الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ
مُحَرَّمَاتُ الْإِحْرَامِ
وَهِيَ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ. الْأَوَّلُ: اللَّبْسُ. أَمَّا رَأْسُ الرَّجُلِ، فَلَا يَجُوزُ سَتْرُهُ لَا بِمَخِيطٍ كَالْقَلَنْسُوَةِ، وَلَا بِغَيْرِهِ كَالْعِمَامَةِ، وَالْإِزَارِ وَالْخِرْقَةِ، وَكُلُّ مَا يُعَدُّ سَاتِرًا. فَإِنْ سَتَرَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ. وَلَوْ تَوَسَّدَ وِسَادَةً، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوِ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ، أَوِ اسْتَظَلَّ بِمَحْمِلٍ أَوْ هَوْدَجٍ فَلَا بَأْسَ سَوَاءٌ مَسَّ الْمَحْمِلُ رَأْسَهُ، أَمْ لَا. وَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : إِذَا مَسَّ الْمَحْمِلُ رَأَسَهُ وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ. وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا أَوْ حِمْلًا، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. وَلَوْ طَلَى رَأْسَهُ بِطِينٍ، أَوْ حِنَّاءَ أَوْ مَرْهَمٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ فَلَا فِدْيَةَ. وَإِنْ كَانَ ثَخِينًا سَاتِرًا، وَجَبَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ سَتْرُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ الِاسْتِيعَابُ، بَلْ تَجِبُ بِسَتْرِ قَدْرٍ يُقْصَدُ سَتْرُهُ لِغَرَضٍ، كَشَدِّ عِصَابَةٍ، أَوْ إِلْصَاقِ لُصُوقٍ لِشَجَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا ضَبَطَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ، لَمْ يَضُرَّ، وَلَا فِدْيَةَ. وَهَذَا يَنْقُضُ مَا ضَبَطَا بِهِ، فَإِنَّ سَتْرَ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَحْوِيهِ [شَدُّ] الْخَيْطِ، قَدْ يُقْصَدُ لِمَنْعِ الشَّعْرِ مِنَ الِانْتِشَارِ وَغَيْرِهِ. فَالْوَجْهُ: الضَّبْطُ بِتَسْمِيَتِهِ سَاتِرًا كُلَّ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضَهُ.
قُلْتُ: تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِتَغْطِيَةِ الْبَيَاضِ الَّذِي وَرَاءَ الْأُذُنِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِكَفِّ غَيْرِهِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ، كَكَفِّ نَفْسِهِ. وَفِي «الْحَاوِي» وَ «الْبَحْرِ» وَجْهَانِ لِجَوَازِ السُّجُودِ عَلَى كَفِّ غَيْرِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
أَمَّا غَيْرُ الرَّأْسِ، فَيَجُوزُ سَتْرُهُ. لَكِنْ لَا يَجُوزُ لُبْسُ الْقَمِيصِ، وَلَا السَّرَاوِيلِ، وَالتُّبَّانِ، وَالْخُفِّ، وَنَحْوِهَا. فَإِنْ لَبِسَ شَيْئًا مِنْ هَذَا مُخْتَارًا، لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ قَصُرَ الزَّمَانُ أَمْ طَالَ وَلَوْ لَبِسَ الْقَبَاءَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ، سَوَاءٌ أَخَرَجَ يَدَهُ مِنَ الْكُمَّيْنِ، أَمْ لَا. وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ فِي «الْحَاوِي» : أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَنْ أَقْبِيَةِ خُرَاسَانَ ضَيِّقَ الْأَكْمَامِ قَصِيرَ الذَّيْلِ، لَزِمَتِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْكُمِّ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْبِيَةِ الْعِرَاقِ وَاسِعَ الْكُمِّ طَوِيلَ الذَّيْلِ، لَمْ يَجِبْ حَتَّى يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ. وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ: مَا سَبَقَ.
وَلَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ. قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إِذَا قَامَ عُدَّ لَابِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ. وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إِلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ، فَلَا. وَاللُّبْسُ مَرْعِيٌّ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ. فَلَوِ ارْتَدَى بِقَمِيصٍ، أَوْ قَبَاءَ أَوِ الْتَحَفَ بِهَا أَوِ اتَّزَرَ بِسَرَاوِيلَ، فَلَا فِدْيَةَ. كَمَا لَوِ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ مِنْ رِقَاعٍ. وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّحْرِيمُ وَالْفِدْيَةُ فِي الْمَلْبُوسِ عَلَى الْمَخِيطِ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَخِيطِ وَالْمَنْسُوجِ، كَالزَّرْدِ، وَالْمَعْقُودِ كَجُبَّةِ اللِّبَدِ، وَالْمُلَفَّقِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، سَوَاءٌ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْقُطْنِ وَالْجِلْدِ وَغَيْرِهِمَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الْإِزَارَ وَيَشُدَّ عَلَيْهِ خَيْطًا، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِثْلَ الْحُجُزَةِ، وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ وَأَنْ يَشُدَّ طَرَفَ إِزَارِهِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ، وَلَا يَعْقِدُ رِدَاءَهُ وَلَهُ أَنْ يَغْرِزَهُ فِي طَرَفِ إِزَارِهِ. وَلَوِ اتَّخَذَ لِرِدَائِهِ شَرَجًا وَعُرًى، وَرَبَطَ الشَّرَجَ بِالْعُرَى، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الرِّدَاءِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ خَلُّهُ بِخِلَالٍ أَوْ مِسَلَّةٍ، وَلَا رَبْطُ طَرَفِهِ إِلَى طَرَفِهِ بِخَيْطٍ وَنَحْوِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ شَقُّ الْإِزَارَ نِصْفَيْنِ، وَلَفَّ عَلَى كُلِّ سَاقٍ نِصْفًا وَعَقَدَهُ، فَالَّذِي نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّرَاوِيلِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا فِدْيَةَ لِمُجَرَّدِ
اللَّفِّ وَالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِنْ كَانَتْ خِيَاطَةً أَوْ شَرَجًا وَعُرًى. وَلَهُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ طَاقَيْنِ، وَثَلَاثَةً، وَأَكْثَرَ، بِلَا خِلَافٍ. وَلَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَالسَّيْفَ، وَيَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ عَلَى وَسَطِهِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَالْوَجْهُ فِي حَقِّهَا، كَرَأْسِ الرَّجُلِ. وَتَسْتُرُ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَسَائِرَ بَدَنِهَا بِالْمَخِيطِ، كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ، وَتَسْتُرُ مِنَ الْوَجْهِ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ الَّذِي يَلِي الرَّأْسَ، إِذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِ الرَّأْسِ إِلَّا بِهِ. وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنَ الْوَجْهِ. وَلَهَا أَنْ تَسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا مُتَجَافِيًا عَنْهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ فَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ فِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا، أَمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. فَإِنْ وَقَعَتِ الْخَشَبَةُ، فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، وَرَفَعَتْهُ فِي الْحَالِ، فَلَا فِدْيَةَ. وَإِنْ كَانَ عَمْدًا، أَوِ اسْتَدَامَتْهُ، لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ. وَإِذَا سَتَرَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ رَأْسَهُ فَقَطْ، أَوْ وَجْهَهُ فَقَطْ فَلَا فِدْيَةَ، وَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ.
فَرْعٌ
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ، وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: يَحْرُمُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» وَ «الْإِمْلَاءِ» ، وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ. وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ فَلَا فِدْيَةَ. وَلَوِ اخْتَضَبَتْ وَلَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا خِرْقَةً فَوْقَ الْخِضَابِ، أَوْ لَفَّتْهَا بِلَا خِضَابٍ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إِنْ لَمْ تَشُدَّ الْخِرْقَةَ، فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ. فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ، فَهَلْ تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْحِنَّاءِ؟ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الرَّجُلِ إِذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ.
وَلَوِ اتَّخَذَ الرَّجُلُ لِسَاعِدِهِ، أَوْ لِعُضْوٍ آخَرَ شَيْئًا مَخِيطًا، أَوْ لِلِحْيَتِهِ خَرِيطَةً يُغَلِّفُهَا بِهَا إِذَا خَضَّبَهَا، فَهَلْ يُلْحَقُ بِالْقُفَّازَيْنِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَالْأَصَحُّ:
الْإِلْحَاقُ، وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ اجْتِنَابُ الْمَلَابِسِ الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ.
فَرْعٌ
أَمَّا الْمَعْذُورُ فَفِيهِ صُوَرٌ. إِحْدَاهَا: لَوِ احْتَاجَ الرَّجُلُ إِلَى سَتْرِ الرَّأْسِ، أَوْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لَعُذْرٍ، كَحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مُدَاوَاةٍ، أَوِ احْتَاجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى سَتْرِ الْوَجْهِ جَازَ وَوَجَبَتِ الْفِدْيَةُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَمْ يَجِدِ الرَّجُلُ الرِّدَاءَ، لَمْ يَجُزْ لُبْسُ الْقَمِيصِ، بَلْ يَرْتَدِي بِهِ. وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَوَجَدَ السَّرَاوِيلَ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إِزَارٌ لِصِغَرِهِ، أَوْ لِفَقْدِ آلَةِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ لِخَوْفِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْقَافِلَةِ، فَلَهُ لُبْسُهُ، وَلَا فِدْيَةَ. وَإِنْ تَأَتَّى، فَلَبِسَهُ عَلَى حَالِهِ، فَلَا فِدْيَةَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا لَبِسَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ وَجَدَ الْإِزَارَ، وَجَبَ نَزْعُهُ. فَإِنْ أَخَّرَ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، لَبِسَ الْمُكَعَّبَ، أَوْ قَطَعَ الْخُفَّ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبِ وَلَبِسَهُ. وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْمُكَعَّبِ وَالْخُفِّ الْمَقْطُوعِ مَعَ وُجُودِ التَّعَيُّنِ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَعَلَى هَذَا، لَوْ لَبِسَ الْمَقْطُوعَ لِفَقْدِ النَّعْلَيْنِ، ثُمَّ وَجَدَهُمَا وَجَبَ نَزْعُهُ. فَإِنْ أَخَّرَ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ. وَإِذَا جَازَ لُبْسُ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ لَمْ يَضُرَّ اسْتِتَارُ ظَهْرِ الْقَدَمِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ.
