الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَغَابَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، فَإِنِ انْتَهَى إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بِالْجُرْحِ، حَلَّ، وَلَا أَثَرَ لِغَيْبَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي مَاءٍ، أَوْ وُجِدَ عَلَيْهِ أَثَرُ صَدْمَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أُخْرَى، لَمْ يَحِلَّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرٌ آخَرُ، فَثَلَاثُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: يَحِلُّ قَطْعًا. وَالثَّانِي: يَحْرُمُ قَطْعًا. وَأَصَحُّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ: التَّحْرِيمُ. وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ صَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» : التَّحْلِيلُ، وَتُسَمَّى هَذِهِ: مَسْأَلَةُ الْإِنْمَاءِ.
قُلْتُ: الْحِلُّ أَصَحُّ دَلِيلًا. وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْغَزَالِيُّ فِي «الْإِحْيَاءِ» : وَثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي التَّحْرِيمِ شَيْءٌ، وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْحِلَّ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَ [عِنْدَ] إِرْسَالِ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ، فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ.
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ مَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ
يُمْلَكُ بِطُرُقٍ
مِنْهَا: أَنْ يَضْبُطَهُ بِيَدِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ التَّمَلُّكِ فِي أَخْذِهِ بِيَدِهِ، حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَيْدًا لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ، مَلَكَهُ. وَلَوْ سَعَى خَلْفَ صَيْدٍ فَوَقَفَ الصَّيْدُ لِلْإِعْيَاءِ، لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً، أَوْ يَرْمِيَهُ فَيُثْخِنَهُ وَيُزْمِنَهُ، فَيَمْلِكَهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ طَائِرًا فَكَسَرَ جَنَاحَهُ، فَعَجَزَ عَنِ الطَّيَرَانِ وَالْعَدْوِ جَمِيعًا. وَيَكْفِي لِلتَّمَلُّكِ إِبْطَالُ شِدَّةِ الْعَدْوِ وَصَيْرُورَتِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لَحَاقُهُ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَعَطِشَ فَثَبَتَ، لَمْ يَمْلِكْهُ إِنْ كَانَ الْعَطَشُ لِعَدَمِ الْمَاءِ. وَإِنْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَاءِ، مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ عَجَزَهُ بِالْجِرَاحَةِ.
وَمِنْهَا: وُقُوعُهُ فِي شَبَكَةٍ مَنْصُوبَةٍ لَهُ. فَلَوْ طَرَدَهُ طَارِدٌ فَوَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ، لَا لِلطَّارِدِ. وَفِي «الْحَاوِي» : أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ ثُمَّ تَقَطَّعَتْ فَأَفْلَتَ الصَّيْدُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الصَّيْدِ الْوَاقِعِ، عَادَ مُبَاحًا، فَيَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ، وَإِلَّا، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الشَّبَكَةِ، فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَسِيطِ» فِي بَابِ النَّثْرِ: لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ فَأَفْلَتَ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَمِنْهَا: إِذَا أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَثْبَتَ صَيْدًا، مَلَكَهُ، فَلَوْ أَرْسَلَ سَبْعًا آخَرَ فَعَقَرَهُ وَأَثْبَتَهُ، قَالَ فِي «الْحَاوِي» : إِنْ كَانَ لَهُ يَدٌ عَلَى السَّبْعِ، مَلَكَهُ كَإِرْسَالِ الْكَلْبِ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَفْلَتَ الصَّيْدُ بَعْدَمَا أَخَذَهُ الْكَلْبُ، فَفِي «الْبَحْرِ» : أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَالَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ صَاحِبُهُ، لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَا زَالَ امْتِنَاعُهُ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا: إِذَا أَلْجَأَهُ إِلَى مَضِيقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْفِلَاتِ مِنْهُ، مَلَكَهُ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُدْخِلَهُ بَيْتًا وَنَحْوَهُ. وَقَدْ يَرْجِعُ جَمِيعُ هَذَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَيُقَالُ: سَبَبُ مِلْكِ الصَّيْدِ إِبْطَالُ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ.
فَرْعٌ
لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ بِمَزْرَعَتِهِ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَمْلِكُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِسَقْيِ الْأَرْضِ الِاصْطِيَادَ. قَالَ الْإِمَامُ: الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ سَقْيُ الْأَرْضِ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ تَوَحُّلُ الصَّيُودِ، فَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ، فَهُوَ كَنَصْبِ الشَّبَكَةِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الرُّويَانِيُّ لِمَزْرَعَةِ الشَّخْصِ، بَلْ قَالَ: لَوْ تَوَحَّلَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ، لَمْ يَمْلِكْهُ، لَأَنَّ الطِّينَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. فَلَوْ كَانَ هُوَ أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ، مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْوَحْلَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَهُوَ كَالشَّبَكَةِ.
وَيُشْبِهُ أَنْ يَرْجِعَ
[هَذَا] إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ قَصْدِ الِاصْطِيَادِ بِالسَّقْيِ. وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي أَرْضِهِ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، أَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِيهَا وَبَاضَ وَفَرَّخَ، وَحَصَلَتِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْبَيْضِ وَالْفَرْخِ، لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قُطِعَ فِي «التَّهْذِيبِ» وَقَالَ: لَوْ حَفَرَ حُفْرَةً لَا لِلصَّيْدِ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ، لَمْ يَمْلِكْهُ. وَإِنْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ، مَلَكَ مَا وَقَعَ فِيهِ. وَلَوْ أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ لِئَلَّا يَخْرُجَ، مَلَكَهُ. قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إِذَا قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الدَّارِ، فَهُوَ أَوْلَى بِتَمَلُّكِهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلَ مِلْكَهُ وَيَأْخُذَهُ. فَإِنْ فَعَلَ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ وَجْهَانِ كَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ، هَلْ يَمْلِكُهُ؟ وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَوْلَى بِثُبُوتِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ لِلْإِحْيَاءِ، وَلَا يُقْصَدُ بِبَنَاءِ الدَّارِ تَمَلُّكُ الصَّيْدِ الْوَاقِعِ فِيهَا. وَلَوْ قَصَدَ بِبِنَاءِ الدَّارِ تَعْشِيشَ الطَّائِرِ، فَعَشَّشَ فِيهَا طَيْرٌ، أَوْ وَقَعَتِ الشَّبَكَةُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ، فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ، فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْأُولَى قَصْدٌ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَفِي الثَّانِيَةِ: حَصَلَ اسْتِيلَاءٌ بِمِلْكِهِ، لَكِنْ بِلَا قَصْدٍ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَمْلِكُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ.