المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ النَّذْرِ هُوَ الْتِزَامُ شَيْءٍ، وَفِيهِ فَصْلَانِ. أَحَدُهُمَا: فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٣

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ قَوْلَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مَوَانِعِ إِتْمَامِ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ الضَّحَايَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْعَقِيقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌بَابُ مَا يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ خِيَارِ النَّقِيصَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَصِفَةُ الْقَبْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ بَابِ [

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ [وَتَحَالُفِهِمَا]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ النَّذْرِ هُوَ الْتِزَامُ شَيْءٍ، وَفِيهِ فَصْلَانِ. أَحَدُهُمَا: فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:

‌كِتَابُ النَّذْرِ

هُوَ الْتِزَامُ شَيْءٍ، وَفِيهِ فَصْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: النَّاذِرُ، وَالْمَنْذُورُ، وَالصِّيغَةُ.

الْأَوَّلُ: النَّاذِرُ. وَهُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ، فَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَفِي نَذْرِ السَّكْرَانِ الْخِلَافُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ. وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْكَافِرِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ نَذْرُ الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلَا تَصِحُّ الْمَالِيَّةُ مِنَ السَّفِيهِ. وَأَمَّا الْمُفْلِسُ، فَإِنِ الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَالًا صَحَّ نَذْرُهُ، وَيُؤَدِّيهِ بَعْدَ قَضَاءِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ عَيَّنَ مَالًا بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ، هَلْ يُوقِفُ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ، أَمْ يَكُونُ بَاطِلًا؟ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ فَكَذَا النَّذْرُ. وَإِنْ تَوَقَّفْنَا تَوَقَّفَ النَّذْرُ، قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ. قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ. فَإِنْ نَفَّذْنَا عَتَقَهُ فِي الْحَالِ، أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ إِعْتَاقَ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ.

الرُّكْنُ الثَّانِي: الصِّيغَةُ. فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ إِلَّا بِاللَّفْظِ. وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ: تَصِيرُ الشَّاةُ وَنَحْوُهَا هَدْيًا وَأُضْحِيَةً بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا، أَوْ بِهَا مَعَ التَّقْلِيدِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ. ثُمَّ النَّذْرُ قِسْمَانِ.

أَحَدُهُمَا: نَذْرُ التَّبَرُّرِ، وَهُوَ نَوْعَانِ.

أَحَدُهُمَا: نَذْرُ الْمُجَازَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ، أَوِ انْدِفَاعِ

ص: 293

بَلِيَّةٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ رَزَقَنِي وَلَدًا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ إِعْتَاقٌ، أَوْ صَوْمٌ، أَوْ صَلَاةٌ. فَإِذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ. وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ، وَلَمْ يَقُلْ: فَلِلَّهِ عَلَيَّ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ.

النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَلْتَزِمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ، فَيَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَعْتِقَ، فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَصِحُّ، وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

فَرْعٌ:

لَوْ عَقَّبَ النَّذْرَ بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا هُوَ فِي تَعْقِيبِ الْأَيْمَانِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعُقُودِ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ. وَيُقَالُ فِيهِ: يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: يَمِينُ الْغَلَقِ. وَيُقَالُ: نَذْرُ الْغَلَقِ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ - فَإِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا، أَوْ دَخَلْتُ الدَّارَ، أَوْ إِنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ صَلَاةٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ، ثُمَّ كَلَّمَهُ، أَوْ دَخَلَ، أَوْ لَمْ يَخْرُجْ، فَفِيمَا يَلْزَمُهُ طُرُقٌ. أَشْهَرُهَا: عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَالرُّويَانِيُّ، وإِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ، وَالْمُوَفَّقُ بْنُ طَاهِرٍ، وَغَيْرُهُمْ - وُجُوبُ

ص: 294

الْكَفَّارَةِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ. وَالثَّالِثُ: نَفْيُ التَّخْيِيرِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَالرَّابِعُ: الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَوْلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَنَفْيِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَالْخَامِسُ: الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلُزُومِ الْوَفَاءِ، وَنَفْيِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.

قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْجَمِيعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَ، لَمْ تَسْقُطِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْكَفَّارَةِ تَقَعُ تَطَوُّعًا. وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَخُرِّجَ قَوْلٌ: إِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِمَا خَاصَّةً؛ لِعِظَمِ أَمْرِهِمَا، كَمَا يَلْزَمَانِ بِالشُّرُوعِ.

فَرْعٌ:

إِذَا الْتَزَمَ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ إِعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: وَاجِبُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ أَعْتَقَهُ كَيْفَ كَانَ. وَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُجْزِئُ [فِي الْكَفَّارَةِ] فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ أَوْ يُعْتِقَ غَيْرَهُ، أَوْ يُطْعِمَ، أَوْ يَكْسُوَ. وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُجْزِئُ، وَاخْتَارَ الْإِعْتَاقَ، أَعْتَقَ غَيْرَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَتَخَيَّرُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْوَفَاءَ، أَعْتَقَهُ كَيْفَ كَانَ، وَإِنِ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ، اعْتَبَرَ فِي إِعْتَاقِهِ صِفَاتِ الْإِجْزَاءِ. وَإِنِ الْتَزَمَ إِعْتَاقَ عَبِيدِهِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ أَعْتَقَهُمْ. وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ أَعْتَقَ وَاحِدًا، أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ كَسَا. وَإِنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَعَ الْعِتْقُ إِذَا فَعَلَهُ بِلَا خِلَافٍ.

ص: 295

فَرْعٌ:

لَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَعَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وإِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ. فَأَمَّا إِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ، فَيَلْزَمُهُ قُرْبَةٌ مِنَ الْقُرَبِ، وَالتَّعْيِينُ إِلَيْهِ، وَلْيَكُنْ مَا يُعَيِّنُهُ مِمَّا يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ. وَعَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَالْوَاجِبُ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا. وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِنَذْرٍ وَلَا صِيغَةِ يَمِينٍ، وَلَيْسَتِ الْيَمِينُ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِذَا فَعَلَهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذَا، فَالْوَجْهُ: أَنْ يُجْعَلَ كِنَايَةً وَيَرْجِعَ إِلَى نِيَّتِهِ. وَلَوْ قَالَ: نَذَرْتُ لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، فَهُوَ يَمِينٌ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ. وَلَوْ عَدَّدَ أَجْنَاسَ قُرَبٍ، فَقَالَ: إِنْ دَخَلْتُ فَعَلَيَّ حَجٌّ، وَعِتْقٌ، وَصَدَقَةٌ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ، لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ، لَزِمَهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ احْتِمَالٌ فِي تَعَدُّدِهَا. وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخَلَ الدَّارَ الْيَوْمَ، قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَكِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَوَاللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ حَتَّى إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ، لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ، فَدَخَلَهَا، لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: هُوَ لَغْوٌ.

ص: 296

فَرْعٌ:

لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ:

أَحَدُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أَنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ. وَالثَّالِثُ: يَصِيرُ مَالُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَدَقَةً، كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَةً. وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنَ اللَّفْظِ فِي عُرْفِهِمْ مَعْنَى النَّذْرِ، أَوْ نَوَاهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ أُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِلَّا فَلَغْوٌ. وَأَمَّا إِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا، أَوْ فَعَلْتُ كَذَا، فَمَالِي صَدَقَةٌ، فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، أَوْ بِجَمِيعِ مَالِي. وَطَرِيقُ الْوَفَاءِ: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ. وَإِذَا قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ: يَخْرُجُ هَذَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَالْمُعْتَمَدُ، مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ.

فَرْعٌ:

الصِّيغَةُ قَدْ تَتَرَدَّدُ، فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ، وَتَحْتَمِلُ نَذْرَ اللَّجَاجِ، فَيُرْجَعُ فِيهَا إِلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ، وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ. وَفِي اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنِ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهِ، أَنَّ الْفِعْلَ إِمَّا طَاعَةٌ

ص: 297

وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ، وَإِمَّا مُبَاحٌ. وَالِالْتِزَامُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، تَارَةً يُعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ.

