الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِمَا عَلَى مُتْلِفِهِمَا، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، كَصَيْدِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ. فَعَلَى هَذَا، ضَمَانُهُمَا بِالْقِيمَةِ، وَمَصْرِفُهُمَا مَصْرِفُ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَصْرِفُهُ بَيْتَ الْمَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
الْمَحْظُورَاتُ، تَنْقَسِمُ إِلَى اسْتِهْلَاكٍ، كَالْحَلْقِ، وَإِلَى اسْتِمْتَاعٍ، كَالطِّيبِ. وَإِذَا بَاشَرَ مَحْظُورَيْنِ. فَلَهُ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْتِهْلَاكًا، وَالْآخَرُ اسْتِمْتَاعًا، فَيَنْظُرُ، إِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، كَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَلِبْسِ الْقَمِيصِ، تَعَدَّدَتِ الْفِدْيَةُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَإِنِ اسْتَنَدَ إِلَى سَبَبٍ، كَمَنْ أَصَابَتْ رَأَسَهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ إِلَى حَلْقِ جَوَانِبِهَا وَسَتْرِهَا بِضِمَادٍ فِيهِ طِيبٌ، تَعَدَّدَتْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: تَتَدَاخَلُ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا اسْتِهْلَاكًا، وَهَذَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ الصَّيُودُ فَتَعَدُّدُ الْفِدْيَةِ، سَوَاءً فَدَى عَنِ الْأَوَّلِ، أَمْ لَا، اتَّحَدَ الْمَكَانُ، أَوِ اخْتَلَفَ، وَالَى بَيْنَهُمَا أَوْ فَرَّقَ، كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ، وَالْآخَرُ لَيْسَ مُقَابَلًا، كَالصَّيْدِ وَالْحَلْقِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُقَابَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَيَنْظُرُ، إِنِ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا، كَالْحَلْقِ وَالْقَلَمِ، تَعَدَّدَتْ، سَوَاءً فَرَّقَ أَوْ وَالَى فِي مَكَانٍ أَوْ مَكَانَيْنِ، بِفِعْلَيْنِ أَمْ بِفِعْلٍ، كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِدْيَتَانِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا وَطَلَى رَأْسَهُ بِطِيبٍ سَتَرَهُ بِكَفَّيْهِ،
[فَعَلَيْهِ] فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ وَتَبَعِيَّةِ الطِّيبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنِ اتَّحَدَ النَّوْعُ، بِأَنْ حَلَقَ فَقَطْ، فَقَدْ سَبَقَ، أَنَّ حَلْقَ ثَلَاثِ شَعْرَاتٍ، فِيهِ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ. وَلَوْ حَلَقَ جَمِيعَ الرَّأْسِ دُفْعَةً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، فَفِدْيَةٌ فَقَطْ. وَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ مُتَوَاصِلًا، فَفِدْيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: فِدْيَتَانِ. وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ مَكَانٍ، فِي زَمَانَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ، فَالْمَذْهَبُ: التَّعَدُّدُ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا لَوِ اتَّحَدَ نَوْعُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَاخْتَلَفَ الْمَكَانُ أَوِ الزَّمَانُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعْرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: كُلُّ شَعْرَةٍ تُقَابَلُ بِثُلُثِ دَمٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَلْقِهَا دُفْعَةً أَوْ دُفْعَاتٍ. وَإِنْ قُلْنَا: الشَّعْرَةُ بِمُدٍّ أَوْ دِرْهَمٍ، وَالشَّعْرَتَانِ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ الْآنَ. فَإِنْ لَمْ نُعَدِّدِ الْفِدْيَةَ فِيمَا إِذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي دُفْعَاتٍ، وَلَمْ نَجْعَلْ لِتُفَرُّقِ الزَّمَانِ أَثَرًا، فَالْوَاجِبُ دَمٌ. وَإِنْ عَدَّدْنَا وَجَعَلْنَا التَّفْرِيقَ مُؤَثِّرًا، قَطَعْنَا حُكْمَ كُلِّ شَعْرَةٍ عَنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَأَوْجَبْنَا ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ فِي قَوْلٍ، وَثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي قَوْلٍ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ اسْتِمْتَاعًا. فَإِنِ اتَّحَدَ النَّوْعُ، بِأَنْ تَطَيَّبَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الطِّيبِ، أَوْ لَبِسَ أَنْوَاعًا، كَالْعِمَامَةِ، وَالْقَمِيصِ، وَالسَّرَاوِيلِ، وَالْخُفِّ، أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، نُظِرَ، إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَكَانٍ عَلَى التَّوَالِي، لَمْ تَتَعَدَّدِ الْفِدْيَةُ، وَلَا يَقْدَحْ فِي التَّوَالِي طُولَ الزَّمَانِ فِي مُضَاعَفَةِ الْقُمُصِ وَتَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَكَانَيْنِ، أَوْ مَكَانٍ، وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَتَخَلَّلِ التَّكْفِيرُ، فَقَوْلَانِ. الْجَدِيدُ: يَجِبُ لِلثَّانِي فِدْيَةٌ أُخْرَى. وَالْقَدِيمُ: يَتَدَاخَلُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَجَمَعَهُمَا سَبَبٌ وَاحِدٌ، بِأَنْ تَطَيَّبَ، أَوْ لَبِسَ مِرَارًا لِمَرَضٍ وَاحِدٍ، فَوَجْهَانِ.