الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فِي أُذُنِهِ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله، إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى، وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي أُذُنِهِ:(وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، وَأَنْ يُحَنِّكَهُ بِتَمْرٍ، بِأَنْ يَمْضُغَهُ وَيُدَلِّكَ بِهِ حَنَكَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ، حَنَّكَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ حُلْوٍ، وَأَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِالْمَوْلُودِ، وَيُسْتَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ.
فَصْلٌ
فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» . فَالْفَرْعُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا. وَالْعَتِيرَةُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَّلِ مِنْ رَجَبٍ. وَيُسَمُّونَهَا: الرَّجَبِيَّةُ أَيْضًا. وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تُكْرَهَانِ لِلْخَبَرِ. وَالثَّانِي: لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا، وَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَهُوَ الذَّبْحُ لِآلِهَتِهِمْ، أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ نُفِيُ الْوُجُوبِ، أَوْ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ، أَوْ فِي ثَوَابِ إِرَاقَةِ الدَّمِ. فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ. وَحُكِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ: إِنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ، كَانَ حَسَنًا.
قُلْتُ: هَذَا النَّصُّ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» وَغَيْرِهِ، وَفِي «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» وَغَيْرِهِ حَدِيثٌ آخَرُ
يَقْتَضِي التَّرْخِيصَ فِيهِمَا، بَلْ ظَاهِرُهُ النَّدْبُ، فَالْوَجْهُ الثَّانِي يُوَافِقُهُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ رحمه الله، تَرَكَ مَسَائِلَ مُهِمَّةً تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ.
إِحْدَاهَا: يُكْرَهُ الْقَزَعُ، وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ، سَوَاءً كَانَ مُتَفَرِّقًا أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لِحَدِيثِ «الصَّحِيحَيْنِ» بِالنَّهْيِ عَنْهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ الْقَزَعِ، الصَّحِيحُ: مَا ذَكَرْتُهُ. وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ لَا يَخِفُّ عَلَيْهِ تَعَاهُدُهُ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ لِمَنْ خَفَّ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ فَرْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ.
الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ الِادِّهَانُ غَبًّا، أَيْ: وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ.
الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ الِاكْتِحَالُ وِتْرًا. وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ: ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ.
وَالْخَامِسَةُ: تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَإِزَالَةُ شَعْرِ الْعَانَةِ، بِحَلْقٍ، أَوْ نَتْفٍ، أَوْ قَصٍّ، أَوْ نَوْرَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ. وَيُسْتَحَبُّ إِزَالَةُ شَعْرِ الْإِبِطِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالنَّتْفُ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ قَصُّ الشَّارِبِ، بِحَيْثُ يُبَيِّنُ طَرَفَ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا. وَيَبْدَأُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا، بِالْيَمِينِ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، تَأْخِيرُهَا عَنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلْحَدِيثِ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
السَّادِسَةُ: مِنَ السُّنَّةِ غَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا، وَيَلْتَحِقُ بِهَا إِزَالَةُ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَصِمَاخِهَا، وَفِي الْأَنْفِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ.
السَّابِعَةُ: خِضَابُ الشَّعْرِ الشَّائِبِ بِحُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ سُنَّةٌ، وَبِالسَّوَادِ حَرَامٌ. وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ. وَأَمَّا خِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَمُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، وَحَرَامٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ إِلَّا لِعُذْرٍ.
الثَّامِنَةُ: يُسْتَحَبُّ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ.
التَّاسِعَةُ: ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، فِي اللِّحْيَةِ عَشْرُ خِصَالٍ مَكْرُوهَةٍ: خِضَابُهَا
بِالسَّوَادِ إِلَّا لِلْجِهَادِ، وَتَبْيِيضُهَا بِالْكِبْرِيتِ أَوْ غَيْرِهِ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ، وَنَتْفُهَا أَوَّلَ طُلُوعِهَا إِيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ، وَنَتْفُ الشَّيْبِ، وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ تَحَسُّنًا، وَالزِّيَادَةُ فِيهَا، وَالنَّقْصُ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ فِي شَعْرِ الْعِذَارَيْنِ مِنَ الصُّدْغَيْنِ، أَوْ أَخْذُ بَعْضِ الْعِذَارِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ، وَنَتْفِ جَانِبَيِ الْعَنْفَقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَرْكِهَا شَعِثَةً إِظْهَارًا لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ، وَالنَّظَرِ فِي بَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا إِعْجَابًا وَافْتِخَارًا، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ، وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ.
الْعَاشِرَةُ: فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل، عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» ، وَإِذَا سُمِّيَ إِنْسَانٌ بَاسِمٍ قَبِيحٍ، فَالسُّنَّةُ تَغْيِيرُهُ. وَيَنْبَغِي لِلْوَلَدِ وَالتِّلْمِيذِ وَالْغُلَامِ، أَنْ لَا يُسَمِّي أَبَاهُ وَمُعَلِّمَهُ وَسَيِّدَهُ بِاسْمِهِ. وَيُسْتَحَبُّ تَكْنِيَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، سَوَاءً كَانَ لَهُ وَلَدٌ، أَمْ لَا، وَسَوَاءً كُنِّيَ بِوَلَدِهِ، أَمْ بِغَيْرِهِ. وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ، وَإِذَا كُنِّيَ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَنَّى بِأَكْبَرِهِمْ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ، سَوَاءً كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا، أَمْ غَيْرُهُ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا بَأْسَ بِمُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ بِكُنْيَتِهِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ بِغَيْرِهَا، أَوْ خِيفَ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ فِتْنَةً، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الِاسْمِ. وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ كُنْيَتَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا غَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ مِنَ اسْمِهِ. وَلَا بَأْسَ بِتَرْخِيمِ الِاسْمِ إِذَا لَمْ يَتَأَذَّ صَاحِبُهُ، وَلَا بِتَلْقِيبِ الْإِنْسَانِ بِلَقَبٍ لَا يُكْرَهُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ تَلْقِيبِهِ بِمَا يَكْرَهُهُ، سَوَاءً كَانَ صِفَةً لَهُ، كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْرَجِ، أَوْ لِأَبِيهِ، أَوْ لِأُمِّهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ لِلتَّعْرِيفِ، لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِغَيْرِهِ، نَاوِيًا التَّعْرِيفَ فَقَطْ.
وَثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» وَغَيْرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعَشَاءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» .
فَهَذِهِ سُنَنٌ يَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَجُنْحُ اللَّيْلِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا: ظَلَامُهُ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا» - بِضَمِّ الرَّاءِ - عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، أَيْ: تَجْعَلُوهُ عَرْضًا. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ» هِيَ - بِالْفَاءِ جُمَعُ فَاشِيَةٍ - وَهُوَ كُلُّ مَا يُنْشَرُ مِنَ الْمَالِ كَالْبَهَائِمِ وَغَيْرِهَا، وَفُحْمَةُ الْعِشَاءِ: ظُلْمَتُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.