الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ
يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ كَالزَّكَاةِ. وَيَجُوزُ بِالرِّزْقِ، كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: حُجَّ عَنِّي وَأُعْطِيكَ نَفَقَتَكَ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ بِالنَّفَقَةِ، لَمْ تَصِحَّ، لِجَهَالَتِهَا.
فَرْعٌ
الِاسْتِئْجَارُ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ضَرْبَانِ. اسْتِئْجَارُ عَيْنِ الشَّخْصِ، وَإِلْزَامُ ذِمَّتِهِ الْعَمَلَ. مِثَالُ الْأَوَّلِ مِنَ الْحَجِّ، أَنْ يَقُولَ الْمَعْضُوبُ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي، أَوْ يَقُولَ الْوَارِثُ: لِتَحُجَّ عَنْ مَيِّتِي. وَلَوْ قَالَ: لِتَحُجَّ بِنَفْسِكَ، كَانَ تَأْكِيدًا. وَمِثَالُ الثَّانِي: أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ الْحَجِّ. وَيَفْتَرِقُ الضَّرْبَانِ، فِي أُمُورٍ سَتَرَاهَا إِنْ شَاءَ تَعَالَى.
ثُمَّ لِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ شُرُوطٌ. وَلَهُ آثَارٌ وَأَحْكَامٌ، مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْإِجَارَةِ وَالَّذِي نَذْكُرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ الْحَجِّ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ضَرْبَيِ الْإِجَارَةِ، قَدْ يُعَيَّنُ فِيهِ زَمَنُ الْعَمَلِ، وَقَدْ لَا يُعَيَّنُ. وَإِذَا عُيِّنَ، فَقَدْ يُعَيَّنُ السَّنَةُ الْأُولَى، وَقَدْ يُعَيَّنُ غَيْرُهَا، فَأَمَّا فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ، فَإِنْ عَيَّنَا السَّنَةَ الْأُولَى، جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ وَالْحَجُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا مَقْدُورًا لِلْأَجِيرِ. فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ، أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُخَوِّفًا، أَوْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ لَا تَنْقَطِعُ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، لِلْعَجْزِ عَنِ الْمَنْفَعَةِ. وَإِنْ عَيَّنَا غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى
لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ - كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْمُسْقَبَلِ - لَكِنْ لَوْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي سَنَةٍ، لَمْ يَضُرَّ التَّأْخِيرُ. وَالْمُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَإِنْ أَطْلَقَا وَلَمْ يُعَيِّنَا زَمَنًا حُمِلَ عَلَى السَّنَةِ الْأُولَى. فَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَا سَبَقَ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَيَجُوزُ فِيهَا تَعْيِينُ السَّنَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا. فَإِنْ أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْأُولَى، وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا مَرَضُ الْأَجِيرِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ، وَلَا خَوْفُ الطَّرِيقِ، وَلَا ضِيقُ الْوَقْتِ، إِنْ عُيِّنَ غَيْرُ السَّنَةِ الْأُولَى. وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ بِحَالٍ. وَأَمَّا إِجَارَةُ الذِّمَّةِ فَفِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إِنْ قَالَ: أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي، جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَإِنْ قَالَ: لِتَحُجَّ بِنَفْسِكَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْيَانِ الْأُجَرَاءِ. وَهَذَا قَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَخَطَّأَهُ فِيهِ، وَقَالَ بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنِيَّةَ مَعَ الرَّبْطِ بِمُعَيَّنٍ تَتَنَاقَضَانِ. كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ مُعَيَّنٍ [بِعَيْنِهِ] . وَهَذَا إِشْكَالٌ قَوِيٌّ.
فَرْعٌ
أَعْمَالُ الْحَجِّ مَعْرُوفَةٌ، فَإِنْ عَلِمَهَا الْمُتَعَاقِدَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَذَاكَ. وَإِنْ جَهِلَهَا أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِيقَاتِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْأَجِيرُ؟ فِيهِ طُرُقٌ. أَصَحُّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ عَلَى مِيقَاتِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: إِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ مُخْتَلِفَا الْمِيقَاتِ، أَوْ طَرِيقٌ يُفْضِي إِلَى مِيقَاتَيْنِ كَالْعَقِيقِ، وَذَاتِ عِرْقٍ، اشْتُرِطَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ [لَهُ] إِلَّا مِيقَاتٌ وَاحِدٌ، لَمْ يُشْتَرَطْ. وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ
عَنْ حَيٍّ اشْتُرِطَ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَسَدَتِ الْإِجَارَةُ بِإِهْمَالِهِ. لَكِنْ يَقَعُ الْحَجُّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ يُفْرِدُ، أَوْ يُقْرِنُ، أَوْ يَتَمَتَّعُ، لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا.
فَرْعٌ
نَقَلَ الْمُزَنِيُّ [عَنْ] نَصِّهِ فِي «الْمَنْثُورِ» : أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمَعْضُوبُ: مَنْ حَجَّ عَنِّي، فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَحَجَّ عَنْهُ إِنْسَانٌ، اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ. وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّ هَذَا النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَتَصِحُّ الْجَعَالَةُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ تَجُوزُ عَلَى الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ، فَعَلَى الْمَعْلُومِ أَوْلَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّصَّ مُخَالِفٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ، وَلَا تَجُوزُ الْجَعَالَةَ عَلَى مَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، إِذْ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهَا لِإِمْكَانِ الْإِجَارَةِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ حَجَّ عَنْهُ إِنْسَانٌ، وَقَعَ الْحَجُّ عَنِ الْمَعْضُوبِ لِلْإِذْنِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَجَّهٍ إِلَى إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُ مَنْ أَرَادَ بِيعَ دَارِي، فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
قُلْتُ: لَوْ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي، أَوْ أَوَّلُ مَنْ يَحُجُّ عَنِّي، فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَسَمِعَهُ رَجُلَانِ فَأَحْرَمَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَقَعَ الْأَوَّلُ عَنِ الْقَائِلِ، وَلَهُ الْأَلْفُ، وَوَقَعَ حَجُّ الثَّانِي عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ وَقَعَا مَعًا وَشُكَّ فِي وُقُوعِهِمَا مَعًا، وَقَعَ حَجُّهُمَا عَنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
مُقْتَضَى كَلَامِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُ تَقْدِيمِ الْإِجَارَةِ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ، وَأَنَّ لِلْأَجِيرِ انْتِظَارَ خُرُوجِهِمْ، وَيَخْرُجُ مَعَ أَوَّلِ رُفْقَةٍ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ يُنَازَعُ فِيهِ. وَيَقْتَضِي اشْتِرَاطَ وُقُوعِ الْعَقْدِ فِي زَمَنِ خُرُوجِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ. حَتَّى قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الْعَيْنِ، إِلَّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ، بِحَيْثُ يَشْتَغِلُ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِالْخُرُوجِ أَوْ بِأَسْبَابِهِ مِنْ شِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، لَمْ يَصِحَّ. وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِمَكَّةَ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِيُمْكِنَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْعَمَلِ عَقِيبَ الْعَقْدِ. وَعَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: لَوْ جَرَى الْعَقْدُ فِي وَقْتِ تَرَاكُمِ الْإِنْدَاءِ وَالثُّلُوجِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَجِيزِ» ، وَصَحَّحَهُ فِي «الْوَسِيطِ» لِأَنَّ تَوَقُّعَ زَوَالِهَا مَضْبُوطٌ.
وَالثَّانِي: لَا لِتَعَذُّرِ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ انْتِظَارِ خُرُوجِ الرُّفْقَةِ فَإِنَّ خُرُوجَهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ.
أَمَّا إِجَارَةُ الذِّمَّةِ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْخُرُوجِ بِلَا شَكٍّ.