وَالْمُرَادُ بِفَقْدِ الْإِزَارِ وَالنَّعْلِ: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ، إِمَّا لِفَقْدِهِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ بَذْلِ مَالِكِهِ، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ ثَمَنِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ. وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ، أَوْ نَسِيئَةٍ، أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. وَإِنْ أُعِيرَ وَجَبَ قَبُولُهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: التَّطَيُّبُ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ قَصْدًا. فَأَمَّا الطِّيبُ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ التَّطَيُّبَ، وَاتِّخَاذَ الطِّيبِ مِنْهُ، أَوْ يَظْهَرُ
فِيهِ هَذَا الْغَرَضُ. فَالْمِسْكُ، وَالْكَافُورُ، وَالْعُودُ، وَالْعَنْبَرُ، وَالصَّنْدَلُ طِيبٌ. وَأَمَّا مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَأَنْوَاعٌ.
مِنْهَا: مَا يُطْلَبُ لِلتَّطَيُّبِ وَاتِّخَاذِ الطِّيبِ مِنْهُ، كَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْخَيْرِيِّ، وَالْوَرْسِ، فَكُلُّهُ طِيبٌ. وَحُكِيَ وَجْهٌ شَاذٌّ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ. وَمِنْهَا: مَا يُطْلَبُ لِلْأَكْلِ، أَوْ لِلتَّدَاوِي غَالِبًا، كَالْقَرَنْفُلِ، وَالدَّارَصِينِيِّ، وَالسُّنْبُلِ، وَسَائِرِ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَالنَّارِنْجِ، وَلَا فِدْيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَمِنْهَا: مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الطِّيبُ، كَالنَّرْجِسِ، وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ، وَهُوَ الضَّيْمَرَانُ، وَالْمَرْزَنْجُوشُ وَنَحْوُهَا، فَفِيهَا قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ لَا فِدْيَةَ. وَالْجَدِيدُ: وَجُوبُهَا.
وَأَمَّا الْبَنَفْسَجُ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ طِيبٌ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. وَالنَّيْلُوفَرُ، كَالنَّرْجِسِ. وَقِيلَ: طِيبٌ قَطْعًا.
وَمِنْهَا: مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، كَالشَّيْحِ، وَالْقَيْصُومِ، وَالشَّقَائِقِ، وَفِي مَعْنَاهَا نَوْرُ الْأَشْجَارِ، كَالتُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَا الْعُصْفُرُ، وَالْحِنَّاءُ وَلَا فِدْيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا.
وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ عَادَةُ كُلِّ نَاحِيَةٍ فِيمَا يُتَّخَذُ طِيبًا، وَهَذَا غَلَطٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
الْأَدْهَانُ ضَرْبَانِ. دُهْنٌ لَيْسَ بِطِيبٍ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، وَسَيَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَدُهْنٌ هُوَ طِيبٌ، فَمِنْهُ دُهْنُ الْوَرْدِ، وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَمِنْهُ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ، فَإِنْ لَمْ نُوجِبِ الْفِدْيَةَ فِي نَفْسِ الْبَنَفْسَجِ، فَدُهْنُهُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَكَدُهْنِ الْوَرْدِ.
ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى
أَنَّ مَا طُرِحَ فِيهِ الْوَرْدُ وَالْبَنَفْسَجُ، فَهُوَ دُهْنُهُمَا. وَلَوْ طُرِحَا عَلَى السِّمْسِمِ فَأَخَذَ رَائِحَةً، ثُمَّ اسْتُخْرِجَ مِنْهُ الدُّهْنُ، قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِدْيَةٌ، وَخَالَفَهُمُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَمِنْهُ الْبَانُ وَدُهْنُهُ، أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طِيبٌ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: أَنَّهُمَا لَيْسَ بِطِيبٍ، وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونُ خِلَافًا مُحَقَّقًا، بَلْ هُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى تَوَسُّطٍ حَكَاهُ صَاحِبَا «الْمُهَذِّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» ، وَهُوَ أَنَّ دُهْنَ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ، وَهُوَ الْمَغْلِيُّ فِي الطِّيبِ طِيبٌ، وَغَيْرُ الْمَنْشُوشِ لَيْسَ بِطِيبٍ.
قُلْتُ: وَفِي كَوْنِ دُهْنِ الْأُتْرُجِّ طِيبًا، وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ. وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ: بِأَنَّهُ طِيبٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا فِيهِ زَعْفَرَانٌ، أَوْ طِيبٌ آخَرُ، أَوِ اسْتَعْمَلَ مَخْلُوطًا بِالطِّيبِ لَا بِجِهَةِ الْأَكْلِ نُظِرَ إِنِ اسْتُهْلِكَ الطِّيبُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ، فَلَا فِدْيَةَ. وَإِنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ، أَوْ بَقِيَتِ الرَّائِحَةُ فَقَطْ وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ. وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا فِدْيَةَ. وَقِيلَ: لَا فِدْيَةَ قَطْعًا. وَإِنْ بَقِيَ الطَّعْمُ فَقَطْ، فَكَالرَّائِحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: كَاللَّوْنِ. وَلَوْ أَكَلَ الْخُلُنْجِينَ الْمُرَبَّى بِالْوَرْدِ نُظِرَ فِي اسْتِهْلَاكِ الْوَرْدِ فِيهِ وَعَدَمِهِ، وَخُرِّجَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» وَالرُّويَانِيُّ: لَوْ أَكَلَ الْعُودَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَيِّبًا بِهِ إِلَّا بِأَنْ يَتَبَخَّرَ بِهِ، بِخِلَافِ الْمِسْكِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
لَوْ خَفِيَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ، أَوِ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ لِمُرُورِ الزَّمَانِ، أَوْ لِغُبَارٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ، حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ. وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوِ انْغَمَرَ شَيْءٌ مِنَ الطِّيبِ فِي غَيْرِهِ كَمَاءِ وَرْدٍ انْمَحَقَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَلَوِ انْغَمَرَتِ الرَّائِحَةُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ أَوِ الطَّعْمُ، فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.
فَرْعٌ
فِي بَيَانِ الِاسْتِعْمَالِ
هُوَ أَنْ يَلْصَقَ الطِّيبُ بِبَدَنِهِ، أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الطِّيبِ. فَلَوْ طَيَّبَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ بِغَالِيَةٍ، أَوْ مِسْكٍ مَسْحُوقٍ، أَوْ مَاءِ وَرْدٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ الْإِلْصَاقُ بِظَاهِرِ الْبَدَنِ أَوْ بَاطِنِهِ، بِأَنْ أَكَلَهُ أَوِ احْتَقَنَ بِهِ، أَوِ اسْتَعَطَ. وَقِيلَ: لَا فِدْيَةَ فِي الْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطِ، وَلَوْ عَبِقَ بِهِ الرِّيحُ دُونَ الْعَيْنِ بِأَنْ جَلَسَ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ، أَوْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُبَخَّرُ، أَوْ فِي بَيْتٍ تَبَخَّرَ سَاكِنُوهُ فَلَا فِدْيَةَ. ثُمَّ إِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْمَوْضِعَ لِاشْتِمَامِ الرَّائِحَةِ، لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يُكْرَهُ قَطْعًا. وَالْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ وَلَوِ احْتَوَى عَلَى مِجْمَرَةٍ فَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ بَدَنُهُ، أَوْ ثِيَابُهُ، لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ. فَلَوْ مَسَّ طِيبًا فَلَمْ يَعْلُقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِهِ، لَكِنْ عَبِقَتْ بِهِ الرَّائِحَةُ
، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ شَدَّ الْمِسْكَ، أَوِ الْعَنْبَرَ، أَوِ الْكَافُورَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ، أَوْ وَضَعَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي جَيْبِهَا، أَوْ لَبِسَتِ الْحُلِيَّ الْمَحْشُوَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُهُ.
قُلْتُ: وَلَوْ شَدَّ الْعُودَ فَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا بِخِلَافِ شَدِّ الْمِسْكِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ شَمَّ الْوَرْدَ، فَقَدْ تَطَيَّبَ. وَلَوْ شَمَّ مَاءَ الْوَرْدِ، فَلَا بَلِ اسْتِعْمَالُهُ أَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ.
وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا أَوْ طِيبًا غَيْرَهُ، فِي كِيسٍ، أَوْ خِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ، أَوْ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ، أَوْ حَمَلَ الْوَرْدَ فِي ظَرْفٍ، فَلَا فِدْيَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» . وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَشُمُّ قَصْدًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ. وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا فِي فَأْرَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ كَانَتِ الْفَأْرَةُ مَشْقُوقَةً، أَوِ الْقَارُورَةُ مَفْتُوحَةَ الرَّأْسِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا. وَلَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ مُطَيَّبٍ، أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ، أَوْ نَامَ عَلَيْهَا مُفْضِيًا بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ إِلَيْهَا، لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ. فَلَوْ فَرَشَ فَوْقَهُ ثَوْبًا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، أَوْ نَامَ لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ. لَكِنْ إِنْ كَانَ الثَّوْبُ رَقِيقًا كُرِهَ. وَلَوْ دَاسَ بِنَعْلِهِ طِيبًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ.
