الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْحَلْقُ، وَإِمَّا الْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَإِمَّا الرَّمْيُ وَالطَّوَافُ، وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّالِثِ. وَلَا بُدَّ مِنَ السَّعْيِ مَعَ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا، هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَفِي وَجْهٍ لِلْإِصْطَخْرِيِّ: دُخُولُ وَقْتِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ. وَوَجْهٌ لِلدَّارَكِيِّ: أَنَّا إِنْ جَعَلْنَا الْحَلْقَ نُسُكًا، حَصَلَ التَّحَلُّلَانِ جَمِيعًا بِالْحَلْقِ مَعَ الطَّوَافِ، أَوْ بِالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ، وَلَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ إِلَّا أَحَدُهُمَا. وَوَجْهٌ: أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِالرَّمْيِ فَقَطْ، أَوِ الطَّوَافِ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ. وَلَوْ فَاتَهُ الرَّمْيُ، فَهَلْ يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: نَعَمْ. وَالثَّالِثُ: إِنِ افْتَدَى بِالدَّمِ تَوَقَّفَ. وَإِنِ افْتَدَى بِالصَّوْمِ، فَلَا لِطُولِ زَمَنِهِ.
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَتَحَلُّلُهَا بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَيُضَمُّ إِلَيْهِمَا الْحَلْقُ إِنْ قُلْنَا: نُسُكٌ. وَيَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ: اللَّبْسُ، وَالْقَلْمُ، وَسَتْرُ الرَّأْسِ، وَالْحَلْقُ إِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ نُسُكًا. وَلَا يَحِلُّ الْجِمَاعُ إِلَّا بِالتَّحَلُّلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ. وَالْمُسْتَحَبُّ: أَنْ لَا يَطَأَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَفِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا سِوَى الْفَرَجِ، كَالْقُبْلَةِ، وَالْمُلَامَسَةِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالتَّحَلُّلَيْنِ، وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ صَاحِبِ «الْمُهَذِّبِ» وَطَائِفَةٌ: يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ، وَيَحِلُّ الصَّيْدُ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْأَظْهَرِ بِاتِّفَاقِهِمْ. وَالْمَذْهَبُ: حِلُّ الطِّيبِ بِالْأَوَّلِ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ.
فَصْلٌ
مَبِيتُ أَرْبَعِ لَيَالٍ، نُسُكٌ فِي الْحَجِّ: لَيْلَةُ النَّحْرِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلَيَالِي التَّشْرِيقِ بِمِنًى. لَكِنَّ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ إِنَّمَا تَكُونُ نُسُكًا لِمَنْ لَمْ يَنْفِرِ النَّفْرَ الْأَوَّلَ. وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْمَبِيتِ، قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ، وَصَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» . أَظْهَرُهُمَا: مُعْظَمُ اللَّيْلِ. وَالثَّانِي: الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ حَاضِرًا حَالَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْأُمِّ» وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي مَبِيتِ الْمُزْدَلِفَةِ سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ هَذَا الْمَبِيتُ مَجْبُورٌ بِالدَّمِ. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَمْ مُسْتَحَبٌّ؟ أَمَّا لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ فَسَبَقَ حُكْمُهُ. وَأَمَّا الْبَاقِي، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الِاسْتِحْبَابُ. وَالثَّانِي: الْإِيجَابُ. وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: الْإِيجَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ إِنْ تَرَكَ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ وَحْدَهَا، أَرَاقَ دَمًا. وَإِنْ تَرَكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحَكَى صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» قَوْلًا: أَنَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ دَمًا، وَهُوَ شَاذٌّ. وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَةً، فَأَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا: تُجْبَرُ بِمُدٍّ.
وَالثَّانِي: بِدِرْهَمٍ. وَالثَّالِثُ: بِثُلُثِ دَمٍ. وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. وَإِنْ تَرَكَ اللَّيَالِيَ الْأَرْبَعَ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: دَمَانِ، دَمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وَدَمٌ لِلْبَاقِي. وَالثَّانِي: دَمٌ لِلْجَمِيعِ. هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِمِنًى وَقْتَ الْغُرُوبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَبِتْ، وَأَفْرَدْنَا الْمُزْدَلِفَةَ بِدَمٍ، فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا لَيْلَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مُدَّانِ، أَوْ دِرْهَمَانِ، أَوْ ثُلُثَا دَمٍ. وَالثَّانِي: دَمٌ كَامِلٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَهَذَا أَصَحُّ، وَهُوَ جَارٍ فِيمَا لَوْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ. هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ.
أَمَّا مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَهُمْ أَصْنَافٌ، مِنْهُمْ رِعَاءُ الْإِبِلِ، وَأَهْلُ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، فَلَهُمْ إِذَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَنْفِرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ، وَلِلصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمٍ، وَيَقْضُوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ قَبْلَ رَمْيِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ. فَإِنْ تَرَكُوا رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّانِي، بِأَنْ نَفَرُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الرَّمْيِ، عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَإِنْ تَرَكُوا رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، بِأَنْ نَفَرُوا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ، عَادُوا فِي الثَّانِي. ثُمَّ