قُلْتُ: أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا النَّقْلَ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ، أَوْ هُوَ شُذُوذٌ مِنْ صَاحِبِ «التَّهْذِيبِ» لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إِلَى جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي «التَّتِمَّةِ» وَ «الشَّامِلِ» وَ «الْبَحْرِ» وَغَيْرِهَا، مُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ عَلَى الْعَادَةِ، أَوِ الِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ. قَالَ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» : أَمَّا عَقْدُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ، هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
إِذَا لَمْ يَشْرَعِ الْأَجِيرُ فِي الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ، انْفَسَخَتْ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ نُظِرَ إِنْ لَمْ يُعَيِّنَا سَنَةً، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ كَتَعْيِينِ السَّنَةِ الْأُولَى. وَذُكِرَ فِي «التَّهْذِيبِ» : أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنِ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ، لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ. وَإِنْ عَيَّنَا الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا، فَأَخَّرَ عَنْهَا، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا لَوِ انْقَطَعَ الْمُسْلِمُ فِيهِ فِي مَحَلِّهِ. أَظْهَرُهَا: لَا تَنْفَسِخُ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ الْمَعْضُوبُ، فَلَهُ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ لِيَحُجَّ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى. وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَنْ مَيِّتٍ مِنْ مَالِهِ، قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ: لَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي هَذَا. وَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُرَاعِيَ النَّظَرَ لِلْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ لِخَوْفِ إِفْلَاسِ الْأَجِيرِ أَوْ هَرَبِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ضُمِّنَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْسُوبُ إِلَى الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ رَأَيْتُهُمَا لِلْأَئِمَّةِ.
أَحَدُهُمَا: صَوَّرَ بَعْضُهُمُ الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إِنْسَانٌ بِمِائَةٍ مَثَلًا، وَوَجْهُهُ: بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُسْتَحَقَّةُ الصَّرْفِ إِلَيْهِ.
الثَّانِي: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الشَّرْحِ: لِلْمُسْتَأْجِرِ لِمَيِّتٍ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْعَقْدَ إِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، فَإِذَا نَزَلَ مَنْ ذَكَرُوهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ. وَإِنْ نَزَلَ عَلَى الثَّانِي هَانَ أَمْرُهُ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ لِنَفْسِهِ، فَمَاتَ وَأَخَّرَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عَنِ السَّنَةِ، فَلَمْ نَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ
مَسْطُورَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَارِثِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ. وَالْقِيَاسُ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، إِذْ لَا مِيرَاثَ فِي هَذِهِ الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
لَوِ اسْتَأْجَرَ إِنْسَاإنٌ عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ تَبَرُّعًا، فَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ الْمَعْضُوبِ لِنَفْسِهِ، فَلَهُ الْخِيَارُ.
فَرْعٌ
لَوْ قَدَّمَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عَلَى السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ جَازَ، وَقَدْ زَادَ خَيْرًا
فَرْعٌ
إِذَا انْتَهَى الْأَجِيرُ إِلَى الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيَّنِ إِمَّا بِشَرْطِهِمَا إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الشَّرْعِ، فَلَمْ يُحْرِمْ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، بَلْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا، أَحْرَمَ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْحَجِّ، فَلَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَيَصِحَّ الْحَجُّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَذَانِ، وَيُحَطَّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ الْمُلْتَزَمِ.
وَفِي قَدْرِ الْمَحْطُوطِ خِلَافٌ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا سَارَ الْأَجِيرُ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَحَجَّ، فَالْأُجْرَةُ تَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَحْدَهَا، أَمْ تَتَوَزَّعُ عَلَى الْيَسِيرِ وَالْأَعْمَالِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ خَصَّصْنَاهَا بِالْأَعْمَالِ، وُزِّعَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى حَجَّةٍ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَحَجَّةٍ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُقَابِلَ بِالْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا، هُوَ الْحَجُّ مِنَ الْمِيقَاتِ، فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْحَجَّةِ الْمُنْشَأَةِ مِنْ مَكَّةَ دِينَارَيْنِ، وَالْمُنْشَأَةُ مِنَ الْمِيقَاتِ خَمْسَةً، فَالتَّفَاوُتُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، فَتُحَطُّ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْمُسَمَّى. فَإِنْ وَزَّعْنَا الْأُجْرَةَ عَلَى السَّيْرِ وَالْأَعْمَالِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَقَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا تُحْسَبُ لَهُ الْمَسَافَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهَا إِلَى غَرَضِ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ. فَعَلَى هَذَا يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ تَنْشَأُ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَيَقَعُ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَعَلَى حَجَّةٍ تَنْشَأُ مِنْ مَكَّةَ، فَيُحَطُّ مِنَ الْمُسَمَّى بِنِسْبَتِهِ. فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمُنْشَأَةِ مِنَ الْبَلَدِ مِائَةً، وَالْمُنْشَأَةُ مِنْ مَكَّةَ عَشَرَةً، حُطَّ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْمُسَمَّى.
وَأَظْهَرُهُمَا: يُحْتَسَبُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ إِلَى الْمِيقَاتِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْحَجَّ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ الْعُمْرَةُ. فَعَلَى هَذَا يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى مُنْشَأَةٍ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ إِحْرَامُهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَعَلَى مُنْشَأَةٍ مِنَ الْبَلَدِ إِحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ، فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْأُولَى: مِائَةً، وَالثَّانِيَةِ: تِسْعِينَ، حُطَّ عُشْرُ الْمُسَمَّى، فَحَصَلَ فِي الْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْمَذْهَبُ مِنْهَا، هَذَا الْأَخِيرُ. ثُمَّ الْأَجِيرُ فِي مَسْأَلَتِنَا: يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَ تَجَاوُزِهِ الْمِيقَاتِ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا فِي غَيْرِ صُورَةِ الِاعْتِمَارِ أَنَّ إِسَاءَةَ الْمُجَاوَزَةِ، هَلْ تَنْجَبِرُ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ حَتَّى لَا يُحَطَّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ، أَمْ لَا؟ وَذَلِكَ الْخِلَافُ يَجِئُ هُنَا، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدَانَ وَغَيْرُهُ، فَإِذًا الْخِلَافُ فِي قَدْرِ الْمَحْطُوطِ.
فَرْعٌ
لِلْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْحَطِّ
وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَيُقْطَعَ بِعَدَمِ الِانْجِبَارِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَقَ بِالْمُجَاوَزَةِ حَيْثُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ، فَهَلْ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ؟ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. إِنْ قُلْنَا: الْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى الْعَمَلِ وَالسَّيْرِ، وَلَمْ يُحْسَبِ السَّيْرُ لِانْصِرَافِهِ إِلَى عُمْرَتِهِ وُزِّعَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ إِحْرَامُهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَعَلَى مُنْشَأَةٍ مِنَ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ قَطْعِ مَسَافَةٍ، وَيُحَطُّ بِالنِّسْبَةِ مِنَ الْمُسَمَّى. وَإِنْ قُلْنَا: الْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَقَطْ، أَوْ وَزَّعْنَاهَا عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيْرِ، وَاحْتَسَبْنَا الْمَسَافَةَ، فَلَا حَطَّ، فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَثِيرُونَ غَيْرَهُ.
فَرْعٌ
إِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْمُتَعَيَّنَ بِالشَّرْطِ أَوِ الشَّرْعِ غَيْرَ مُحَرِمٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، نُظِرَ، إِنْ عَادَ إِلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، أَوْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ وَلَمْ يَعُدْ، لَزِمَ دَمُ الْإِسَاءَةِ بِالْمُجَاوَزَةِ، وَهَلْ يَنْجَبِرُ بِهِ الْخَلَلُ حَتَّى لَا يُحَطَّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَنْجَبِرُ، وَيَصِيرُ كَأَنْ لَا مُخَالَفَةَ، فَتَجِبُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ. وَأَظْهَرُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : يُحَطُّ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْحَطِّ. فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْجِبَارِ
[فَهَلْ] نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الدَّمِ، وَنُقَابِلُهَا بِالتَّفَاوُتِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، فَلَا يَنْجَبِرُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الدَّمِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى جَبْرِ الْخَلَلِ، وَالشَّرْعُ قَدْ حَكَمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْقِيمَةِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الْحَطُّ، فَفِي قَدْرِهِ الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ، وَهُوَ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ مَاذَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَقَطْ، وَزَّعْنَا الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَحَجَّةٍ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ. وَإِنْ وَزَّعْنَا عَلَى الْعَمَلِ
وَالسَّيْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَزَّعْنَا الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةٍ إِحْرَامُهَا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَعَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةٍ إِحْرَامُهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ. وَعَلَى هَذَا يَقِلُّ الْمَحْطُوطُ. ثُمَّ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْفَرَاسِخِ وَحْدَهَا، أَمْ يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ السُّهُولَةُ وَالْخُشُونَةُ؟ وَالْأَصَحُّ: الثَّانِي. وَلَوْ عَدَلَ الْأَجِيرُ عَنْ طَرِيقِ الْمِيقَاتِ الْمُعْتَبَرِ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ مِيقَاتُهُ مِثْلُ الْمُعْتَبَرِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ. أَمَّا إِذَا عَيَّنَا مَوْضِعًا آخَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مَكَّةَ مِنَ الشَّرْعِيِّ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ مُفْسِدُ الْإِجَارَةِ، إِذَ لَا يَجُوزُ لِمُرِيدِ النُّسُكِ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحَرِمٍ. وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ، بِأَنْ عَيَّنَا الْكُوفَةَ فَهَلْ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ الدَّمُ لِمُجَاوَزَتِهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ؟ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: نَعَمْ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ الدَّمُ، حُطَّ قِسْطُ الْأُجْرَةِ قَطْعًا، وَإِلَّا، فَفِي حُصُولِ الِانْجِبَارِ بِهِ الطَّرِيقَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَزِمَهُ الدَّمُ لَتَرْكِ مَأْمُورٍ، كَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ. فَإِنْ لَزِمَهُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ كَاللَّبْسِ وَالْقَلْمِ، لَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصِ الْعَمَلَ. وَلَوْ شُرِطَ الْإِحْرَامُ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، فَأَخَّرَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَفِي الِانْجِبَارِ الْخِلَافُ. وَكَذَا لَوْ شُرِطَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا، لِأَنَّهُ تَرَكَ مَقْصُودًا. هَكَذَا نُقِلَتِ الْمَسْأَلَتَانِ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَا مُفَرَّعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَشْرُوطَ كَالشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا فَلَا [يَلْزَمُ] الدَّمُ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْكُوفَةِ.
فَرْعٌ
إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ، فَتَارَةً يَمْتَثِلُ، وَتَارَةً يَعْدِلُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنِ امْتَثَلَ فَقَرَنَ وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ. وَعَلَى مَنْ يَجِبُ؟ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَالثَّانِي: عَلَى الْأَجِيرِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ
عَلَى الْأَجِيرِ، فَسَدَتِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إِجَارَةٍ وَبَيْعٍ مَجْهُولٍ، فَإِنَّ الدَّمَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُعْسِرًا، فَالصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّوْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجِّ. وَالَّذِي مِنْهُمَا فِي الْحَجِّ، هُوَ الْأَجِيرُ. كَذَا ذَكَرَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : هُوَ كَالْعَاجِزِ عَنِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ جَمِيعًا. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِكَمَالِهَا. فَأَمَّا إِذَا عَدَلَ، فَيُنْظَرُ، إِنْ عَدَلَ إِلَى الْإِفْرَادِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ، لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ حِصَّةَ الْعُمْرَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ» لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَلَا شَيْءَ (عَلَيْهِ) وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ. وَإِنْ لَمْ يَعُدْ، فَعَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ، لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ. وَهَلْ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ، أَمْ تَنْجَبِرُ الْإِسَاءَةُ بِالدَّمِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَإِنْ عَدَلَ إِلَى التَّمَتُّعِ، فَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ، لَمْ يَقَعِ الْحَجُّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ نُظِرَ إِنْ عَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْعَلُ مُخَالِفًا لِتَقَارُبِ الْجِهَتَيْنِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوِ امْتَثَلَ.
وَفِي كَوْنِ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ الْوَجْهَانِ. وَأَصَحُّهُمَا. يُجْعَلُ مُخَالِفًا، فَيَجِبُ الدَّمُ عَلَى الْأَجِيرِ، لِإِسَاءَتِهِ. وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ. وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، يَتَضَمَّنُهُ. وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ.
فَرْعٌ
إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ فَامْتَثَلَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْقِرَانِ فَامْتَثَلَ. وَإِنْ أَفْرَدَ نُظِرَ إِنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَعَادَ لِلْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا. وَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ، لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ، فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا مِنَ الْمُسَمَّى.
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ وَعَادَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ، وَإِنْ قَرَنَ، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ. ثُمَّ إِنْ عَدَّدَ الْأَفْعَالَ لِلنُّسُكَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهَلْ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ لِاخْتِصَارِهِ فِي الْأَفْعَالِ؟ وَجْهَانِ. وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الدَّمَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَمِ الْأَجِيرِ؟ .
فَرْعٌ
لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَامْتَثَلَ، فَذَاكَ. فَلَوْ قَرَنَ نُظِرَ إِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ، فَالْعُمْرَةُ وَاقِعَةٌ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ فَقَرَنَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَا عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَى الْأَجِيرِ الدَّمُ، وَهَلْ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ لِلْخَلَلِ، أَمْ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ.
وَإِنْ تَمَتَّعَ فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ، فَقَدْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، فَيَرُدُّ مَا يَخُصُّهَا مِنَ الْأُجْرَةِ.
وَإِنْ أَمَرَهُ بِتَقْدِيمِهَا، أَوْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ، وَقَعَا عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَزِمَ الْأَجِيرَ دَمٌ إِنْ لَمْ يُعِدِ الْحَجَّ إِلَى الْمِيقَاتِ، وَفِي حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ.
فَرْعٌ
إِذَا جَامَعَ الْأَجِيرُ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ لَهُ، فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِةِ، وَالْقَضَاءُ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ، وَلَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَلَا يَفْسُدُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. وَحُكِيَ هَذَا عَنِ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا. فَعَلَى الْمَشْهُورِ، إِنْ كَانَ إِجَارَةَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ، وَالْقَضَاءُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْأَجِيرُ يَقَعُ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ، لَمْ تَنْفَسِخْ. وَعَمَّنْ يَقَعُ الْقَضَاءُ؟ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ. وَأَصَحُّهُمَا: عَنِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ وَقَعَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْقَضَاءِ حَجَّةٌ أُخْرَى لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَيَقْضِي عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَحُجُّ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، أَوْ يَسْتَنِيبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ، لِتَأْخِيرِ الْمَقْصُودِ. وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمَعْضُوبُ، أَوْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ لِمَيِّتٍ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ. وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ.
فَرْعٌ
إِذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، ثُمَّ صَرَفَ الْإِحْرَامَ إِلَى نَفْسِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ، وَأَتَمَّ الْحَجَّ عَلَى هَذَا الظَّنِّ، فَالْحَجُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ الْأُجْرَةَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا، لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا. وَأَظْهَرُهُمَا: يَسْتَحِقُّ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
فَرْعٌ
إِذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فِي أَثْنَائِهِ فَهَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى حَجِّهِ؟ قَوْلَانِ. الْأَظْهَرُ الْجَدِيدُ: لَا يَجُوزُ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَالْقَدِيمُ: يَجُوزُ. فَعَلَى الْجَدِيدِ: يَبْطُلُ الْمَأْتِيُّ بِهِ إِلَّا فِي الثَّوَابِ، وَيَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ إِنْ كَانَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ. وَعَلَى الْقَدِيمِ: تَارَةً يَمُوتُ وَقَدْ بَقِيَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ، وَتَارَةً لَا يَبْقَى، فَإِنْ بَقِيَ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْحَجِّ، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ إِنْ لَمْ يَقِفِ الْمَيِّتُ، وَلَا يَقِفُ إِنْ كَانَ وَقَفَ وَيَأْتِي بِبَاقِي الْأَعْمَالِ، وَلَا بَأْسَ بِوُقُوعِ إِحْرَامِ النَّائِبِ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى إِحْرَامِ الشَّيْءِ مِنْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ، فَفِيمَا يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى، فَيُجْزِئَانِهِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ. وَلَا يَبِيتُ، وَلَا يَرْمِي، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَكِنْ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ. وَأَصَحُّهُمَا: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَيَأْتِي بِبَقِىةِ الْأَعْمَالِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إِذَا ابْتَدَأَهُ، وَهَذَا يُبْنَى عَلَى مَا سَبَقَ.
وَعَلَى هَذَا، لَوْ مَاتَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، أَحْرَمَ النَّائِبُ إِحْرَامًا لَا يُحَرِّمُ اللَّبْسَ وَالْقَلْمَ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْمَيِّتُ. هَذَا كُلُّهُ، إِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُمَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَبْرُ مَا بَقِيَ بِالدَّمِ. وَأَوْهَمَ بَعْضُهُمْ إِجْرَاءَ الْخِلَافِ [فِيهِ] .
فَرْعٌ
إِذَا مَاتَ الْأَجِيرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ، فَلَهُ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَرْكَانِ، وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَسْتَحِقُّ، وَسَوَاءٌ مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ قَبْلَهُ.
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ قَطْعًا، وَهُوَ شَاذٌّ. فَإِذَا قُلْنَا: يَسْتَحِقُّ، فَهَلْ يُقَسِّطُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ، أَمْ عَلَيْهَا مَعَ السَّيْرِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ رحمه الله: إِنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي، قَسَّطَ عَلَى الْعَمَلِ فَقَطْ. وَإِنْ قَالَ: لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا، قَسَّطَ عَلَيْهِمَا، وَحَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْحَالَيْنِ. ثُمَّ هَلْ يُبْنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ الْأَجِيرُ؟ يُنْظَرُ، إِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ، انْفَسَخَتْ وَلَا بِنَاءَ لِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ، وَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبْنِي؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ.
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ، فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ عَنِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ. فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِبَقَاءِ الْوَقْتِ، فَذَاكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، ثَبَتَ الْخِيَارُ كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَبْنُوا.
ثُمَّ الْقَوْلُ فِيمَا يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ، وَفِي حُكْمِ إِحْرَامِهِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، عَلَى مَا سَبَقَ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي السَّيْرِ، وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَالصَّيْرَفِيُّ: يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدَانَ: [إِنْ] قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي، لَمْ يَسْتَحِقَّ. وَإِنْ قَالَ: لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا، اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَرْكَانِ، وَقَبْلَ فَرَاغِ بَاقِي الْأَعْمَالِ، فَيُنْظَرُ إِنْ فَاتَ وَقْتُهَا، أَوْ لَمْ يَفُتْ، وَلَكِنْ لَمْ نُجَوِّزِ الْبِنَاءَ، جُبِرَ بِالدَّمِ مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ، وَهَلْ يَرُدُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.
وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ، انْفَسَخَتْ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاقِيَةِ، وَوَجَبَ رَدُّ قِسْطِهَا مِنَ الْأُجْرَةِ، وَيَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ، وَلَا دَمَ عَلَى الْأَجِيرِ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ، اسْتَأْجَرَ وَارِثُ الْأَجِيرِ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُمَا عَمَلَانِ يُؤْتَى بِهِمَا بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ، وَلَا رَدُّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ، ذَكَرَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» .
فَرْعٌ
إِذَا أُحْصِرَ الْأَجِيرُ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ. فَإِنْ تَحَلَّلَ، فَعَمَّنْ يَقَعُ مَا أَتَى بِهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ مَاتَ، إِذْ لَا تَقْصِيرَ. وَالثَّانِي: عَنِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ. فَعَلَى هَذَا، دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْأَجِيرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ، الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْتِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ وَأَقَامَ عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، انْقَلَبَ إِلَيْهِ، كَمَا فِي الْإِفْسَادِ، ثُمَّ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ. وَلَوْ حَصَلَ الْفَوَاتُ بِنَوْمٍ، أَوْ تَأَخُّرٍ عَنِ الْقَافِلَةِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ إِحْصَارٍ، انْقَلَبَ الْمَأْتِيُّ بِهِ إِلَى الْأَجِيرِ أَيْضًا، كَمَا فِي الْإِفْسَادِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْتِ.