المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ، كُرِهَ أَنْ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٣

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ قَوْلَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مَوَانِعِ إِتْمَامِ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ الضَّحَايَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْعَقِيقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ خِيَارِ النَّقِيصَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَصِفَةُ الْقَبْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ بَابِ [

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ [وَتَحَالُفِهِمَا]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ، كُرِهَ أَنْ

‌فَصْلٌ

مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ، كُرِهَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ أَوْ يُقَلِّمَ ظُفْرَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَحْرُمُ، حَكَاهُ صَاحِبُ «الرَّقْمِ» ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِتُعْتَقَ مِنَ النَّارِ، وَقِيلَ: لِلتَّشْبِيهِ بِالْمُحْرِمِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنْهُ لَا يَتْرُكُ الطِّيبَ وَلِبْسَ الْمَخِيطِ وَغَيْرَهُمَا. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّ الْحَلْقَ وَالْقَلْمَ، لَا يُكْرَهَانِ إِلَّا إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَاشْتَرَى ضَحِيَّةً، أَوْ عَيَّنَ شَاةً مِنْ مَوَاشِيهِ لِلتَّضْحِيَةِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقَلْمُ.

قُلْتُ: قَالَ الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ: حُكْمُ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالشَّعْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا أَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ، فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ.

الْأَوَّلُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَلَفِهَا وَإِتْلَافِهَا، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: الْأُضْحِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَالْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ، يَزُولُ مِلْكُ الْمُتَقَرِّبِ عَنْهُمَا بِالنَّذْرِ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِمَا بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ، وَلَا إِبْدَالَ بِمِثْلِهِمَا، وَلَا بِخَيْرٍ مِنْهُمَا. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ حَتَّى يَذْبَحَ وَيَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، كَمَا

[لَوْ] قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ، لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إِلَّا بِإِعْتَاقٍ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. وَالْفَرْقُ: مَا سَبَقَ. وَلَوْ نَذَرَ إِعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَإِبْدَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَزُلِ الْمِلْكُ عَنْهُ. وَلَوْ خَالَفَ فَبَاعَ الْأُضْحِيَّةَ أَوِ الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ، اسْتَرَدَّ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ، وَيَرُدُّ

ص: 210

الثَّمَنَ. فَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ تَلَفَتَ عِنْدَهُ، لَزِمَهُ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إِلَى يَوْمِ التَّلَفِ، وَيَشْتَرِي النَّاذِرُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَ التَّالِفَةِ، جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْقِيمَةِ الْمِثْلَ لِغَلَاءٍ حَدَثَ، ضَمَّ إِلَيْهَا مِنْ مَالِهِ تَمَامَ الثَّمَنِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يَضْمَنُ مَا بَاعَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، لِرُخْصٍ حَدَثَ، فَعَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ. ثُمَّ إِنِ اشْتَرَى الْمِثْلَ بِعَيْنِ الْقِيمَةِ، صَارَ الْمُشْتَرَى ضَحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. وَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ، وَنَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ، فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلْيَجْعَلْهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ضَحِيَّةً. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، لَا يَصِحُّ إِجَارَتُهَا، وَيَجُوزُ إِعَارَتُهَا، لِأَنَّهَا إِرْفَاقٌ، فَلَوْ أَجَّرَهَا فَرَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَلَفَتْ، لَزِمَ الْمُؤَجِّرَ قِيمَتُهَا، وَالْمُسْتَأْجِرَ الْأُجْرَةُ. وَفِي الْأُجْرَةِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: الْأَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى. ثُمَّ هَلْ يَكُونُ مَصْرِفُهَا مَصْرِفَ الضَّحَايَا، أَمِ الْفُقَرَاءَ فَقَطْ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الْبَدَنَةَ، أَوْ

[هَذِهِ] الشَّاةَ، ضَحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ أَوْ شَاةٍ عَيَّنَهَا، فَمَاتَتْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ سُرِقَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَبْحِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ، إِذَا تَلِفَ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ دَمٌ عَنْ تَمَتُّعٍ، أَوْ قِرَانٍ. أَوْ أُضْحِيَّةٌ، أَوْ هَدْيٌ عَنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ، ثُمَّ عَيَّنَ بَدَنَةً أَوْ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي تَعْيِينِهِ، وَالْأَصَحُّ التَّعْيِينُ. وَحِينَئِذٍ الْمَذْهَبُ: زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْهَا كَالْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً،

ص: 211

لَكِنْ لَوْ تَلَفَتْ، فَفِي وُجُوبِ الْإِبْدَالِ طَرِيقَانِ. قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمُعَيَّنُ وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، فَاشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَتَلِفَتِ السِّلْعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ بَائِعِهَا، فَإِنْهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَيَعُودُ الدَّيْنُ كَمَا كَانَ، فَكَذَا هُنَا يَبْطُلُ التَّعْيِينُ، وَيَعُودُ مَا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: فِيهِ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْإِمَامُ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ الْإِبْدَالُ، لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ، فَهِيَ كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً.

