَيْنِ، فَهِيَ حَرَامٌ.
فَرْعٌ
إِذَا اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَ صَيْدًا، فَهُوَ حَرَامٌ. فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا، بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْمَا يُعْتَبَرُ الْإِمْسَاكُ إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ. وَلَوْ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ لِمَا اسْتَرْسَلَ، فَانْزَجَرَ وَوَقَفَ، ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ، حَلَّ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ وَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ، لَمْ يَحِلَّ، سَوَاءٌ زَادَ عَدْوُهُ وَحِدَّتُهُ أَمْ لَا. فَلَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ، بَلْ أَغْرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَدْوُهُ فَحَرَامٌ. وَكَذَا إِذَا زَادَ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ كَانَ الْإِغْرَاءُ وَزِيَادَةُ الْعَدْوِ بَعْدَمَا زَجَرَهُ، فَلَمْ يَنْزَجِرْ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ. وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا، فَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ فَازْدَادَ عَدْوُهُ، فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ: لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ
الِاسْتِرْسَالِ، وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِغْرَاءُ، حَلَّ هُنَا. وَلَا يُؤَثِّرُ إِغْرَاءُ الْمَجُوسِيِّ. وَإِنْ قَطَعْنَاهُ، وَأَحَلْنَا عَلَى الْإِغْرَاءِ، لَمْ يَحِلَّ هُنَا، كَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْبِنَاءَ. وَقَطَعَ فِي «التَّهْذِيبِ» : بِالتَّحْرِيمِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُشَارَكَةٌ، وَكِلَاهُمَا يُحَرِّمُهُ.
وَلَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ، فَازْدَادَ عَدْوُهُ، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ. وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ، فَزَجَرَهُ فُضُولِيٌّ فَانْزَجَرَ، ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ، فَأَخَذَ صَيْدًا، فَلِمَنْ يَكُونُ الصَّيْدُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لِلْغَاصِبِ. وَلَوْ زَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، فَأَغْرَاهُ، أَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ، بَلْ أَغْرَاهُ وَزَادَ عَدْوُهُ، وَقُلْنَا: الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ، خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْإِغْرَاءَ يَقْطَعُ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ، وَإِلَّا فَلِلْغَاصِبِ الْفُضُولِيِّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَمْتَنِعُ تَخْرِيجُ وَجْهٍ بِاشْتِرَاكِهِمَا.
فَرْعٌ
لَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ بِإِعَانَةِ الرِّيحِ، وَكَانَ يَقْصُرُ عَنْهُ لَوْلَا الرِّيحُ، حَلَّ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ هُبُوبِهَا، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ، وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِيهِ تَرَدُّدًا. وَلَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ أَوِ انْصَدَمَ بِحَائِطٍ ثُمَّ ازْدَلَفَ وَأَصَابَ الصَّيْدَ، أَوْ أَصَابَ حَجَرًا فَنَبَا عَنْهُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ نَفَذَ فِيهِ إِلَى الصَّيْدِ، أَوْ كَانَ الرَّامِي فِي نَزْعِ الْقَوْسِ فَانْقَطَعَ الْوَتَرُ وَصَدَمَ الْفُوقَ فَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ، حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: قَصْدُ جِنْسِ الْحَيَوَانِ، فَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ، أَوْ فَضَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ، لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ، أَوْ رَمَى إِلَى هَدَفٍ، فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ، وَكَانَ لَا يَخْطُرُ لَهُ الصَّيْدُ، أَوْ كَانَ يَرَاهُ، وَلَكِنْ رَمَى إِلَى الْهَدَفِ. أَوْ ذِئْبٍ،
وَلَا يَقْصِدُ الصَّيْدَ فَأَصَابَهُ، لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، لِعَدَمِ قَصْدِهِ. وَلَوْ كَانَ يُجِيلُ سَيْفَهُ فَأَصَابَ عُنُقَ شَاةٍ وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِّيءَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْحَالِ، فَقَطَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: بِأَنَّهَا مَيْتَةٌ قَدْ يَجِيءُ فِي هَذَا الْخِلَافِ وَأَيْضًا الْوَجْهُ الْمَنْقُولُ فِيمَا لَوْ وَقَعَ السِّكِّينُ مِنْ يَدِهِ. وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا حَيْثُ لَا صَيْدَ، فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ، لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَفِي «الْكَافِي» لِلرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ: فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا، أَوْ جُرْثُومَةً، أَوْ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ حَيَوَانًا آخَرَ مُحَرَّمًا، فَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ، أَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا غَيْرَ مَأْكُولٍ فَكَانَ مَأْكُولًا، أَوْ قَطَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَا ظَنَّهُ ثَوْبًا، فَكَانَ حَلْقَ شَاةٍ، فَانْقَطَعَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِّيءُ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا إِلَى شَاخِصٍ يَظُنْهُ حَجَرًا، فَكَانَ صَيْدًا، أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ ذَبَحَ فِي ظُلْمَةٍ حَيَوَانًا يَظُنُّهُ مُحَرَّمًا، فَبَانَ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً، حَلَّ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ رَمَى إِلَى شَاتِهِ الرَّبِيطَةِ سَهْمًا جَارِحًا، فَأَصَابَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِّيءَ وِفَاقًا، وَقَطَعَهُمَا، فَفِي حِلِّ الشَّاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَبْحِهَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْمَذْبَحَ بِسَهْمِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الشَّاةَ فَيُصِيبُ الْمَذْبَحَ.
