الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ
إِحْدَاهَا: إِذَا نَذَرَ الصَّوْمَ فِي بَلَدٍ، لَمْ يَتَعَيَّنْ، بَلْ لَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ، سَوَاءٌ عَيَّنَ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: إِذَا عَيَّنَ الْحَرَمَ، اخْتُصَّ بِهِ.
الثَّانِيَةُ: سَتْرُ الْكَعْبَةِ وَتَطْيِيبُهَا مِنَ الْقُرُبَاتِ، سَوَاءٌ سَتَرَهَا بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ نَذَرَ سَتْرَهَا وَتَطْيِيبَهَا، صَحَّ نَذْرُهُ. وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَجْعَلَ مَا يُهْدِيهِ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ وَطِيبِهَا، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ: يَنْقُلُهُ إِلَيْهَا وَيُسَلِّمُهُ إِلَى الْقَيِّمِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَصَّ فِي نَذْرِهِ أَنَّهُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَلَوْ نَذَرَ تَطْيِيبَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوِ الْأَقْصَى، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْمَسَاجِدِ، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ. وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى تَخْصِيصِهِ بِالْكَعْبَةِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
الثَّالِثَةُ: نَقَلَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي، هَلْ يَصِحُّ نَذْرُهُ؟ وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ عَنْ وَلَدِي، هَلْ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ عَنْ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عَنِ الْأَوْلَادِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ؟ وَوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ ابْنِيَ، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَشَاةٌ مَكَانَهُ، هَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ؟ وَوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا نَذَرَ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَصُومَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شَرْعِنَا وَصَوْمَهُ؟
قُلْتُ: الْأَصَحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: الصِّحَّةُ. وَفِي الْبَاقِي: الْبُطْلَانُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً
لِنَذْرِهِ، فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ صَارَتْ مَعِيبَةً، لَا تُجْزِئُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً، وَذَهَبَ بِهَا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ تَعَيَّبَتْ، أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ، وَبِالْوُصُولِ إِلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ، وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالذَّبْحِ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَأَتَصَدَّقَ بِهِ، لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُبْزٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٍ.
السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَى رِجْلِي حَجٌّ مَاشِيًا، صَحَّ نَذْرُهُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ إِلْزَامَ الرِّجْلِ حَاجَةً. وَلَوْ قَالَ: عَلَى نَفْسِي أَوْ رَقَبَتِي، صَحَّ.
السَّابِعَةُ: إِذَا نَذَرَ إِعْتَاقَ رَقَبَةٍ وَكَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ عَنْ كَفَّارَةٍ، فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ، وَنَوَاهُمَا عَنِ الْوَاجِبِ، أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ.
الثَّامِنَةُ: لَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ، لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ.
التَّاسِعَةُ: لَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، صَحَّ نَذْرُهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ أَلْفٌ، وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالنِّيَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
الْعَاشِرَةُ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ، وَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الصَّوْمِ، يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، وَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ، لَا يُطْعَمُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ مُسْتَقِرٌّ بِنَفْسِ النَّذْرِ، قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَبَنَى عَلَى هَذَا: أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَرْضَهُ الصِّيَامَ، فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ، يُطْعَمُ عَنْهُ. وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ حَجَّةً، وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ، يُحَجُّ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَالَ الْقَفَّالُ: مَنِ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْآدَمِيِّينَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِنَا، كَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ.
قُلْتُ: الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَصَحُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّذْرِ. وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَلِدُ أَوْلَادًا وَيَمُوتُونَ، فَقَالَتْ: إِنْ عَاشَ لِي وَلَدٌ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، قَالَ: يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْعِتْقِ أَنْ يَعِيشَ لَهَا وَلَدٌ أَكْثَرَ مِمَّا عَاشَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهَا الْمَوْتَى، وَإِنْ قَلَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: مَتَى وَلَدَتْ حَيًّا، لَزِمَهَا الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَاشَ. وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ. وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، لَا يَنْعَقِدُ. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، فَشُفِيَ، فَأَرَادَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَرِيضِ وَهُوَ فَقِيرٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَزَيْدٌ مُوسِرٌ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ، وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْأَثَانِينَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ، فَقَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ، فَعَلَيَّ عِتْقُهُ، قَالَ: يَنْعَقِدَانِ، فَإِنْ وَقَعَا مَعًا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، هَذَا آخِرُ الْمَنْقُولِ مِنْ فَتَاوَى الْقَاضِي.
وَمِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ: إِذَا نَذَرَ زَيْتًا، أَوْ شَمْعًا، أَوْ نَحْوَهُ لِيُسْرِجَ بِهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، إِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ - وَلَوْ عَلَى النُّدُورِ - مُصَلٍّ هُنَاكَ أَوْ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُهُمَا، صَحَّ وَلَزِمَ. وَإِنْ كَانَ يُغْلَقُ وَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنَ الدُّخُولِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ وَقَفَ شَيْئًا لِيُشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ زَيْتٌ أَوْ غَيْرُهُ لِيُسْرِجَ بِهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَحُكْمُهُ فِي الصِّحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النُّذُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.