أَمَّا الطَّاعَةُ، فَفِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ، بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ صَلَّيْتُ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ، مَعْنَاهُ: إِنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ، صُمْتُ. فَإِذَا وُفِّقَ لَهَا، لَزِمَهُ الصَّوْمُ. وَيُتَصَوَّرُ اللَّجَاجُ، بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: صَلِّ، فَيَقُولُ: لَا أُصَلِّي، وَإِنْ صَلَّيْتُ فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ، فَإِذَا صَلَّى، فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ وَالطُّرُقُ السَّابِقَةُ. وَأَمَّا فِي طَرَفِ النَّفْيِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ، وَيَدْخُلُهُ اللَّجَاجُ، بِأَنْ يُمْنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَيَقُولُ: إِنْ لَمْ أُصَلِّ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ، فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ.

وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَفِي طَرَفِ النَّفْيِ يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ، بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ أَشْرَبِ الْخَمْرَ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَيَقْصِدُ: إِنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنَ الشُّرْبِ. وَيُتَصَوَّرُ نَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا، وَيَقُولَ: إِنْ لَمْ أَشْرَبْهَا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ. وَفِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا اللَّجَاجُ، بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالشُّرْبِ، فَيَقُولُ: إِنْ شَرِبْتُ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا.

وَأَمَّا الْمُبَاحُ، فَيُتَصَوَّرُ فِي طَرَفَيِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِيهِ النَّوْعَانِ مَعًا. فَالتَّبَرُّرُ فِي الْإِثْبَاتِ: إِنْ أَكَلْتُ كَذَا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ، يُرِيدُ: إِنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِي. وَاللَّجَاجُ، أَنْ يُؤْمَرَ بِأَكْلِهِ فَيَقُولَ: إِنْ أَكَلْتُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. وَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ: إِنْ لَمْ آكُلْ كَذَا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ، يُرِيدُ: إِنْ أَعَانَنِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْتُهُ. وَاللَّجَاجُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ أَكْلِهِ فَيَقُولَ: إِنْ لَمْ آكُلْهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. وَإِنْ قَالَ: إِنْ رَأَيْتُ فُلَانًا، فَعَلَيَّ صَوْمٌ. فَإِنْ أَرَادَ: إِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ رُؤْيَتَهُ، فَهُوَ نَذْرُ تَبَرُّرٍ. وَإِنْ ذَكَرَهُ لِكَرَاهَتِهِ رُؤْيَتَهُ، فَهُوَ لَجَاجٌ. وَفِي الْوَسِيطِ وَجْهٌ فِي مَنْعِ التَّبَرُّرِ فِي الْمُبَاحِ.

ص: 298

فَرْعٌ:

لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ كَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى.

فَرْعٌ:

لَوْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي - قَالَ أَصْحَابُنَا: كَانَتِ الْبَيْعَةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُصَافَحَةِ، فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ، رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الطَّلَاقِ، وَالْإِعْتَاقِ، وَالْحَجِّ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ - فَإِنْ يُرِدِ الْقَائِلُ الْأَيْمَانَ الَّتِي رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَإِنْ أَرَادَهَا نُظِرَ إِنْ قَالَ: فَطَلَاقُهَا وَعِتَاقُهَا لَازِمٌ لِي وَانْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِهِمَا وَلَا حَاجَةَ إِلَى النِّيَّةِ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِمَا، لَكِنْ نَوَاهُمَا، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ. وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

فَرْعٌ:

نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ، فَشَاءَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: هَذَا إِذَا غَلَّبْنَا فِي اللَّجَاجِ مَعْنًى فِي النَّذْرِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ يَمِينٌ، فَهُوَ كَمَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدْخُلُهَا إِنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا أَدْخُلَهَا. فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمَشِيئَةِ، وَإِلَّا فَلَا.

ص: 299

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَنْذُورُ. الْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ: مَعْصِيَةٌ، أَوْ طَاعَةٌ، أَوْ مُبَاحٌ. فَالْمَعْصِيَةُ، كَنَذْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوِ الزِّنَا، أَوِ الْقَتْلِ، أَوِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَدَثِ، أَوِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ، أَوِ الْقِرَاءَةِ حَالَ الْجَنَابَةِ، أَوْ نَذْرِ ذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ الْمَعْصِيَةَ الْمَنْذُورَةَ، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى الرَّبِيعُ قَوْلًا فِي وُجُوبِهَا. وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ نَذْرُ اللَّجَاجِ. قَالُوا: وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ مِنْ كِيسِهِ. وَحَكَى بَعْضُهُمُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ.

قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ، ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِنَّمَا صَحَّ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَأَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: الْوَاجِبَاتُ، فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ، فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهَا، وَذَلِكَ كَنَذْرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَلَا يَزْنِيَ. وَسَوَاءٌ عَلَّقَ ذَلِكَ بِحُصُولِ نِعْمَةٍ، أَوِ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً.

ص: 300

وَإِذَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ، فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ مَا سَبَقَ فِي قِسْمِ الْمَعْصِيَةِ. وَادَّعَى صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» أَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا وُجُوبُهَا.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْمَقْصُودَةُ، وَهِيَ الَّتِي شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا. وَعُلِمَ مِنَ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ إِيقَاعَهَا عِبَادَةً، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالْعِتْقِ، فَهَذِهِ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إِلَى بَذْلِ مَالٍ أَوْ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ، تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ أَيْضًا، كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى. وَيَجِيءُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَذْرِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَجْهُ: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ. وَعَنِ الْقَفَّالِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْجِهَادَ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ مَالٍ، وَلَا كَبِيرُ مَشَقَّةٍ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لُزُومُهَا بِالنَّذْرِ أَيْضًا.

فَرْعٌ:

كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ، يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إِذَا شُرِطَتْ فِي النَّذْرِ، كَمَنَ شَرَطَ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ إِطَالَةَ الْقِيَامِ، أَوِ الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ. أَوْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجَّةِ الْمُلْتَزَمَةِ إِذَا قُلْنَا: الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنَ الرُّكُوبِ، فَلَوْ أُفْرِدَتِ الصِّفَةُ بِالنَّذْرِ، وَالْأَصْلُ وَاجِبٌ شَرْعًا، كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْفَرَائِضِ، أَوْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مَثَلًا سُورَةَ كَذَا، أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ فِي جَمَاعَةٍ، فَالْأَصَحُّ: لُزُومُهَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِئَلَّا تُغَيَّرَ عَمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، كَالْوِتْرِ، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَالظُّهْرِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا، وَبِهِ قُطِعَ فِي الْوَجِيزِ، وَنَقَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَلَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ. وَالثَّانِي، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» : انْعِقَادُهُ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ، فِيمَنْ نَذَرَ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ

ص: 301

فِي السَّفَرِ، إِذَا قُلْنَا: الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ. وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ، أَوِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ، أَوِ التَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ، أَوْ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ عِنْدَ مُقْتَضَيْهِمَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى مَسَاقِ الْوَجْهِ، لَوْ نَذَرَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ وَتَكَلُّفَ الْمَشَقَّةِ، أَوْ نَذَرَ صَوْمًا، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بِالْمَرَضِ، لَمْ يَلْزَمِ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا، وَالْمَرَضَ مُرَخِّصٌ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْقُرُبَاتُ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا. وَقَدْ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُنَالُ الثَّوَابُ فِيهَا، كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَزِيَارَةِ الْقَادِمِينَ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. وَفِي لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ، وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: اللُّزُومُ. وَيَلْزَمُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ بِالنَّذْرِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَوْ نَذَرَ الِاغْتِسَالَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ، وَلْيَبْنِ هَذَا عَلَى أَنَّ تَجْدِيدَ الْغُسْلِ، هَلْ يُسْتَحَبُّ؟ قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالْوُضُوءِ عَنْ حَدَثٍ، بَلْ بِالتَّجْدِيدِ.