الْخَامِسَةُ: إِذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، لَزِمَهُ الْقِيمَةُ، يَأْخُذُهَا الْمُضَحِّي، وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهَا مِثْلَهَا، اشْتَرَى دُونَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ إِعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقُتِلَ، فَإِنْهُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا يُعْتِقُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ هُنَا لَمْ يُزَلْ عَنْهُ وَمُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ هُوَ الْعَبْدُ، وَقَدْ هَلَكَ، وَمُسْتَحِقُّو الْأُضْحِيَةِ بَاقُونَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْقِيمَةِ مَا يَصْلُحُ لِلْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ، فَفِي «الْحَاوِي» : أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُضَحِّي أَنْ يَضُمَّ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى الْقِيمَةِ مَا يَحْصُلُ بِهِ أُضْحِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا، يُمْكِنُ أَنْ يَطْرُدَهُ فِي اللَّفِّ. وَهَذَا الَّذِي فِي «الْحَاوِي» شَاذٌّ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شِقْصَ هَدْيٍ، أَوْ أُضْحِيَّةٍ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ وَالذَّبْحُ مَعَ الشَّرِيكِ، وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ، كَأَصْلِ الْأُضْحِيَّةِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ دَرَاهِمَ. فَعَلَى هَذَا أَطْلَقَ مُطْلِقُونَ: أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا. وَقَالَ الْإِمَامُ: يَصْرِفُهَا مَصْرِفَ الضَّحَايَا، حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْهُ خَاتَمًا يَقْتَنِيهِ وَلَا يَبِيعُهُ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا أَوْجَهُ. وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، بَلِ الْمُرَادُ: أَنْ لَا يَجِبَ شِقْصٌ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُ الدَّرَاهِمِ، وَقَدْ يَتَسَاهَلُ فِي ذِكْرِ الْمَصْرِفِ فِي مِثْلِ هَذَا.

ص: 212

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنِ الْإِمَامِ، مِنْ جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ، تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَشْتَرِي بِهَا لَحْمًا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ

[أَنْ يَشْتَرِيَ] بِهَا شِقْصًا، لِقِلَّتِهَا، فَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ. وَرَتَّبَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» هَذِهِ الصُّوَرَ تَرْتِيبًا حَسَنًا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْمُتْلَفُ ثَنِيَّةَ ضَأْنٍ مَثَلًا، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ مِثْلَهَا، وَأَمْكَنَ شِرَاءُ جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَثَنِيِّةِ مَعْزٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ رِعَايَةً لِلنَّوْعِ، وَإِنْ أَمْكَنَ ثَنِيَّةُ مَعْزِ وَدُونَ جَذَعَةِ ضَأْنٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ لِلضَّحِيَّةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ دُونَ الْجَذَعَةِ، وَشِرَاءِ سَهْمٍ فِي ضَحِيَّةٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَا تَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الْأَوَّلِ إِرَاقَةُ دَمٍ كَامِلٍ. وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ لَحْمٍ، وَشِرَاءُ سَهْمٍ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي إِرَاقَةِ دَمٍ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا شِرَاءُ اللَّحْمِ وَتَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ، تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْأُضْحِيَّةِ.

السَّادِسَةُ: إِذَا أَتْلَفَهَا الْمُضَحِّي فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَأَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَتَحْصِيلُ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَتَلَفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَكْثَرَ، وَأَمْكَنَ شِرَاءُ مِثْلِ الْأُولَى بِبَعْضِهَا، اشْتَرَى بِهَا كَرِيمَةً أَوْ شَاتَيْنِ فَصَاعِدًا. فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ كَرِيمَةٌ، وَفَضَلَ مَا لَا يَفِي بِأُخْرَى، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ وَلَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِشَاةٍ. وَهُنَا وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ لَهُ صَرْفَ مَا فَضَلَ عَنْ شَاةٍ إِلَى غَيْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْمِثْلِ كَابْتِدَاءِ تَضْحِيَةٍ. وَوَجْهٌ: أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فَضَلَ.

السَّابِعَةُ: إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِ الْهَدْيِ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْمَنْسَكَ، أَوْ مِنْ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَمْ يَذْبَحْ حَتَّى هَلَكَ، فَهُوَ كَالْإِتْلَافِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِهِ.

الثَّامِنَةُ: اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ شَاةً

ص: 213

أُخْرَى، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا. وَفِي مَعْنَاهُ: الْبَدَلُ الَّذِي يَذْبَحُهُ. وَفِي وَجْهٍ لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ: لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِنْهُ، لِتَعَدِّيهِ بِالْإِتْلَافِ.

التَّاسِعَةُ: إِذَا جَعَلَ شَاتَهُ أُضْحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِمُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ مِثْلِهَا يَوْمَ النَّحْرِ بَدَلًا عَنْهَا. وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ، تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ، وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ. وَلَوْ بَاعَ الْهَدْيَ أَوِ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَيْنِ، فَذَبَحَهَا الْمُشْتَرِي، وَاللَّحْمُ بَاقٍ، أَخْذَهُ الْبَائِعُ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، وَيَضُمُّ الْبَائِعُ إِلَيْهِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَدَلَ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. وَلَوْ ذَبَحَ أَجْنَبِيٌّ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ مَا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الذَّبْحِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ خِلَافٌ فِي أَنَّ اللَّحْمَ يُصْرَفُ إِلَى مَصَارِفِ الضَّحَايَا، أَمْ يَنْفَكُّ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيَعُودُ مِلْكُهُ، كَمَا سَنَذْكُرُ مِثْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فِيمَا لَوْ ذَبَحَ الْأَجْنَبِيُّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقُلْنَا: لَا يَقَعُ ضَحِيَّةً؟ ثُمَّ مَا حَصَلَ مِنَ الْأَرْشِ مِنَ اللَّحْمِ، إِنْ عَادَ مِلْكًا لَهُ، اشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّةً يَذْبَحُهَا يَوْمَ النَّحْرِ. وَلَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، أَخَذَ اللَّحْمَ وَنُقْصَانَ الذَّبْحِ، وَمَلَكَ الْجَمِيعَ، وَبَقِيَ الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ.

الْعَاشِرَةُ: لَوْ ذَبَحَ أَجْنَبِيٌّ أُضْحِيَّةً مُعَيَّنَةً ابْتِدَاءً فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، أَوْ هَدْيًا مُعَيَّنًا بَعْدَ بُلُوغِهِ الْمَنْسَكَ، فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَقَعُ الْمَوْقِعَ، فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ لَحْمَهَا وَيُفَرِّقُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ. فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ، أَجْزَأَ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ عَنِ الْقَدِيمِ: أَنَّ لِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنِ الذَّابِحِ، وَيُغَرِّمَهُ الْقِيمَةَ بِكَمَالِهَا بِنَاءً عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ، فَهَلْ عَلَى الذَّابِحِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَقْصُودًا، بَلْ خَفَّفَ مُؤْنَةَ الذَّبْحِ. وَأَصَحُّهُمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَهُوَ

ص: 214

الطَّرِيقُ الثَّانِي، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ إِرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ شَدَّ قَوَائِمَ شَاتِهِ لِيَذْبَحَهَا، فَجَاءَ آخَرُ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ إِذَا ذَبَحَهَا وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ، لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا يَسَعُ ذَبْحَهَا فَذَبَحَهَا، فَلَا أَرْشَ، لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ. وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْأَرْشَ، فَهَلْ هُوَ لِلْمُضَحِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَيْنِ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا حَقَّ لِلْمَسَاكِينِ فِي غَيْرِهَا؟ أَمْ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَقْصِهَا وَلَيْسَ لِلْمُضَحِّي إِلَّا الْأَكْلَ؟ أَمْ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الضَّحَايَا؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: الثَّالِثُ. فَعَلَى هَذَا، يَشْتَرِي بِهِ شَاةً. فَإِنْ لَمْ تَتَيَسَّرْ، عَادَ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ جُزْءَ ضَحِيَّةٍ أَوْ لَحْمٍ، أَوْ يُفَرِّقُ نَفْسَهُ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا ذَبَحَ الْأَجْنَبِيُّ وَاللَّحْمُ بَاقٍ، فَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ فَرَّقَهُ

[فِي] مَصَارِفِ الضَّحِيَّةِ، وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ، فَهُوَ كَالْإِتْلَافِ بِغَيْرِ ذَبْحٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَصْرُوفِ إِلَيْهِ، إِلَى الْمُضَحِّي، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْمَالِكُ يَشْتَرِي بِمَا يَأْخُذُهُ أُضْحِيَّةً. وَفِي وَجْهٍ: تَقَعُ التَّفْرِقَةُ عَنِ الْمَالِكِ، كَالذَّبْحِ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ.

وَفِي الضَّمَانِ الْوَاجِبِ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ، وَاخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِلَا ذَبْحٍ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ اللَّحْمِ

[لِأَنَّهُ فَرَّقَ اللَّحْمَ مُتَعَدِّيًا. وَقِيلَ: يَغْرَمُ أَرْشَ الذَّبْحِ وَقِيمَةَ اللَّحْمِ] وَقَدْ يَزِيدُ الْأَرْشُ مَعَ قِيمَةِ اللَّحْمِ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، وَقَدْ يَنْقُصُ، وَقَدْ يَتَسَاوَيَانِ. وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْخِلَافِ بِصُورَةِ الضَّحِيَّةِ، بَلْ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَنْ ذَبَحَ شَاةَ إِنْسَانٍ ثُمَّ أَتْلَفَ لَحْمَهَا. هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي ذَبَحَهَا الْأَجْنَبِيُّ تَقَعُ ضَحِيَّةً. فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَقَعُ، فَلَيْسَ عَلَى الذَّابِحِ إِلَّا أَرْشُ النَّقْصِ. وَفِي حُكْمِ اللَّحْمِ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِجِهَةِ الْأُضْحِيَّةِ. وَالثَّانِي: يَكُونُ مَلِكًا لَهُ. وَلَوِ الْتَزَمَ ضَحِيَّةً أَوْ هَدْيًا بِالنَّذْرِ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوْ فِي الْحَرَمِ، فَالْقَوْلُ فِي وُقُوعِهَا عَنْ صَاحِبِهَا وَفِي أَخْذِهِ اللَّحْمَ وَتَصَدُّقِهِ بِهِ، وَفِي غَرَامَةِ الذَّابِحِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي الِابْتِدَاءِ. فَإِنْ كَانَ اللَّحْمُ تَالِفًا، قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُ: يَأْخُذُ الْقِيمَةَ

ص: 215

وَيَمْلِكُهَا، وَيَبْقَى الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَنَا فِي صُورَةِ الْإِتْلَافِ: يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْأَوَّلِ، يُرِيدُ بِهِ: أَنْ يَشْتَرِيَ بِقَدْرِهَا، فَإِنَّ نَفْسَ الْمَأْخُوذِ مِلْكُهُ، فَلَهُ إِمْسَاكُهُ.

النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ: فِي عَيْبِهَا. وَفِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَحَدَثَ بِهَا قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ عَيْبٌ يُمْنَعُ ابْتِدَاءُ التَّضْحِيَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِهِ كَتَلَفِهَا. وَلَا تَنْفَكُّ هِيَ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ، بَلْ تُجْزِئُهُ عَنِ التَّضْحِيَةِ، وَيَذْبَحُهَا فِي وَقْتِهَا. وَفِي وَجْهٍ: لَا تُجْزِئُهُ، بَلْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِسَلِيمَةٍ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. فَعَلَى الصَّحِيحِ: لَوْ خَالَفَ فَذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا ضَحِيَّةً أُخْرَى، لِأَنَّهَا بَدَلُ حَيَوَانٍ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ ابْتِدَاءً. وَلَوْ تَعَيَّبَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، ذَبَحَهَا وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، ذَبَحَهَا وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَعَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَلِهَا، وَتَقْصِيرُهُ بِالتَّأْخِيرِ كَالتَّعْيِيبِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ لَزِمَ ذِمَّتَهُ ضَحِيَّةٌ بِنَذْرٍ، أَوْ هَدْيٍ عَنْ قِرَانٍ، أَوْ تَمَتُّعٍ، أَوْ نَذْرٍ، فَعَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَحَدَثَ بِهَا عَيْبٌ قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، أَوْ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ، جَرَى الْخِلَافُ السَّابِقُ، فِي أَنَّهَا هَلْ تَتَعَيَّنُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَلَا أَثَرَ لِتَعْيِينِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: تَتَعَيَّنُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهَلْ عَلَيْهِ ذَبْحُ سَلِيمَةٍ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ سَلِيمٌ، فَلَا يَتَأَدَّى بِمَعِيبٍ. وَهَلْ تَنْفَكُّ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالتَّعْيِينِ. وَأَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: لَا تَلْزَمُهُ، بَلْ لَهُ تَمَلُّكُهَا وَبَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ التَّصَدُّقَ بِهَا ابْتِدَاءً، إِنَّمَا عَيَّنَهَا لِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى بِهَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. وَيَقْرُبُ الْوَجْهَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ عَيَّنَ أَفْضَلَ مِمَّا عَلَيْهِ ثُمَّ تَعَيَّبَ، هَلْ يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَلِ؟ فَفِي وَجْهٌ: يَلْزَمُ، لِالْتِزَامِهِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِالتَّعْيِينِ. وَالْأَصَحُّ: لَا يَلْزَمُ، كَمَا لَوِ الْتَزَمَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً، فَهَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ.

ص: 216

الثَّالِثَةُ: إِذَا تَعَيَّبَ الْهَدْيُ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ ذَبْحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ مَوْضِعَ الذَّبْحِ، صَارَ كَالْحَاصِلِ فِي يَدِ الْمَسَاكِينِ، وَيَكُونُ كَمَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى الْإِمَامِ، فَتَلَفَتْ فِي يَدِهِ، فَإِنْهُ يَقَعُ زَكَاةً. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ مَا لَمْ يُذْبَحْ. وَقَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، فَالْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ وَهَلْ يَتَمَلَّكُ الْمُعَيَّنَ، أَمْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَكْفِيهِ ذَبْحُ الْمَعِيبِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ. وَيَقْرُبُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ شَدَّ قَوَائِمَ الشَّاةِ لِلتَّضْحِيَةِ، فَاضْطَرَبَتْ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا. وَرَأَى الْإِمَامُ تَخْصِيصَهُمَا بِمَنْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ إِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا.

قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» : لَوْ مَاتَ، أَوْ سُرِقَ بَعْدَ وُصُولِهِ الْحَرَمَ، أَجْزَأَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ لِمَعِيبَةٍ بِعَوَرٍ وَنَحْوِهِ: جَعَلْتُ هَذِهِ ضَحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا ابْتِدَاءً، وَجَبَ ذَبْحُهَا، لِالْتِزَامِهِ، كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ مَعِيبًا، يُعْتَقُ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَيَكُونُ ذَبْحُهَا قُرْبَةً، وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهَا صَدَقَةً وَلَا تُجْزِئُ عَنِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا. وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَتَجْرِي مَجْرَى الضَّحَايَا فِي الْمَصْرِفِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أُضْحِيَّةً، بَلْ شَاةَ لَحْمٍ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا بَاسِمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا مَحْمَلَ لِكَلَامِهِ إِلَّا هَذَا. فَعَلَى هَذَا، لَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، تَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَا يَشْتَرِي أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَلَوْ أَشَارَ إِلَى ظَبْيَةٍ وَقَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ ضَحِيَّةً، فَهُوَ لَاغٍ.

وَلَوْ أَشَارَ إِلَى فَصِيلٍ أَوْ سَخْلَةٍ وَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، فَهَلْ هُوَ كَالظَّبْيَةِ، أَمْ كَالْمَعِيبِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَإِذَا أَوْجَبَهُ مَعِيبًا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ،

ص: 217

فَهَلْ يُجْزِئُ ذَبْحُهُ عَنِ الْأُضْحِيَّةِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَهُوَ نَاقِصٌ، فَلَا يُؤْثِرُ الْكَمَالَ بَعْدَهُ، كَمَنْ أَعْتَقَ أَعْمَى عَنْ كَفَّارَتِهِ، ثُمَّ عَادَ بَصَرُهُ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ، لِكَمَالِهِ وَقْتَ الذَّبْحِ، وَحَكَى هَذَا قَوْلًا قَدِيمًا.

الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ أُضْحِيَّةٌ، أَوْ هَدْيٌ، بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَعَيَّنَ مُعَيَّنَةً عَمَّا عَلَيْهِ، لَمْ تَتَعَيَّنْ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَبْحِهَا. وَهَلْ يَلْزَمُهُ بِالتَّعْيِينِ ذَبْحُ الْمُعَيَّنَةِ؟ نُظِرَ، إِنْ قَالَ: عَيَّنْتُ هَذِهِ عَمَّا فِي ذِمَّتِي، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ عَمَّا فِي ذِمَّتِي، أَوْ أُهْدِيَ هَذِهِ، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبَحُهَا عَنِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِي، لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْتِزَامِهِ ابْتِدَاءً ذَبْحَ مَعِيبَةٍ، وَيَكُونُ كَإِعْتَاقِهِ الْأَعْمَى عَنِ الْكَفَّارَةِ، يُنَفَّذُ وَلَا يُجْزِئُ. فَعَلَى هَذَا، هَلْ يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِوَقْتِ التَّضْحِيَةِ إِنْ كَانَتْ ضَحِيَّةً؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ. وَلَوْ زَالَ عَيْبُ الْمُعَيَّنَةِ الْمَعِيبَةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا، فَهَلْ تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ.

السَّادِسَةُ: هَذَا الَّذِي سَبَقَ، كُلُّهُ فِيمَا إِذَا تَعَيَّبَتْ لَا بِفِعْلِهِ. فَلَوْ تَعَيَّبَتِ الْمُعَيَّنَةُ ابْتِدَاءً، أَوْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِفِعْلِهِ، لَزِمَهُ ذَبْحُ صَحِيحَةٍ. وَفِي انْفِكَاكِ الْمَعِيبَةِ عَنْ حُكْمِ الِالْتِزَامِ، الْخِلَافُ السَّابِقُ.

السَّابِعَةُ: لَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الْمَنْذُورَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوِ الْهَدْيَ الْمَنْذُورَ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهُ حَتَّى فَسَدَ، لَزِمَهُ قِيمَةُ اللَّحْمِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ إِرَاقَةُ الدَّمِ. وَكَذَا لَوْ غَصَبَ اللَّحْمَ غَاصِبٌ وَتَلِفَ عِنْدَهُ، أَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ، يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا.

الثَّامِنَةُ: لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِمَعِيبَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ عَرْجَاءَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ: يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ صَحِيحَةٌ. وَالثَّالِثُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي لُزُومِ ذَبْحِهَا، وَالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهَا، وَفِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الضَّحَايَا وَفِي أَنَّ

ص: 218

مَصْرِفَهَا، هَلْ هُوَ مَصْرِفُ الضَّحَايَا، عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَنْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الْمَعِيبَةَ ضَحِيَّةً. وَلَوِ الْتَزَمَ التَّضْحِيَةَ بِظَبْيَةٍ، أَوْ فَصِيلٍ، فَفِيهِ التَّرْتِيبُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُعَيَّنَةِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِظَبْيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ خِلَافٌ فِي قَوْلِهِ: جَعَلْتُ هَذِهِ الظَّبْيَةَ ضَحِيَّةً.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: فِي ضَلَالِهَا، وَفِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: إِذَا ضَلَّ هَدْيَهُ، أَوْ ضَحِيَّتَهُ الْمُتَطَوِّعُ بِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.

قُلْتُ: لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا إِذَا وَجَدَهَا، وَالتَّصَدُّقُ بِهَا. مِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ. فَإِنْ ذَبَحَهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، كَانَتْ شَاةُ لَحْمٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِيَةُ: الْهَدْيُ الْمُلْتَزَمُ مُعَيَّنًا، يَتَعَيَّنُ ابْتِدَاءً، إِذَا ضَلَّ بِغَيْرِ تَقْصِيرِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ، ذَبَحَهُ. وَالْأُضْحِيَّةُ، إِنْ وَجَدَهَا فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، ذَبَحَهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَلَهُ ذَبْحُهَا قَضَاءً، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إِلَى قَابِلٍ. وَإِذَا ذَبَحَهَا، صَرَفَ لَحْمَهَا مَصَارِفَ الضَّحَايَا. وَفِي وَجْهٍ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَصْرِفُهُ إِلَى الْمَسَاكِينِ فَقَطْ، وَلَا يَأْكُلُ، وَلَا يَدَّخِرُ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.

الثَّالِثَةُ: مَهْمَا كَانَ الضَّلَالُ بِغَيْرِ تَقْصِيرِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ فِيهِ مُؤْنَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، لَزِمَهُ. وَإِنْ كَانَ بِتَقْصِيرِهِ، لَزِمَهُ الطَّلَبُ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ. فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَزِمَهُ ذَبْحُ بَدَلِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَتَأْخِيرُ الذَّبْحِ إِلَى مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا عُذْرٍ، تَقْصِيرٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَإِنْ مَضَى بَعْضُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ ضَلَّتْ، فَهَلْ هُوَ تَقْصِيرٌ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الَأَرْجَحُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ، كَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوَسَّعِ، لَا يَأْثَمُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا عَيَّنَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فُضِّلَتِ الْمُعَيَّنَةُ، قَالَ الْإِمَامُ:

ص: 219

هُوَ كَمَا لَوْ تَلَفَتْ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ. وَفِي وُجُوبِ الْبَدَلِ، وَجْهَانِ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ حَالَ هَذَا الْخِلَافِ، وَمَا فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْبَدَلِ مِنَ التَّوَسُّعِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَلْزَمُ إِخْرَاجُ الْبَدَلِ الْمُلْتَزَمِ. فَإِنْ ذَبَحَ وَاحِدَةً عَمَّا عَلَيْهِ، ثُمَّ وَجَدَ الضَّالَّةَ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذَبْحُهَا؟ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا فِي «التَّهْذِيبِ» : لَا يَلْزَمُهُ، بَلْ يَتَمَلَّكُهَا كَمَا سَبَقَ فِيمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ، وَقُطِعَ بِهِ فِي «الشَّامِلِ» ، لِإِزَالَةِ مِلْكِهِ بِالتَّعْيِينِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ صِفَةِ الْإِجْزَاءِ، بِخِلَافِ الْمَعِيبَةِ. فَلَوْ عَيَّنَ عَنِ الضَّالَّةِ وَاحِدَةً، ثُمَّ وَجَدَهَا قَبْلَ ذَبْحِ الْبَدَلِ، فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُمَا مَعًا. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْبَدَلِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: ذَبْحُ الْأَوَّلِ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ: يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الثَّالِثُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَوْ عَيَّنَ شَاةً عَنْ أُضْحِيَّةٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقُلْنَا: تَتَعَيَّنُ، فَضَحَّى بِأُخْرَى عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: يَخْرُجُ عَلَى أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ لَوْ تَلِفَتْ، هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ عَمَّا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً، ثُمَّ ذَبَحَ بَدَلَهَا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَفِي وُقُوعِ الثَّانِيَةِ عَمَّا عَلَيْهِ تَرَدُّدٌ. فَإِنْ قُلْنَا: تَقَعُ عَنْهُ، فَهَلْ تَنْفَكُّ الْأُولَى عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.

فَرْعٌ

لَوْ عَيَّنَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عَبْدًا عَنْهَا، فَفِي تَعْيِينِهِ خِلَافٌ، وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالتَّعْيِينِ.

ص: 220

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: التَّعْيِينُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ تَعَيَّبَ الْمُعَيَّنُ، لَزِمَهُ إِعْتَاقُ سَلِيمٍ. وَلَوْ مَاتَ الْمُعَيَّنُ، بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِالْكَفَّارَةِ. وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَجْزَأَ عَنْ كَفَّارَتِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِعْتَاقِ الْمُعَيَّنِ، فَالظَّاهِرُ: بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ، أَيْ: مِنَ الْوَجْهَيْنِ.

النَّوْعُ الرَّابِعُ: فِي الْأَكْلِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَفِيهِ فَصْلَانِ.

الْأَوَّلُ: فِي الْأَكْلِ مِنَ الْوَاجِبِ، فَكُلُّ هَدْيٍ وَجَبَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ، كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ. فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ، غَرِمَ، وَلَا تَجِبُ إِرَاقَةُ الدَّمِ ثَانِيًا. وَفِيمَا يَغْرَمُهُ، أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ: يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ اللَّحْمِ. وَالثَّالِثُ: يَلْزَمُهُ شِرَاءُ شِقْصٍ مِنْ حَيَوَانٍ مِثْلِهِ، وَيُشَارِكُ فِي ذَبْحِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ بَطَلَ حُكْمُ إِرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَ الْجَمِيعَ، فَإِنْهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ.

وَأَمَّا الْمُلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ مِنَ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا، فَإِنْ عَيَّنَ بِالنَّذْرِ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دَمٍ حَلَقَ وَتَطَيَّبَ أَوْ غَيْرَهُمَا شَاةً، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِغَيْرِ نَذْرٍ، وَكَالزَّكَاةِ. وَإِنْ نَذَرَ نَذْرَ مُجَازَاةٍ، كَتَعْلِيقِهِ الْتِزَامَ الْهَدْيِ، أَوِ الْأُضْحِيَّةِ بِشِفَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَجُزِ الْأَكْلُ أَيْضًا، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَزِمِ مُعَيَّنًا، أَوْ مُرْسَلًا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ يَذْبَحُ عَنْهُ. فَإِنْ أَطْلَقَ الِالْتِزَامَ، فَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ، وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ، فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ مُعَيَّنًا، بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ، أَوْ أُهْدِيَ هَذِهِ، فَفِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهَا قَوْلَانِ وَوَجْهٌ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ دُونَ الْهَدْيِ، حَمْلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، مَا إِذَا قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ الْتِزَامٍ. أَمَّا إِذَا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزِ الْأَكْلَ فِي الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ، أَوْ وَجْهَانِ.

ص: 221

هَكَذَا فَصَّلَ حُكْمَ الْأَكْلِ فِي الْمُلْتَزِمِ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُعْتَبِرِينَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمُلْتَزِمِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرْسَلِ، وَبِالْمَنْعِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ. قَالَ الْمُحَامِلِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْجَوَازُ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ، وَالْإِمَامِ. قَالَ فِي «الْعُدَّةِ» : وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُرَجَّحُ فِي الْمُعَيَّنِ: الْجَوَازُ، وَفِي الْمُرْسَلِ: الْمَنْعُ، سَوَاءً عَيَّنَهُ عَنْهُ ثُمَّ ذَبَحَ، أَوْ ذَبَحَ بِلَا تَعْيِينٍ؛ لِأَنَّهُ عَنْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَأَشْبَهَ الْجُبْرَانَاتِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» ، وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْأَكْلَ فِي الْمَنْذُورِ فَأَكَلَ، فَفِيمَا يَغْرَمُهُ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي الْجُبْرَانَاتِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا، فَفِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُهُ الْقَوْلَانِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ. هَكَذَا قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَلَكَ أَنْ تَقُولَ ذَاكَ الْخِلَافَ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ أَكْلُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ، وَأَقَلُّ مَا فِي تَرْكِهِ: الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلَافِ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْأَكْلِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِمَا. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مِنْهُمَا شَيْئًا، بَلْ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ شَيْئًا مِنْهُمَا أُجْرَةً لَهُ، بَلْ مُؤْنَةُ الذَّبْحِ عَلَى الْمُضَحِّي وَالْمَهْدِيِّ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُمَا شَيْئًا لِفَقْرِهِ، أَوْ يُطْعِمَهُ إِنْ كَانَ غَنِيًّا. وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمَا، وَإِنْ جَازَ إِطْعَامُهُمْ. وَيَجُوزُ تَمْلِيكُ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمَا، لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. بَلْ لَوْ أَصْلَحَ الطَّعَامَ وَدَعَا إِلَيْهِ الْفُقَرَاءَ، قَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي يَنْقَدِحُ عِنْدِي إِذَا أَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْفُقَرَاءَ لِيَأْكُلُوهُ مَطْبُوخًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ فَإِنْ دُفِعَ مَطْبُوخًا، لَمْ يَجُزْ، بَلْ يُفَرِّقُهُ نَيِّئًا، فَإِنَّ الْمَطْبُوخَ، كَالْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ. وَهَلْ يَشْتَرِطُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا، أَمْ يَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ الْقَاصِّ، وَالِاصْطَخْرِيُّ، وَابْنُ الْوَكِيلِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّهِ. قَالُوا: وَيَحْصُلُ

ص: 222

الثَّوَابُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَأَصَحُّهُمَا: يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِقَدْرٍ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ أَكَلَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ ضَمَانُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَفِي قَوْلٍ، أَوْ وَجْهٍ: يَضْمَنُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي التَّصَدُّقِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِيهِ قَوْلَانِ، هَلْ هُوَ النِّصْفُ، أَمِ الثُلُثُ؟ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ بِأَكْلِهِ الْكُلَّ، عَدَلَ عَنْ حُكْمِ الضَّحِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهَا. وَيُنْسَبُ هَذَا إِلَى أَبِي إِسْحَاقٍ، وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَلَى هَذَا، يَذْبَحُ الْبَدَلَ فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ. فَإِنْ أَخَّرَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ. وَفِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنَ الْبَدَلِ وَجْهَانِ. وَهَذَا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ عَنِ ابْنِ كَجٍّ، وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ، شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَالْمَعْرُوفُ، مَا سَبَقَ مِنَ الْخِلَافِ. ثُمَّ مَا يَضْمَنُهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَرَقًا. وَهَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إِلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ، أَمْ يَكْفِي صَرْفُهُ إِلَى اللَّحْمِ وَتَفْرِقَتِهِ؟ وَجْهَانِ: وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِيقُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ لَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ.

فَرْعٌ

الْأَفْضَلُ وَالْأَحْسَنُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَأُضْحِيَّتِهِ، التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ إِلَّا لُقْمَةً، أَوْ لُقَمًا يُتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا، فَإِنْهَا مَسْنُونَةٌ. وَحَكَى فِي «الْحَاوِي» عَنْ أَبِي الطِّيبِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ، بَلْ يَجِبُ أَكْلُ شَيْءٍ. وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ: يَأْكُلُ النِّصْفَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْيِينِ عَنِ الْجَدِيدِ. فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ: أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُلُثَيْنِ. وَنَقَلَ آخَرُونَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُلُثَ، وَيَهْدِي إِلَى الْأَغْنِيَاءِ الثُلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُلُثِ. وَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالثُلُثَيْنِ كَانَ أَحَبَّ. وَيُشْبِهُ أَنْ

ص: 223

لَا يَكُونَ اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ، ذَكَرَ الْأَفْضَلَ، أَوْ تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً. وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا تُغْنِي عَنِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ إِذَا أَوْجَبْنَاهُ، وَأَنَّهَا لَا تُحْسَبُ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَيَجُوزُ صَرْفُ الْقَدْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.

فَرْعٌ

يَجُوزُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَكَانَ ادِّخَارُهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَذِنَ فِيهِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: كَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: يَحْتَمِلُ التَّنْزِيهَ. وَذَكَرُوا عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهَيْنِ، فِي أَنَّ النَّهْيَ كَانَ عَامًّا، ثُمَّ نُسِخَ، أَمْ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الضِّيقِ الْوَاقِعِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَلَمَّا زَالَتِ انْتَهَى التَّحْرِيمُ؟ وَوَجْهَيْنِ عَلَى الثَّانِي: فِي أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَبِلَادِنَا، هَلْ يُحْكَمُ بِهِ؟ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْيَوْمَ بِحَالٍ. وَإِذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَصِيبِ الْأَكْلِ، لَا مِنْ نَصِيبِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ: يَتَصَدَّقُ بِالثُلُثِ، وَيَأْكُلُ الثُلُثَ، وَيَدَّخِرُ الثُلُثَ، فَبَعِيدٌ مُنْكَرٌ نَقْلًا وَمَعْنًى، فَإِنْهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ، وَالْمَعْرُوفُ الصَّوَابُ: مَا قَدَّمْنَاهُ.

قُلْتُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْمَبْسُوطِ» : أُحِبُّ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ الثُلُثَ، أَنْ يَهْدِيَ الثُلُثَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثُلُثِ، هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالصَّوَابِ، وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الْخَامِسُ: الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ يُخَالِفُهُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

ص: 224

إِحْدَاهَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا جَعْلُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُضَحِّي، أَوْ يَتَّخِذُ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مِنْ خُفٍّ

[أَوْ نَعْلٍ] أَوْ دَلْوٍ، أَوْ فَرْوٍ، أَوْ يُعِيرُهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُؤَجِّرُهُ. وَحَكَى صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» قَوْلًا غَرِيبًا: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ، وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِالْجِلْدِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ يُخَالِفُ الِانْتِفَاعَ بِاللَّحْمِ، فَيَجِبُ التَّشْرِيكُ فِيهِ، كَالِانْتِفَاعِ بِاللَّحْمِ. وَالْمَشْهُورُ: الْأَوَّلُ. وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْبَيْعِ، بَيْنَ بَيْعِهِ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: التَّصَدُّقُ بِالْجِلْدِ لَا يَكْفِي إِذَا أَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْقَرْنِ كَالْجِلْدِ.

الثَّالِثَةُ: لَا يَجُزُّ صُوفَهَا إِنْ كَانَ فِي بَقَائِهِ مَصْلَحَةً، لِدَفْعِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ كَانَ وَقْتُ الذَّبْحِ قَرِيبًا وَلَمْ يَضُرَّ بَقَاؤُهُ، وَإِلَّا فَيَجُزُّهُ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَالْأَفْضَلُ: التَّصَدُّقُ. وَفِي «التَّتِمَّةِ» : أَنَّ صُوفَ الْهَدْيِ يَسْتَصْحِبُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ كَالْوَلَدِ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا وَلَدَتِ الْأُضْحِيَّةُ أَوِ الْهَدْيُ الْمُتَطَوَّعُ بِهِمَا، فَهُوَ مِلْكُهُ كَالْأُمِّ. وَلَوْ وَلَدَتِ الْمُعَيَّنَةُ بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً، تَبِعَهَا الْوَلَدُ، سَوَاءً كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ التَّعْيِينِ، أَمْ حَمَلَتْ بَعْدَهُ. فَإِنْ مَاتَتِ الْأُمُّ، بَقِيَ الْوَلَدُ أُضْحِيَّةً، كَوَلَدِ الْمُدَبِّرَةِ لَا يَرْتَفِعُ تَدْبِيرُهُ بِمَوْتِهَا. وَلَوْ عَيَّنَهَا بِالنَّذْرِ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّ حُكْمَ وَلَدِهَا كَوَلَدِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَتْبَعُهَا، بَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْمُضَحِّي أَوِ الْمَهْدِيِّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْفُقَرَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي هَذِهِ، فَإِنْهَا لَوْ عَابَتْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ. وَفِي وَجْهٍ: يَتْبَعُهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً. فَإِنْ مَاتَتْ، لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْوَلَدِ. وَالصَّحِيحُ: بَقَاؤُهُ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ إِذَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَإِذَا لَمْ يَطِقْ وَلَدُ الْهَدْيِ الْمَشْيَ، يُحْمَلُ عَلَى أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا لِيَبْلُغَ الْحَرَمَ. ثُمَّ إِذَا ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ، فَفِي تَفْرِقَةِ لَحْمِهِمَا أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ ضَحِيَّةٍ، فَيَتَصَدَّقُ مِنْ كُلِّ

ص: 225

وَاحِدٍ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُمَا ضَحِيَّتَانِ. وَالثَّانِي: يَكْفِي التَّصَدُّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا. وَالثَّالِثُ: لَا بُدَّ مِنَ التَّصَدُّقِ مِنْ لَحْمِ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: الْأَوَّلُ: أَصَحُّ وَيَشْتَرِكُ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ فِي جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ الْوَلَدِ. وَلَوْ ذَبَحَهَا، فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُطْرَدَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ، وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ بَعْضُهَا.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ، فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ حُكْمٌ، وَقِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَهُوَ بَعْضٌ كَيَدِهَا، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ: طَرْدُ الْخِلَافِ، وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ بَعْضٌ. وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْخَامِسَةُ: لَبَنُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، لَا يُحْلَبُ إِنْ كَانَ قَدْرَ كِفَايَةِ وَلَدِهَا. فَإِنْ حَلْبَهُ فَنَقَصَ الْوَلَدُ، ضَمِنَ النَّقْصَ. وَإِنْ فَضَلَ عَنْ رِيِّ الْوَلَدِ، حُلِبَ. ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَهُ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَقْلُهُ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ.

وَقَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» : إِنْ لَمْ نُجَوِّزْ أَكْلَ لَحْمِهَا، لَمْ يَشْرَبْهُ، وَيَنْقِلُ لَبَنَ الْهَدْيِ إِلَى مَكَّةَ إِنْ تَيَسَّرَ أَوْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ هُنَاكَ. وَإِنْ جَوَّزْنَا اللَّحْمَ شَرِبَهُ.

السَّادِسَةُ: يَجُوزُ رُكُوبُهُمَا وَإِرْكَابُهُمَا بِالْعَارِيَةِ، وَالْحَمْلُ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ إِجْحَافٍ. فَإِنْ نَقَصَا بِذَلِكَ ضَمِنَ، وَلَا تَجُوزُ إِجَارَتُهُمَا.

السَّابِعَةُ: لَوِ اشْتَرَى شَاةً فَجَعَلَهَا ضَحِيَّةً، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا، لَمْ يَجُزْ رَدُّهَا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهَا، كَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا، لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ. وَفِيمَا يَفْعَلُ بِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ، فَيَنْظُرُ، أَيُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ ضَحِيَّةً أَوْ جُزْءًا، أَمْ لَا؟ وَيَعُودُ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْشِ الْعَيْبِ بَعْدَ إِعْتَاقِ

ص: 226