الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذَّبْحُ، وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَعْلَى الْعُنُقِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِّيءِ. فَلَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، حَلَّ، وَلَكِنْ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ، وَفِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ، الْمَشْهُورُ: لَا يُكْرَهُ.
السَّادِسَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ الْبَعِيرُ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمٍ مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ، وَإِلَّا فَبَارِكًا، وَأَنْ تُضْجَعَ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ، وَتُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدُّ قَوَائِمُهَا الثَّلَاثُ.
السَّابِعَةُ: إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِّيءَ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسِكَ وَلَا يُبَيِّنَ رَأْسَهُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَزِيدَ فِي الْقَطْعِ، وَلَا يُبَادِرَ إِلَى سَلْخِ الْجِلْدِ، وَلَا يَكْسِرَ الْفَقَارَ، وَلَا يَقْطَعَ عُضْوًا، وَلَا يُحَرِّكَ الذَّبِيحَةَ، وَلَا يَنْقِلَهَا إِلَى مَكَانٍ، بَلْ يَتْرُكُ جَمِيعَ ذَلِكَ حَتَّى تُفَارِقَ الرُّوحُ، وَلَا يُمْسِكَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مَانِعًا لَهَا مِنَ الِاضْطِرَابِ. وَالْأَوْلَى أَنْ تُسَاقَ إِلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ، وَتُضْجَعَ بِرِفْقٍ، وَيَعْرِضَ عَلَيْهَا الْمَاءَ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَلَا يَحُدَّ الشَّفْرَةَ قِبَالَتِهَا، وَلَا يَذْبَحَ بَعْضَهَا قِبَالَةَ بَعْضٍ.
الثَّامِنَةُ: يُسْتَحَبُّ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ، تَقَبَّلْ مِنِّي. وَفِي «الْحَاوِي» وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَلَوْ قَالَ: تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَمُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، لَمْ يُكْرَهْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ، كَذَا نَقَلَهُ فِي «الْبَحْرِ» عَنِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي «الْحَاوِي» : يَخْتَارُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا
[ثَلَاثًا] فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَصْلٌ
قَدَّمْنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي التَّضْحِيَةِ، وَأَنَّ الشَّاةَ إِذَا جَعَلَهَا أُضْحِيَّةً، هَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ عَنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ؟ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: لَا يَكْفِيهِ. فَإِنْ
قُلْنَا: يَكْفِيهِ، اسْتُحِبَّ التَّجْدِيدُ. وَمَهْمَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ، فَقَالَ: جَعَلْتُ هَذَا ضَحِيَّةً، أَوْ هَذِهِ ضَحِيَّةً، أَوْ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا، صَارَتْ ضَحِيَّةً مُعَيَّنَةً. وَكَذَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ هَدْيًا، أَوْ هَذَا هَدْيٌ، أَوْ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ
[هَذِهِ]، صَارَ هَدْيًا. وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ: لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ الْمُعَيَّنَيْنِ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْرِيعُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ إِعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، لَا يَزُولُ مِلْكُهُ
[عَنْهُ] مَا لَمْ يَعْتِقْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهَدْيِ، وَالْأُضْحِيَةِ، وَالْمَالُ الْمُعَيَّنُ، يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَسَاكِينِ، وَفِي الْعَبْدِ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَيْهِ، بَلْ يَنْفَكُّ الْمِلْكُ بِالْكُلِّيَّةِ. أَمَّا إِذَا نَوَى جَعْلَ هَذِهِ الشَّاةِ هَدْيًا، أَوْ أُضْحِيَّةً، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ، فَالْمَشْهُورُ الْجَدِيدُ: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: تَصِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْحٍ وَالِاصْطَخْرِيُّ. وَعَلَى هَذَا، فِيمَا يَصِيرُ بِهِ هَدْيًا، أَوْ أُضْحِيَّةً أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَمَا يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِالنِّيَّةِ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ. وَالثَّانِي: بِالنِّيَّةِ وَالتَّقْلِيدِ أَوِ الْإِشْعَارِ، لِتَنْضَمَّ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ إِلَى النِّيَّةِ، قَالَهُ الِاصْطَخْرِيُّ. وَالثَّالِثُ: بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ. وَالرَّابِعُ: بِالنِّيَّةِ وَالسَّوْقِ إِلَى الْمَذْبَحِ. وَلَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ أَوْ أُضْحِيَّةٌ بِالنَّذْرِ، فَقَالَ: عَيَّنْتُ هَذِهِ الشَّاةَ لِنَذْرِي، أَوْ جَعَلْتُهَا عَنْ نَذْرِي، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِي، فَفِي تَعَيُّنِهَا وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ، التَّعَيُّنُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ.