قُلْتُ: جَزَمَ أَيْضًا بِانْعِقَادِ نَذْرِ الْوُضُوءِ، الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَفِي «التَّهْذِيبِ» وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يَخْرُجُ عَنِ النَّذْرِ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ، مَعْنَاهُ: بِالتَّجْدِيدِ حَيْثُ يُشْرَعُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا، عَلَى الْأَصَحِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لَزِمَ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَإِذَا تَوَضَّأَ لَهَا عَنْ حَدَثٍ، لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَهَا ثَانِيًا، بَلْ يَكْفِي الْوُضُوءُ الْوَاحِدُ عَنْ وَاجِبَيِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ. قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ التَّيَمُّمَ، لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَهْرُبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ، وَإِلَّا، فَلَا. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ انْكِفَافٌ قَطُّ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَكْرُوهًا، لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي شَوَّالٍ، أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا، لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

ص: 302

وَأَمَا الْمُبَاحُ فَالَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ، كَالْأَكْلِ، وَالنَّوْمِ، وَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهَا أَوْ تَرْكَهَا، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّيَ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عِنْدَ التَّهَجُّدِ، فَيَنَالُ الثَّوَابَ، لَكِنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَالثَّوَابُ يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ. وَهَلْ يَكُونُ نَذْرُ الْمُبَاحِ يَمِينًا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ؟ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي نَذْرِ الْمَعَاصِي وَالْفَرْضِ. وَقَطَعَ الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمُبَاحِ، وَذَكَرَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَجْهَيْنِ، وَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ. وَالصَّوَابُ فِي كَيْفِيَّةِ الْخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ.

فَرْعٌ:

لَوْ نَذَرَ الْجِهَادَ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا، فَفِي تَعْيِينِهَا أَوْجُهٌ.

قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: يَتَعَيَّنُ، لِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: لَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُجَاهِدَ فِي جِهَةٍ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَعْدَلُ، لَا يَتَعَيَّنُ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي يُجَاهِدُ فِيهَا كَالْمُعَيَّنَةِ فِي الْمَسَافَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَتُجْعَلُ مَسَافَاتُ الْجِهَاتِ كَمَسَافَاتِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ.

فَرْعٌ:

يُشْتَرَطُ فِي الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ، كَالصَّدَقَةِ، وَالتَّضْحِيَةِ، وَالْإِعْتَاقِ، أَنْ يَلْتَزِمَهَا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ يُضِيفَ إِلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ. فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَطْعًا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ فِي لُزُومِهَا وَجْهَيْنِ، وَهُوَ شَاذٌّ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَوْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي،

ص: 303

، فَكُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ، أَوْ فَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ إِنْ مَلَكْتُهُ، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ، لَكِنَّهُ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا فِي حَالِ التَّعْلِيقِ، فَلَغَا، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ عَبْدًا أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ، فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَعَبْدِي حُرٌّ إِنْ دَخَلَ الدَّارَ، انْعَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ، وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ، الشِّفَاءِ، وَالدُّخُولِ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأَعْتِقَهُ، انْعَقَدَ.

فَرْعٌ:

قَالَ: فِي «التَّهْذِيبِ» فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ: لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ، لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي النَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ. وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ، لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ، لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، لَزِمَهُ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْقِيَامَ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ.

فَرْعٌ:

سُئِلَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ عَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَكَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا النَّذْرُ، أَمْ لَا؟ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ، هَلْ يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَهَذَا مُبَاحٌ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي، إِلَّا إِذَا نُقِلَ مَذْهَبٌ مُعْتَبَرٌ فِي لُزُومِ ذَلِكَ النَّذْرِ.

ص: 304

فَرْعٌ:

قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يَكْسُوَ يَتِيمًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ بِالْيَتِيمِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ فِي الشَّرْعِ لِلْمُسْلِمِ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، أَوْ جَائِزِهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ إِعْتَاقَ رَقَبَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْفَصْلُ الثَّانِي

فِي أَحْكَامِ النَّذْرِ

إِذَا صَحَّ النَّذْرُ، لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ: مُقْتَضَى أَلْفَاظِ الِالْتِزَامِ. وَالْمُلْتَزَمَاتُ أَنْوَاعٌ.

الْأَوَّلُ: الصَّوْمُ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْتَزَامَهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ، أَوْ أَنْ أَصُومَ، لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ. وَيَجِيءُ فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ إِمْسَاكُ بَعْضِ يَوْمٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَنَّ إِمْسَاكَ بَعْضِ الْيَوْمِ صَوْمٌ، وَسَنَذْكُرُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا، فَذَاكَ. وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الْأَيَّامِ، لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ. وَلَوْ قَالَ: أَصُومُ دَهْرًا أَوْ حِينًا، كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ.

ص: 305

فَرْعٌ:

هَلْ يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، أَمْ تَكْفِي نِيَّتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؟ يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا الْتَزَمَ عِبَادَةً بِالنَّذْرِ وَأَطْلَقَهَا، فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُنَزَّلُ نَذْرُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله.

أَحَدُهُمَا: يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ، فَجُعِلَ كَوَاجِبٍ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً. وَالثَّانِي: يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: عَلَى أَقَلِّ جَائِزِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النَّاذِرِ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ. وَهَذَا الثَّانِي، أَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيِّ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، فَقَدْ صَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، والرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَوْجَبْنَا التَّبْيِيتَ، وَإِلَّا، جَوَّزْنَاهُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، هَذَا إِذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الصَّوْمِ. فَأَمَّا إِذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، فَصِحَّتُهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ مَعَ التَّنْزِيلِ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ، تَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ إِذَا نَوَاهُ نَهَارًا، هَلْ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، أَمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِهِ.

وَالْأَصَحُّ: الثَّانِي. فَإِنْ قُلْنَا بِهِ، صَحَّ صَوْمُ النَّاذِرِ بِنِيَّةِ النَّهَارِ، وَإِلَّا، وَجَبَ التَّبْيِيتُ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَنْزِيلِ النَّذْرِ، مَسَائِلُ:

مِنْهَا: لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ، إِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي، فَرَكْعَةٌ، وَإِلَّا، فَرَكْعَتَانِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ.

وَمِنْهَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَيْهِمَا. فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، جَازَ الْقُعُودُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَذْرِ رَكْعَةٍ، أَجْزَأَتْهُ قَطْعًا. فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا، فَهُوَ أَفْضَلُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا، لَزِمَهُ الْقِيَامُ قَطْعًا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ بِتَشَهُّدَيْنِ، قَطَعَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» بِجَوَازِهِ. وَفِي التَّتِمَّةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى

ص: 306

الْأَصْلِ السَّابِقِ: إِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ، لَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا، وَإِلَّا، أَجْزَأَهُ. وَإِنْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ، أَمَرْنَاهُ بِتَشَهُّدَيْنِ. فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ، سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ. وَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى الْجَائِزِ. تَخَيَّرَ، إِنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدٍ، وَإِنْ شَاءَ بِتَشَهُّدَيْنِ. وَيَجُوزُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَجُوزُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عَلَيْهِ، وُقُوعُ الصَّلَاةِ مَثْنَى، وَزِيَادَةُ فَضْلِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ، لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ. وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَلَهُ فِعْلُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَعَلَى أَيِّهِمَا يَحْصُلُ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ، فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ، بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدَانَقٍ وَدُونَهُ مِمَّا يُتَمَوَّلُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، بَلْ تَكُونُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الْخُلْطَةِ.

وَمِنْهَا: إِذَا نَذَرَ إِعْتَاقَ رَقَبَةٍ، فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ، لَزِمَهُ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ، وَإِلَّا، أَجْزَأَهُ كَافِرَةٌ مَعِيبَةٌ. قَالَ الدَّارَكِيُّ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: الثَّانِي. مِنْهُمُ الْمَحَامِلِيُّ، وَصَاحِبَا «التَّنْبِيهِ» وَ «الْمُسْتَظْهَرِيُّ» ، وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَلَوْ قَيَّدَ، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ، لَمْ تُجْزِئْهُ الْكَافِرَةُ وَلَا الْمَعِيبَةُ قَطْعًا. وَلَوْ قَالَ: كَافِرَةٍ، أَوْ مَعِيبَةٍ، أَجْزَأَتْهُ قَطْعًا. وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمَةً، أَوْ سَلِيمَةً، فَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ، وَذِكْرُ الْكُفْرِ وَالْعَيْبِ، لَيْسَ لِلتَّقَرُّبِ، بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاقِصِ، فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ، يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذَا الْكَافِرَ، أَوِ الْمَعِيبَ، لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهُ،

ص: 307