قُلْتُ: الْأَرْجَحُ: الْحِلُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: قَصْدُ عَيْنِ الْحَيَوَانِ، فَإِذَا رَمَى صَيْدًا يَرَاهُ، أَوْ لَا يَرَاهُ، لَكِنْ يَحِسُّ بِهِ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، بِأَنْ كَانَ بَيْنَ أَشْجَارٍ مُلْتَفَّةٍ وَقَصَدَهُ، حَلَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، بِأَنْ رَمَى وَهُوَ لَا يَرْجُو صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا، فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ. وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ صَيْدًا فَبَنَى الرَّمْيَ عَلَيْهِ، بِأَنْ رَمَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَقَالَ: رُبَّمَا أَصَبْتُ صَيْدًا فَأَصَابَهُ؛ فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: التَّحْرِيمُ. وَالثَّانِي: يَحِلُّ. وَالثَّالِثُ: إِنْ تَوَقَّعَهُ بِظَنٍّ غَالِبٍ، حَلَّ، وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ تَجْوِيزٍ، حَرُمَ. وَلَوْ رَمَى إِلَى سِرْبٍ مِنَ الظِّبَاءِ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهَا، فَهِيَ حَلَالٌ
قَطْعًا. وَلَوْ قَصَدَ مِنْهَا ظَبْيَةً بِالرَّمْيِ، فَأَصَابَ غَيْرَهَا؛ فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: الْحِلُّ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: التَّحْرِيمُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ حَالَةَ الرَّمْيِ يَرَى الْمُصَابَ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: إِنْ كَانَ الْمُصَابُ مِنَ السِّرْبِ الَّذِي رَآهُ وَرَمَاهُ، حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْحِلِّ، وَسَوَاءً عَدَلَ السَّهْمَ عَنِ الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدَهَا إِلَى غَيْرِهَا، أَمْ لَا. وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا يَعْتَقِدُهُ حَجَرًا، وَكَانَ حَجَرًا، فَأَصَابَ ظَبْيَةً، لَمْ تَحِلَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ كَانَ الشَّاخِصُ صَيْدًا، وَمَالَ السَّهْمُ عَنْهُ وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، وَأَوْلَى بِالْحِلِّ. وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ خِنْزِيرًا، وَكَانَ خِنْزِيرًا، أَوْ صَيْدًا فَلَمْ يُصِبْهُ، وَأَصَابَ ظَبْيَةً، لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا. وَالْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَ خِنْزِيرًا أَضْعَفُ.
وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ صَيْدًا، فَبَانَ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ أَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا، قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِنِ اعْتَبَرْنَا ظَنَّهُ فِيمَا إِذَا رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا، فَكَانَ صَيْدًا، وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا آخَرَ، وَقُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَهُنَا يَحِلُّ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ. وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ، وَقُلْنَا بِالْحِلِّ هُنَاكَ، حَرُمَ هُنَا.
وَأَمَّا إِذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ، فَيُنْظَرُ، إِنْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ، بَلْ كَانَ فِيهَا صُيُودًا، فَأَخَذَ غَيْرَ مَا أَغْرَاهُ عَلَيْهِ، حَلَّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي السَّهْمِ، وَإِنْ عَدَلَ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: الْحِلُّ؛ لِأَنَّهُ تَعَسَّرَ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُولِ، وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ، حَلَّ قَطْعًا. وَالثَّانِي: يَحْرُمُ. وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ «الْحَاوِي» : إِنْ خَرَجَ عَادِلًا عَنِ الْجِهَةِ، حَرُمَ، وَإِنْ خَرَجَ إِلَيْهَا فَفَاتَهُ الصَّيْدُ، فَعَدَلَ إِلَى غَيْرِهَا وَصَادَ، حَلَّ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَذَقِهُ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعْ خَائِبًا. وَقَطَعَ الْإِمَامُ بِالتَّحْرِيمِ إِذَا عَدَلَ وَظَهَرَ مِنْ عُدُولِهِ وَاخْتِيَارِهِ بِأَنِ امْتَدَّ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ زَمَانًا ثُمَّ ثَارَ صَيْدٌ آخَرُ فَاسْتَدْبَرَ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِ وَقَصَدَ الْآخَرَ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْجُرْحِ مُزْهِقًا، فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا لَوْ مَاتَ بِصَدْمَةٍ أَوِ افْتِرَاسِ سَبْعٍ، أَوْ أَعَانَ ذَلِكَ الْجُرْحَ غَيْرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي نَظَائِرِهِ، فَلَا يَحِلُّ. وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، لَمْ يَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ، لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَلَا أَثَّرَ لِتَضَمُّخِهِ بِدَمِهِ، فَرُبَّمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ وَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ أُخْرَى. وَإِنْ جَرَحَهُ