وَحَكَى الْإِمَامُ هَذَا الْخِلَافَ فِي صُوَرٍ رُتِّبَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَلْنُورِدْهَا بِزَوَائِدَ؛ فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: عَلَيَّ التَّضْحِيَةُ بِهَذِهِ الْبَدَنَةِ أَوِ الشَّاةِ، لَزِمَهُ التَّضْحِيَةُ قَطْعًا، وَتَتَعَيَّنُ تِلْكَ الشَّاةُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ، لَزِمَهُ الْعِتْقُ، وَفِي تَعْيِينِ هَذَا الْعَبْدِ، وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْعَبْدُ أَوْلَى بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَقٍّ فِي الْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ. فَلَوْ نَذَرَ إِعْتَاقَ عَبْدٍ، ثُمَّ عَيَّنَ عَبْدًا عَمَّا الْتَزَمَ، فَالْخِلَافُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذَا
الْعَبْدَ عَتِيقًا، لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذَا الْمَالَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ صَدَقَةً، تَعَيَّنَتْ عَلَى الْأَصَحِّ كَشَاةِ الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي، لَا؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ لِتَسَاوِيهَا، بِخِلَافِ الشَّاةِ. وَلَوْ قَالَ: عَيَّنْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَمَّا فِي ذِمَّتِي مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ، لَغَا التَّعْيِينَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابٍ، كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الدَّرَاهِمِ ضَعِيفٌ، وَتَعْيِينُ مَا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ، فَيَجْتَمِعُ سَبَبَا ضَعْفٍ. قَالَ:
وَ [قَدْ] يُقَاسُ بِتَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ، كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَالَ: لَا تَخْلُو الصُّورَةُ عَنِ احْتِمَالٍ.
فَرْعٌ
سَبَقَ بَيَانُ وَقْتِ ضَحِيَّةِ التَّطَوُّعِ، فَلَوْ أَرَادَ التَّطَوُّعَ بِالذَّبْحِ وَتَفْرِيقِ اللَّحْمِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَمْ يَحْصُلْ لَهُ أُضْحِيَّةٌ وَلَا ثَوَابُهَا، لَكِنْ يَحْصُلُ ثَوَابُ صَدَقَةٍ. وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً، فَوَقْتُهَا وَقْتُ الْمُتَطَوِّعِ بِهَا. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ، فَهَلْ تَتَوَّقَتُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ كَدِمَاءِ الْجَبْرَانِ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ضَحِيَّةً فِي الذِّمَّةِ، وَالضَّحِيَّةُ مُؤَقَّتَةٌ، وَهَذَا مُوَافِقٌ، نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي أَوْجَبَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَذْبَحْهَا حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ، فَإِنْهُ يَذْبَحُهَا قَضَاءً. فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَوَقَّتُ، فَالْتَزَمَ بِالنَّذْرِ ضَحِيَّةً، ثُمَّ عَيَّنَ وَاحِدَةً عَنْ نَذْرِهِ، وَقُلْنَا: إِنَّهَا تَتَعَيَّنُ، فَهَلْ تَتَوَقَّتُ التَّضْحِيَةُ بِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا.