الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لنفسه، وقد قال في بيان أنه مغرور، ولا يكون الغرور صادقا:
(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا
(78)
الاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الوقوع، فهو بمعنى النفي لما دخل الاستفهام عليه ومقابله، فهو لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عند اللَّه عهدا.
قال الزمخشري في قوله: (أَطَلَعَ الْغَيْبَ) معناه أرتقى علم الغيب، من قِبَل قولهم: اطلع الجيل ارتقاه. وأرى أن قوله: اطلع تتضمن الرؤية، وهنا همزة استفهام، وهمزة الفعل، والمعنى أراى الغيب عيانا، أم اتخذ عهدا عند اللَّه تعالى، وإن شيئا من ذلك لم يحدث، فهو لم ير الغيب عيانا؛ إذ هو مطموس الفكر والنفس والقلب، وهو لَا عهد له عند اللَّه، كما قال تعالى:(. . . لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
(كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا
(79)
ويذكر المحدثون جميعا أن سبب نزول هذه الآية أن خباب بن الأرت المؤمن الذي عُذب في سبيل الله كان قينا، أي حدادا فصنع للعاص بن وائل شيئا فطالبه بأجرته، فلم يعطه حتى يكفر بمحمد فقال: لَا، فقال: إنكم تقولون إنكم ستبعثون، وسيكون لي ذهب فإني معطيك منه، فنزلت هذه الآيات. وقد رد الله تعالى كلامه فقال سبحانه:(سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا) وإن ما يقوله مكتوب في علم اللَّه تعالى الذي لَا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا يحصيها فكيف يقال: (سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ) بالسين التي تؤكد الكتابة في المستقبل، واللَّه به عليم، وقد أجاب الزمخشري عن ذلك بأن معنى (سَنَكْتُبُ)، أي سنظهر المكتوب، وأحسب أن معنى (سَنَكْتُبُ)، أي سنكتبه في كتابه الذي يقرأ عليه والذي ينطق بسيئاته حجة عليه قائمة لَا يكون له سبيل لإنكاره، أي نسجِّله عليه في صكِّه المنشور يوم القيامة.
ونمد له في غروره مدا، وسمي ذلك عذابا؛ لأنه سبب لعذابه، فذكر المسبب وأريد السبب، وذلك جائز في المجاز المرسل واللَّه تعالى أعلم. ثم يقول تعالى: