الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ الصَّوْمُ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَالسَّبْعِ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ.
السَّابِعُ: دَمُ الْجِمَاعِ الثَّانِي، أَوِ الْجِمَاعُ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ. وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ، أَنَّ وَاجِبَهُمَا بَدَنَةٌ، أَمْ شَاةٌ؟ إِنْ قُلْنَا: بَدَنَةٌ، فَهِيَ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَإِلَّا، فَكَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ.
الثَّامِنُ: دَمُ الْإِحْصَارِ، فَمَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَا عُدُولَ عَنْهَا إِذَا وَجَدَهَا. وَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، كَسَائِرِ الدِّمَاءِ. وَالثَّانِي: لَا، إِذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ بَدَلُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْبَدَلِ، فَفِيهِ أَقْوَالٌ. أَحَدُهَا: بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ. فَإِنْ عَجَزَ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ عَلَى هَذَا، بَيْنَ صَوْمِ الْحَلْقِ وَإِطْعَامِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ فَقَطْ، وَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: ثَلَاثَةُ آصُعٍ، كَالْحَلْقِ. وَالثَّانِي: يُطْعِمُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: عَشْرَةُ أَيَّامٍ. وَالثَّانِي: ثَلَاثَةٌ. وَالثَّالِثُ: بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مَدٍّ يَوْمًا. وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهِ قَدْرُ الصِّيَامِ. وَالْمَذْهَبُ عَلَى الْجُمْلَةِ: التَّرْتِيبُ وَالتَّعْدِيلُ.
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ زَمَانِ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَمَكَانِهَا
أَمَّا الزَّمَانُ: فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِحْرَامِ لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ، لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، بَلْ تَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ الضَّحَايَا، ثُمَّ مَا سِوَى دَمِ الْفَوَاتِ يُرَاقُ فِي النُّسُكِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. وَأَمَّا دَمُ الْفَوَاتِ، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى سُنَّةِ الْقَضَاءِ. وَهَلْ تَجُوزُ إِرَاقَتُهُ فِي سُنَّةِ الْفَوَاتِ؟ قَوْلَانِ:
أَظْهَرُهُمَا: لَا، بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إِلَى سُنَّةِ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي، نَعَمْ، كَدِمَاءِ الْإِفْسَادِ. فَعَلَى هَذَا، وَقْتُ الْوُجُوبِ سُنَّةُ الْفَوَاتِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ، فَفِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: وَقَتُهُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ، كَمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. وَلِهَذَا نَقُولُ: لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْفَائِتِ، لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ، هَذَا إِذَا كَفَّرَ بِالدَّمِ، أَمَّا إِذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ قُلْنَا: وَقْتُ الْوُجُوبِ أَنْ يَحْرُمَ بِالْقَضَاءِ، لَمْ يُقَدَّمْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إِذَا رَجَعَ، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ بِالْفَوَاتِ، فَفِي جَوَازِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ وَجْهَانِ: وَوَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ إِحْرَامٌ نَاقِصٌ.
وَأَمَّا الْمَكَانُ، فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ ضَرْبَانِ. وَاجِبٌ عَلَى الْمُحْصَرِ بِالْإِحْصَارِ، أَوْ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْإِحْصَارِ. وَوَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ، وَيَجِبُ تَفْرِيقُ لَحْمِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، سَوَاءٌ الْغُرَبَاءُ الطَّارِئُونَ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ، لَكِنَّ الصَّرْفَ إِلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ أَفْضَلُ. وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ؟ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ. فَلَوْ ذَبَحَ فِي طَرَفِ الْحِلِّ، لَمْ يُجْزِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ، بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ وَيُفَرَّقَ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ تَغَيُّرِ اللَّحْمِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَسَائِرُ مَا يَجِبُ بِسَبَبٍ فِي الْحِلِّ أَوِ الْحَرَمِ، أَوْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، كَالْحَلْقِ لِلْأَدْنَى، أَوْ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ. وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ. مَا أُنْشِئَ بِسَبَبِهِ فِي الْحِلِّ، يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ فِي الْحِلِّ، كَدَمِ الْإِحْصَارِ. وَفِي وَجْهٍ: مَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، لَا يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ. وَوَجْهٍ: أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْحَرَمَ وَذَبَحَ وَفَرَّقَ حَيْثُ حَلَقَ، جَازَ. وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَأَفْضَلُ الْحَرَمِ لِلذَّبْحِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ، مِنَى. وَفِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ، الْمَرْوَةُ، لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا. وَكَذَا حُكْمُ مَا يَسُوقَانِهِ مِنَ الْهَدْيِ.
قُلْتُ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ فِي «الْفَتَاوَى» : وَلَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الْحَرَمِ مِسْكِينًا، لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الدَّمِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، سَوَاءً جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ، أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، كَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْهُمْ، يَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَجِدَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا، وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ عَلَى قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ، بِهَا، بِخِلَافِ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالْإِطْعَامِ بَدَلًا عَنِ الذَّبْحِ، وَجَبَ تَخْصِيصُهُ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، يَأْتِي بِهِ حَيْثُ شَاءَ، إِذْ لَا غَرَضَ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» : أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إِنْ قَدَرَ. فَإِنْ دَفَعَ إِلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ، ضَمِنَ. وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ، وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الثُلُثُ، وَالثَّانِي: أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَتَلْزَمُهُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ، قَالَ: فَإِنْ فَرَّقَ الطَّعَامَ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ كَالْكَفَّارَةِ، أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ: لَا يَتَقَيَّدُ، بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مُدٍّ، وَالنَّقْصُ مِنْهُ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي الْحَرَمِ، فَسُرِقَ مِنْهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، وَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الذَّبْحِ، وَلَهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ بَدَلُ الذَّبْحِ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: يَكْفِيهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ.