الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَتِ الْأَرْضُ الْمَبِيعَةُ مُلَاصِقَةً لِلشَّارِعِ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي سُلُوكُ مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهَا الدُّخُولُ مِنَ الشَّارِعِ، فَيُنَزَّلُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ مُلَاصِقَةً مِلْكِ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْمُرُورِ فِيمَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ، بَلْ يَدْخُلُ مِنْ مِلْكِهِ الْقَدِيمِ. وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِيهِ احْتِمَالًا، قَالَ: وَهَذَا إِذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ، أَمَّا إِذَا قَالَ: بِحُقُوقِهَا، فَلَهُ الْمَمَرُّ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا فَلَهُ الْمَمَرُّ، فَإِنْ نَفَى الْمَمَرَّ، نَظَرَ، إِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانُ كَمَنْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقَدْرُ، فَالْمَبِيعُ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ السَّلَمُ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ بِاسْمِ الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ فِيهِمَا جَمِيعًا قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا، فَمَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنَ العِوَضَيْنِ، اشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ مِلْءَ هَذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الصَّنْجَةِ ذَهَبًا، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ، وَأَحَدُهُمَا لَا يَعْلَمُ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، لِلْغَرَرِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ مَجْهُولَةً فِي الْحَالِ. وَقِيلَ: إِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، لَمْ يَصِحَّ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَلَّا يَكْفِيَ عِلْمُهُمَا بِالْقِيمَةِ، بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ قَصْدُهُمَا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْمُسْتَظْهَرِيِّ» فِيمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمَا حَالَ الْعَقْدِ قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ،
ثُمَّ عَلِمَا فِي الْحَالِ طَرِيقَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي: عَلَى وَجْهَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِأَلْفٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، لَمْ يَصِحَّ.
فَرْعٌ:
إِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، اشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ، أَوْ نُقُودٌ يَغْلِبُ التَّعَامُلُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، انْصَرَفَ الْعَقْدُ إِلَى الْمَعْهُودِ وَإِنْ كَانَ فُلُوسًا، إِلَّا أَنْ يُعَيَّنَ غَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشًا، فَفِي صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ بِهِ وَجْهَانِ ذَكْرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ «الزَّكَاةِ» ، إِلَّا أَنَّا خَصَّصْنَاهُمَا بِمَا إِذَا كَانَ قَدْرُ النَّقْرَةِ مَجْهُولًا، وَرُبَّمَا نَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ الْوَجْهَيْنِ مُطْلَقًا، وَوَجَّهُوا الْمَنْعَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ عَمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، فَصَارَ كَمَا لَوْ شِيبَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَبِيعَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَحُكِيَ وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْغِشُّ غَالِبًا، لَمْ يَجُزِ التَّعَامُلُ بِهَا. وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا، جَازَ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ، الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا، يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَلَوْ بَاعَ بِمَغْشُوشَةٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ فِضَّتَهَا قَلِيلَةٌ جِدًّا، فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ أَوْ نُقُودٌ لَا غَلَبَةَ لِبَعْضِهَا، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حَتَّى يُعَيَّنَ. وَتَقْوِيمُ الْمُتْلَفِ يَكُونُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَصَاعِدًا، وَلَا غَالِبَ، عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ. وَلَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ، فَهَلْ يَنْصَرِفُ الذِّكْرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَنْصَرِفُ كَالنَّقْدِ. وَمِنْ صُوَرِهِ: أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنَ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ بِشَعِيرٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ. وَكَمَا يَنْصَرِفُ الْعَقْدُ إِلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، يَنْصَرِفُ فِي الصِّفَاتِ إِلَيْهِ أَيْضًا. حَتَّى لَوْ بَاعَ بِدِينَارٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَالْمَعْهُودُ فِي الْبَلَدِ الصِّحَاحُ، انْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ الْمُكَسَّرَ، انْصَرَفَ إِلَيْهِ. قَالَ فِي «الْبَيَانِ» : إِلَّا أَنْ تَتَفَاوَتَ قِيمَةُ
الْمُكَسَّرِ، فَلَا يَصِحُّ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، لَوْ كَانَ الْمَعْهُودُ، أَنْ يُؤْخَذَ نِصْفُ الثَّمَنِ مِنْ هَذَا، وَنِصْفُهُ مِنْ ذَاكَ، أَوْ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ يُعْهَدُ التَّعَامُلُ بِهَذَا مَرَّةً، وَبِهَذَا مَرَّةً، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَسَلَّمَ مَا شَاءَ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ غَالِبَانِ وَأُطْلِقَ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ صَحِيحٌ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّنْصِيفِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إِذَا قَالَ: بِعْتُ بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً.
قُلْتُ: لَا جَرَيَانَ لَهُ هُنَاكَ، وَالْفَرْقُ كَثْرَةُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ:
لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ، فَجَاءَ بِصَحِيحَيْنِ وَزْنُهُمَا مِثْقَالٌ، لَزِمَهُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. وَإِنْ جَاءَ بِصَحِيحٍ وَزْنُهُ مِثْقَالٌ وَنِصْفٌ، قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ، لِمَا فِي الشَّرِكَةِ مِنَ الضَّرَرِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي «الْبَيَانِ» نَحْوُ هَذَا، فَلَوْ تَرَاضَيَا بِهِ، جَازَ. وَحِينَئِذٍ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا كَسْرَهُ، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، لِمَا فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنَ الضَّرَرِ. وَلَوْ بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدَوَّرًا، جَازَ إِنْ كَانَ يَعُمُّ وُجُودُهُ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، فَعَلَيْهِ شَقٌّ وَزْنُهُ نِصْفُ مِثْقَالٍ. فَإِنْ سَلَّمَ إِلَيْهِ صَحِيحًا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مِثْقَالٍ وَتَرَاضَيَا بِالشَّرِكَةِ فِيهِ، جَازَ. وَلَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ بَاعَهُ شَيْئًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ سَلَّمَ صَحِيحًا عَنْهُمَا، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا، وَإِنْ سَلَّمَ قِطْعَتَيْنِ وَزْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ، جَازَ. فَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي تَسْلِيمَ صَحِيحٍ عَنْهُمَا، فَالْعَقْدُ الثَّانِي فَاسِدٌ، وَالْأَوَّلُ مَاضٍ
عَلَى الصِّحَّةِ إِنْ جَرَى الثَّانِي بَعْدَ لُزُومِهِ، وَإِلَّا، فَهُوَ إِلْحَاقُ شَرْطٍ فَاسِدٍ بِالْعَقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ:
لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ قَدِ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَيُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا إِلَى مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا، فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا إِلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا، صَحَّ. ثُمَّ إِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ أَحْضَرَهُ، فَذَاكَ، وَإِلَّا، فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنِ الثَّمَنِ، هَلْ يَجُوزُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ. وَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، اسْتُبْدِلَ، وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: يَنْفَسِخُ. فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبَلَدِ، إِلَّا أَنَّهُ عَزِيزٌ، فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ، صَحَّ الْعَقْدُ. فَإِنْ وُجِدَ، فَذَاكَ، وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ. وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ، لَمْ يَصِحَّ. فَلَوْ كَانَ النَّقْدُ الَّذِي جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ مَوْجُودًا، ثُمَّ انْقَطَعَ. فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ، اسْتُبْدِلَ، وَإِلَّا، فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ.
فَرْعٌ:
لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ النَّقْدَ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إِلَّا ذَاكَ النَّقْدُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَرَخُصَتْ، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَجَازَ الْعَقْدَ بِذَلِكَ النَّقْدِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
فَرْعٌ:
لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ، أَوِ الثَّوْبَ، كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ، كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ، صَحَّ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ التَّفْصِيلِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يَصِحُّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَشَرَةً مِنْ هَذِهِ الْأَغْنَامِ بِكَذَا، لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الثَّوْبِ وَالصُّبْرَةِ وَالْأَرْضِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشِّيَاهِ تَخْتَلِفُ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَصِحُّ فِي صَاعٍ فَقَطْ.
قُلْتُ: وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ وَشَيْخُهُ الصِّحَّةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ مِثْلَهُ فِي الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ، نَظَرَ، إِنْ خَرَجَ كَمَا ذَكَرَ، صَحَّ الْبَيْعُ. وَإِنْ خَرَجَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا، فَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَصِحُّ، لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، لِإِشَارَتِهِ إِلَى الصُّبْرَةِ وَيَلْغُو الْوَصْفُ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ خَرَجَ نَاقِصًا، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ. فَإِنْ أَجَازَ، فَهَلْ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِمُقَابَلَةِ الصُّبْرَةِ بِهِ، أَمْ بِالْقِسْطِ لِمُقَابَلَةِ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ؟ وَجْهَانِ. وَإِنْ خَرَجَ زَائِدًا، فَلِمَنْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لِلْمُشْتَرِي، فَلَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا، وَلَا لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: يَكُونُ لِلْبَائِعِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ:
هَذَا الَّذِي سَبَقَ، هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا، فَلَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ. فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، أَوْ بِعْتُكَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، صَحَّ وَتَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ، لَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا؟ قَوْلَانِ.
قُلْتُ: أَظْهَرُهُمَا: يُكْرَهُ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَكَذَا الْبَيْعُ بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ مَكْرُوهٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَتِ الصُّبْرَةُ عَلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ، أَوْ بَاعَ السَّمْنَ أَوْ نَحْوَهُ فِي ظَرْفٍ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ رِقَّةً وَغِلَظًا، فَثَلَاثُ طُرُقٍ. أَصَحُّهَا: أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ، وَالثَّالِثُ: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى الْمُحَقِّقِينَ. فَإِنْ قُلْنَا: بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ، أَوِ التَّمَكُّنُ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ مَا تَحْتَهَا، وَإِنْ قُلْنَا: بِالْبُطْلَانِ، فَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهَا عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ، ثُمَّ بَانَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ، فَهَلْ نَتَبَيَّنُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا، وَلَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، كَالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ:
لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ إِلَّا صَاعًا، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ، صَحَّ، وَإِلَّا، فَلَا.