فَرْعٌ
فِي بَيَانِ الْقَصْدِ
فَلَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الطِّيبِ فَلَا فِدْيَةَ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: تَجِبُ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَجَهِلَ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ.
وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ، وَجَهِلَ كَوْنَ الْمَمْسُوسِ طِيبًا، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَلَوْ مَسَّ طِيبًا رَطْبًا وَهُوَ يَظُنُّهُ يَابِسًا لَا يَعْلُقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْهُ، فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ. رَجَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: الْوُجُوبَ. وَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» : أَنَّهُ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ. وَمَتَى لَصِقَ الطِّيبُ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ بِأَنْ كَانَ نَاسِيًا، أَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى غَسْلِهِ، أَوْ يُنَحِّيَهُ أَوْ يُعَالِجَهُ بِمَا يَقْطَعُ رِيحَهُ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِإِزَالَتِهِ، فَإِنْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ أَخَّرَ إِزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِزَالَةِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّطَيُّبِ، قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» .
قُلْتُ: وَلَوْ لَصَقَ بِهِ طِيبٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَزِمَهُ أَيْضًا الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَتِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: دَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، قَدْ سَبَقَ أَنَّ الدُّهْنَ مُطَيِّبٌ وَغَيْرُهُ. فَالْمُطَيِّبُ: سَبَقَ. وَأَمَّا غَيْرُهُ: كَالزَّيْتِ، وَالشَّيْرَجِ، وَالسَّمْنِ، وَالزُّبْدِ، وَدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. فَلَوْ كَانَ أَقْرَعَ، أَوْ أَصْلَعَ، فَدَهَنَ رَأْسَهُ. أَوْ أَمَرَدَ، فَدَهَنَ ذَقْنَهُ فَلَا فِدْيَةَ. وَإِنْ كَانَ مَحْلُوقَ الرَّأْسِ وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ هَذَا الدُّهْنِ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ، وَيَجُوزُ أَكْلُهُ. وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَجَّةٌ، فَجَعَلَ هَذَا الدُّهْنَ فِي دَاخِلِهَا فَلَا فِدْيَةَ.
فَرْعٌ
لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ، وَيُزِيلَ الْوَسَخَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ عَلَى الْقَدِيمِ. وَلَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخَطْمِيِّ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ كَرَاهَتَهُ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ كَرَاهَتَهُ عَلَى الْقَدِيمِ. وَإِذَا غَسَلَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفُقَ، لِئَلَّا يَنْتِفَ شَعْرَهُ.
فَرْعٌ
يَحْرُمُ الِاكْتِحَالُ بِمَا فِيهِ طِيبٌ، وَيَجُوزُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ. ثُمَّ نَقَلَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي «الْإِمْلَاءِ» : أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ، كَالتُّوتِيَاءِ الْأَبْيَضِ لَمْ يُكْرَهْ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ [زِينَةٌ] كَالْإِثْمِدِ، كُرِهَ إِلَّا لِحَاجَةِ الرَّمَدِ وَنَحْوِهِ.
فَرْعٌ
نَقَلَ الْإِمَامُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: اخْتِلَافَ قَوْلٍ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إِذَا خَضَّبَ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ، وَعَنِ الْأَصْحَابِ طُرُقٌ فِي مَأْخَذِهِ.
أَحَدُهَا: التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ أَمْ لَا، وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ. وَالْأَصْحَابُ قَاطِعُونَ: بِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ كَمَا سَبَقَ.
الثَّانِي: أَنَّ مَنْ يُخَضِّبُ قَدْ يَتَّخِذُ لِمَوْضِعِ الْخِضَابِ غُلَافًا يُحِيطُ بِهِ، فَهَلْ يُلْحَقُ بِالْمَلْبُوسِ الْمُعْتَادِ؟ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهِ.
الثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْخِضَابَ تَزْيِينٌ لِلشَّعْرِ، فَتَرَدَّدَ الْقَوْلُ فِي إِلْحَاقِهِ بِالدُّهْنِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ، وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي خِضَابِ اللِّحْيَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: فَعَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا خَضَّبَتْ يَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ. وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ: يَجْرِي التَّرَدُّدُ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ خِضَابِ يَدِهَا وَشَعْرِ الرِّجْلِ.
فَرْعٌ
لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْتَصِدَ وَيَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا. وَلَا بَأْسَ بِنَظَرِهِ فِي الْمِرْآةِ. وَنُقِلَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله كَرِهَهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.
قُلْتُ: الْمَشْهُورُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ إِنْشَادُ الشِّعْرِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْحَلَالِ إِنْشَادُهُ. وَالسُّنَّةُ: أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ أَنْ يَعْقِصَ شَعْرَهُ وَيَضْرِبَ عَلَيْهِ الْخَطْمِيَّ أَوِ الصَّمْغَ أَوْ غَيْرَهُمَا لِدَفْعِ الْقَمْلِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ صَحَّتْ فِي اسْتِحْبَابِهِ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ وَصَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِهِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» أَيْضًا عَنِ الْأَصْحَابِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْحَلْقُ وَالْقَلْمُ، فَتَحْرُمُ إِزَالَةُ الشَّعْرِ قَبْلَ وَقْتِ التَّحَلُّلِ، وَتَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ، سَوَاءٌ فِيهِ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ، وَسَوَاءٌ الْإِزَالَةُ بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ أَوِ النَّتْفِ أَوِ الْإِحْرَاقِ أَوْ غَيْرِهَا. وَإِزَالَةُ الظُّفْرِ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ سَوَاءٌ قَلَّمَهُ أَوْ كَسَرَهُ، أَوْ قَطَعَهُ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَ أَصَابِعِهِ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ ظُفْرٌ فَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ. وَلَوْ كَشَطَ جِلْدَةَ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ، وَالشَّعْرُ تَابِعٌ. وَشَبَّهُوهُ بِمَا إِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ، بَطَلَ النِّكَاحُ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الصَّغِيرَةِ. وَلَوْ قَتَلَتْهَا، فَلَا مَهْرَ عَلَيْهَا لِانْدِرَاجِ الْبِضْعِ فِي الْقَتْلِ. وَلَوْ مَشَّطَ لِحْيَتَهُ، فَنَتَفَ شَعْرًا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. فَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُنْسَلًّا، أَوِ انْتُتِفَ بِالْمُشْطِ؟ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ.
فَرْعٌ
سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الدِّمَاءِ أَنَّ فِدْيَةَ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ لَهَا خِصَالٌ. إِحْدَاهَا: إِرَاقَةُ دَمٍ، فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ كَمَالِ الدَّمِ عَلَى حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَلَا عَلَى قَلْمِ جَمِيعِ الْأَظْفَارِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يَكْمُلُ الدَّمُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَظْفَارِ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ، أَوْ مِنْهُمَا. هَذَا إِذَا أَزَالَهَا دُفْعَةً فِي مَكَانٍ. فَإِنْ فَرَّقَ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا، فَسَيَأْتِي بَعْدَ النَّوْعِ السَّابِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ حَلَقَ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ، فَأَقْوَالٌ.
أَظْهَرُهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ: أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ، وَفِي شَعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ.
وَالثَّانِي: فِي شَعْرَةٍ دِرْهَمٌ، وَفِي شَعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ.
وَالثَّالِثُ: فِي شَعْرَةٍ ثُلُثُ دَمٍ، وَفِي شَعْرَتَيْنِ ثُلُثَاهُ. وَالرَّابِعُ: فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ دَمٌ كَامِلٌ. وَالظُّفْرُ كَالشَّعْرَةِ، وَالظُّفْرَانِ، كَالشَّعْرَتَيْنِ. وَلَوْ قَلَمَ دُونَ الْمُعْتَادِ، فَكَتَقْصِيرِ الشَّعْرِ. وَلَوْ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِهِ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ رَأْسَ الظُّفْرِ، فَإِنْ قُلْنَا: فِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ دَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ، وَجَبَ بِقِسْطِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: مُدٌّ لَمْ يُبَعَّضْ.
فَرْعٌ
هَذَا الَّذِي سَبَقَ فِي الْحَلْقِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. فَأَمَّا الْحَلْقُ لِعُذْرٍ فَلَا إِثْمَ فِيهِ. وَأَمَّا الْفِدْيَةُ، فَفِيهَا صُوَرٌ.
إِحْدَاهَا: لَوْ كَثُرَ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَحْوَجَهُ أَذَاهَا إِلَى الْحَلْقِ، أَوْ تَأَذَّى بِالْحَرِّ لِكَثْرَةِ شَعْرِهِ فَلَهُ الْحَلْقُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ نَبَتَتْ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ دَاخِلَ جَفْنِهِ، وَتَأَذَّى بِهَا قَلَعَهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَلَوْ طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ، وَغَطَّى عَيْنَهُ، قَطَعَ قَدَرَ الْمُغَطَّى، وَلَا فِدْيَةَ. وَكَذَا لَوِ انْكَسَرَ بَعْضُ ظُفْرِهِ، وَتَأَذَّى بِهِ قَطَعَ الْمُنْكَسِرَ، وَلَا يَقْطَعُ مَعَهُ مِنَ الصَّحِيحِ شَيْئًا.
الثَّالِثَةُ: ذَكَرْنَا أَنَّ النِّسْيَانَ يُسْقِطُ الْفِدْيَةَ فِي الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا عَدَا الْوَطْءَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسَ بِشَهْوَةٍ. وَفِي وَطْءِ النَّاسِي، خِلَافٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ نَاسِيًا؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: تَجِبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَالثَّانِي: مُخَرَّجٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ لَهُ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا حَلَقَ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، كَمُغْمًى عَلَيْهِ. وَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِيًا، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْحَلْقِ. وَقِيلَ: تَجِبُ قَطْعًا.
فَرْعٌ
لِلْمُحْرِمِ حَلْقُ شَعْرِ الْحَلَالِ. وَلَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ أَوِ الْحَلَالُ شَعْرَ الْمُحْرِمِ أَثِمَ. فَإِنْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ نَائِمًا، أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ، وَالثَّانِي: عَلَى الْمَحْلُوقِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوِ امْتَنَعَ الْحَالِقُ مِنَ الْفِدْيَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ، فَهَلْ لِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: نَعَمْ. وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَحْلُوقُ الْفِدْيَةَ بِإِذْنِ الْحَالِقِ جَازَ، وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ، نُظِرَ إِنْ فَدَى بِالْهَدْيِ أَوِ الْإِطْعَامِ، رَجَعَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْإِطْعَامِ، وَقِيمَةُ الشَّاةِ عَلَى الْحَالِقِ. وَإِنْ فَدَى بِالصَّوْمِ فَأَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: لَا يَرْجِعُ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ مِنْ طَعَامٍ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ صَوْمِهِ. وَالثَّالِثُ: يَرْجِعُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ لَوْ فَدَى بِالْهَدْيِ أَوِ الْإِطْعَامِ. وَإِذَا قُلْنَا: يَرْجِعُ
، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ يُخْرِجَ. وَهَلْ لِلْحَالِقِ أَنْ يَفْدِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؟ أَمَّا بِالصَّوْمِ فَلَا، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَنَعَمْ، لَكِنْ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا وَلَا مُكْرَهًا وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ سَكَتَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ الْحَلْقِ، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا: هُوَ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ، وَالثَّانِي: كَمَا لَوْ حَلَقَهُ نَائِمًا. وَلَوْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ شَعْرِ مُحْرِمٍ نَائِمٍ، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآَمِرِ إِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَالِقُ الْحَالَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: وَلَوْ طَارَتْ نَارٌ إِلَى شَعْرِهِ فَأَحْرَقَتْهُ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِطْفَاؤُهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ حُلِقَ رَأَسُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْجِمَاعُ. وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ. وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَفْسُدْ عَلَى الْمَذْهَبِ: وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَفْسُدُ. وَقَوْلٌ قَدِيمٌ: أَنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ، وَيُجَدِّدُ مِنْهُ إِحْرَامًا، وَيَأْتِي بِعَمَلِ عُمْرَةٍ. وَتَفْسُدُ الْعُمْرَةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ، فَهُوَ مِمَّا يَقِفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَاللِّوَاطُ كَالْجِمَاعِ. وَكَذَا إِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
فَرْعٌ
مَا سِوَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ لَا حُرْمَةَ لَهَا بَعْدَ الْفَسَادِ، وَيُخْرَجُ مِنْهَا بِالْفَسَادِ. وَأَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا، وَهُوَ إِتْمَامُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ لَوْلَا الْفَسَادُ.
فَرْعٌ
يَجِبُ عَلَى مُفْسِدِ الْحَجِّ [بِالْجِمَاعِ] بَدَنَةٌ. وَعَلَى مُفْسِدِ الْعُمْرَةِ أَيْضًا بَدَنَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَ [عَلَى] الثَّانِي: شَاةٌ. وَلَوْ جَامَعَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَقُلْنَا: لَا يَفْسُدُ، لَزِمَهُ شَاةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَبَدَنَةٌ عَلَى الثَّانِي. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا، فَفِيهِ خِلَافٌ تَجْمَعُهُ أَقْوَالٌ. أَظْهَرُهَا: يَجِبُ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي شَاةٌ. وَالثَّانِي: بَدَنَةٌ. وَالثَّالِثُ: لَا شَيْءَ فِيهِ. وَالرَّابِعُ: إِنْ كَانَ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، فَدَى الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا. وَالْخَامِسُ: إِنْ طَالَ الزَّمَانُ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ، أَوِ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فَدَى [عَنِ] الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا.
فَرْعٌ
يَجِبُ عَلَى مُفْسِدِ الْحَجِّ الْقَضَاءُ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَنِ الْمُفْسِدِ. فَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَعَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَعَنْهُ. وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ. وَيُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي عَامِ الْإِفْسَادِ، بِأَنْ يُحْصَرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ، فَيَتَحَلَّلَ ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ، فَيَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ. وَفِي وَقْتِ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى الْفَوْرِ. وَالثَّانِي: عَلَى التَّرَاخِي. فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ. كَالْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ. وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ. وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، نُظِرَ إِنْ جَاوَزَهُ مُسِيئًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسِئَ ثَانِيًا. وَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يُحْرِمُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَغْلَظِ الْمَوْضِعَيْنِ مِنَ الْمِيقَاتِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ. وَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُسِيءٍ، بِأَنْ لَمْ يُرِدِ النُّسُكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَ فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ. وَالثَّانِي: لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَسْلُكَ بِالْقَضَاءِ مَسْلَكَ الْأَدَاءِ. وَلِهَذَا لَوِ اعْتَمَرَ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، وَأَفْسَدَهُ كَفَاهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ.
وَلَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا، كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. وَالْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْمِيقَاتِ. أَمَّا لَوْ رَجَعَ ثُمَّ عَادَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ. وَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْأَدَاءِ، بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمَكَانِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَكْمَلُ، فَإِنَّ مَكَانَ الْإِحْرَامِ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَزَمَانَهُ لَا يَتَعَيَّنُ. حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ فِي شَوَّالٍ لَهُ تَأْخِيرُهُ. وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا الِاسْتِشْهَادَ لَا يَخْلُو مِنْ نِزَاعٍ.
قُلْتُ: وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ، أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْأَدَاءِ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ إِذَا سَلَكَ غَيْرَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَدَاءِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُحْرِمَةً أَيْضًا، نُظِرَ إِنْ جَامَعَهَا مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً، لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهَا. وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً عَالِمَةً فَسَدَ. وَحِينَئِذٍ، هَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فَقَطْ بَدَنَةٌ عَنْ نَفْسِهِ؟ أَمْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، كَالصَّوْمِ. وَقَطَعَ قَاطِعُونَ بِإِلْزَامِهَا الْبَدَنَةَ. وَإِذَا خَرَجَتِ الزَّوْجَةُ لِلْقَضَاءِ
، فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَا زَادَ مِنَ النَّفَقَةِ بِسَبَبِ السَّفَرِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ. وَإِذَا خَرَجَا لِلْقَضَاءِ مَعًا، اسْتُحِبَّ أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ. فَإِذَا وَصَلَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ، فَقَوْلَانِ. قَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: تَجِبُ.
فَرْعٌ
ذَكَرْنَا فِي كَوْنِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْقَفَّالُ: هُمَا جَارِيَانِ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِعُدْوَانٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي وَضْعِ الشَّرْعِ، عَلَى التَّرَاخِي كَالْحَجِّ. وَالْكَفَّارَةُ بِلَا عُدْوَانٍ، عَلَى التَّرَاخِي قَطْعًا. وَأَجْرَى الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي الْمُتَعَدِّي بِتَرْكِ الصَّوْمِ. وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ انْقِسَامُ قَضَاءِ الصَّوْمِ إِلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمُتَعَدِّي بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ بِلَا خِلَافٍ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي. وَرُبَّمَا رَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ. وَفِي «التَّهْذِيبِ» وَجْهٌ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» .
فَرْعٌ
يَجُوزُ لِلْمُفْرِدِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ إِذَا أَفْسَدَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مَعَ الْآخَرِ قَارِنًا، وَأَنْ يَتَمَتَّعَ. وَيَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ الْقَضَاءُ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ. وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْقَضَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ. وَإِذَا جَامَعَ الْقَارِنُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَسَدَ نُسُكَاهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ، لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ، وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ مَعَ الْبَدَنَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ
، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. ثُمَّ إِذَا اشْتَغَلَ بِقَضَائِهِمَا، فَإِنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ، فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ، وَإِلَّا فَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَمَالَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ.
قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: وُجُوبُ دَمٍ آخَرَ إِذَا أَفْرَدَ فِي الْقَضَاءِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ، وَالْمُتَوَلِّي، وَخَلَائِقُ آخَرُونَ، وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَرْعِ: لَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ، لَكِنَّهُ نَاقَضَهُ بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْ نُسُكَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَتَى بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، أَمْ لَا. وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ الْأَوْدَنِيُّ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، كَسَدَتْ عُمْرَتُهُ. وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَانِ تَتْبَعُ الْحَجَّ. وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْقَارِنِ مُعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ قَدِمَ الْقَارِنُ مَكَّةَ، وَطَافَ وَسَعَى، ثُمَّ جَامَعَ بَطَلَ نُسُكَاهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ.
فَرْعٌ
إِذَا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ، فَهَلْ يَحْكُمُ بِفَوَاتِ عُمْرَتِهِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، تَبَعًا لِلْحَجِّ، كَمَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِهَا. فَإِنْ قُلْنَا بِفَوَاتِهَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِلْفَوَاتِ، وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ. وَإِذَا قَضَاهُمَا، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَضَائِهِمَا عِنْدَ الْإِفْسَادِ. إِنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ.