الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ
الدِّمَاءِ
الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَنَاسِكِ، سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِتَرْكٍ وَاجِبٍ، أَوِ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ، إِذَا أَطْلَقْنَاهَا، أَرَدْنَا شَاةً. فَإِنْ
[كَانَ] الْوَاجِبُ غَيْرَهَا، كَالْبَدَنَةِ فِي الْجِمَاعِ، نَصَصْنَا عَلَيْهَا. وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا جَمِيعُهَا إِلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَةِ، إِلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، فَيَجِبُ الْمِثْلُ، فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ. وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ شَاةٌ، جَازَ لَهُ ذَبْحُ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ مَكَانَهَا، إِلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَإِذَا ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً مَكَانَ الشَّاةِ، فَهَلِ الْجَمِيعُ فَرْضٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا أَمِ الْفَرْضُ سُبْعُهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَكْلُ الْبَاقِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ سُبْعُهَا، صَحَّحَهُ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً وَنَوَى التَّصَدُّقَ بِسُبْعِهَا عَنِ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَأَكَلَ الْبَاقِيَ، جَازَ. وَلَهُ أَنْ يَنْحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ. وَلَوِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي ذَبْحِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، وَأَرَادَ بَعْضُهُمُ الْهَدْيَ، وَبَعْضُهُمُ الْأُضْحِيَةَ، وَبَعْضُهُمُ اللَّحْمَ، جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ، لِإِمْكَانِ الِانْفِرَادِ.
فَصْلٌ
فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا
وَفِيهِ نَظَرَانِ.
أَحَدُهُمَا: النَّظَرُ فِي أَيِّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ؟
وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ، فَمَعْنَى التَّرْتِيبِ: أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنْهُ. وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ.
وَالنَّظَرُ الثَّانِي: فِي أَنَّهُ، أَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ، وَأَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ؟ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ. فَمَعْنَى التَّقْدِيرِ: أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إِلَيْهِ تَرْتِيبًا أَوْ تَخْيِيرًا بِقَدْرٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَمَعْنَى التَّعْدِيلِ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إِلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ. فَكُلُّ دَمٍ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: التَّرْتِيبُ وَالتَّقْدِيرُ. وَالثَّانِي: التَّرْتِيبُ وَالتَّعْدِيلُ. وَالثَّالِثُ: التَّخْيِيرُ وَالتَّقْدِيرُ. وَالرَّابِعُ: التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ. وَتَفْصِيلُهَا بِثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ.
أَحَدُهَا: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ، كَمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ. وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ فِي مَعْنَاهُ. وَفِي دَمِ الْفَوَاتِ، طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ كَدَمَ التَّمَتُّعَ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ.
وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَدَمِ الْجِمَاعِ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا شَاةً، وَالْجِمَاعُ بَدَنَةً، لَاشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
الثَّانِي: جَزَاءُ الصَّيْدِ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ، وَيَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الصَّيْدِ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرِهِ، وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ. وَجَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَسَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ، أَنَّ دَمَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهُوَ شَاذٌّ.
الثَّالِثُ: دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ. فَإِذَا حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِهِ، أَوْ ثَلَاثَ شَعْرَاتٍ، يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً، وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِذَا تَصَدَّقَ بِالْآصُعِ، وَجَبَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى فِي «الْعُدَّةِ» وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ مَا يُعْطَى كُلُّ مِسْكِينٍ.
الرَّابِعُ: الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ، كَالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَبِمِنَى لَيَالِي التَّشْرِيقِ، وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ. وَفِي هَذَا الدَّمِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ: أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الدَّمِ، صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إِلَى التَّقْدِيرِ بِتَوْقِيفٍ. فَعَلَى هَذَا، يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ. فَإِنْ عَجَزَ، قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ. فَإِنْ عَجَزَ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَإِذَا تَرَكَ حَصَاةً، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالًا فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مُدٌّ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ ثُلُثُ شَاةٍ؟ فَإِنْ عَجَزَ، فَالطَّعَامُ، ثُمَّ الصَّوْمُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ. فَإِنْ عَجَزَ، لَزِمَهُ صَوْمُ الْحَلْقِ. وَالرَّابِعُ: دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ.
الْخَامِسُ: دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ، كَالتَّطَيُّبِ وَالِادِّهَانِ وَاللَّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. الْأَصَحُّ: أَنَّهُ دَمُ تَخْيِيرٍ، وَتَقْدِيرٍ، كَالْحَلْقِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّرَفُّهِ. وَالثَّانِي: تَخْيِيرٌ وَتَعْدِيلٌ، كَالصَّيْدِ. وَالثَّالِثُ: تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ. وَالرَّابِعُ: تَرْتِيبٌ وَتَقْدِيرٌ، كَالتَّمَتُّعِ.
السَّادِسُ: دَمُ الْجِمَاعِ،
[وَ] فِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ، وَاخْتِلَافُ مُنْتَشِرٍ، الْمَذْهَبُ مِنْهُ: أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، فَيَجِبُ بَدَنَةٌ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا، فَبَقَرَةٌ. فَإِنْ عَجَزَ، فَسَبْعَةٌ مِنَ الْغَنَمِ. فَإِنْ عَجَزَ، قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمُ بِطَعَامٍ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ. فَإِنْ عَجَزَ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَقِيلَ: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْغَنَمِ، قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ. فَإِنْ عَجَزَ، أَطْعَمَ، فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ هُنَا، بَلْ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْغَنَمِ، ثَبَتَ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ. وَلَنَا قَوْلٌ: وَقِيلَ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَالْغَنَمِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا، فَالْإِطْعَامُ