الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44).
فهذا النص الكريم يوضح نزول المطر من السحاب المتكاثف بقدرة اللَّه تعالى وما كانت لتدرّه إلا بأمر اللَّه، وإنه ينزل المطر إلى الأرض لتعمل أيدي الزراع فتبذر البذور وترجو الثمار من الرب، وتخضر الأرض، ولذا قال تعالى:(فتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً)، " الفاء " عاطفة، وهي للتعقيب، وبظاهر اللفظ يكون الاخضرار عقب نزول المطر بلا تراخ في الزمن، وكيف يكون وثمة تراخ بإنبات البذر وظهور عيدانه، وصيرورة الأرض مخضرة؟ والجواب عن ذلك أن التراخي في أعمال العباد، وليس من اللَّه، بل إن إرادة الله لَا تراخي فيها، إنما هي أن يقول كن فيكون؛ ولأن التعبير بـ " الفاء " التي تفيد الفورية فيه تنجيه إلى عجائب الله في الخلق والتكوين، إذ يكون من التلاقح بين الماء والأرض اليابسة نبات مخضر تزدان به الأرض، وتكون ذات منظر بهيج، وقد وصف سبحانه الأرض بأنها مخضرة إذ اختفت طينتها، ولم تبد إلا خضرة زرعها، والاخضرار للزرع لَا لها؛ ولكن لأنه فيها سنح أن توصف هي بالاخضرار باعتبار ما فيها، ولأنه صار لها كسوة باهرة زاهرة.
وختم اللَّه تعالى الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، أي لطيف بعباده عليم علما دقيقا علم خبرة بما ينفعهم ويقوم به عيشهم، فيوفقهم له.
وجملة (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، في مقام التعليل لإنعامه بهذه النعم الكثيرة المتوالية نعمة تلو أخرى.
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(64)
هذه الجملة في مقام التعليل للآية السابقة، أي أن اللَّه ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض اليابسة مخضرة تكون بهجة للناظرين؛ لأن اللَّه تعالى (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)، وله ما فيها، وهو سبحانه وتعالى غني عن عباده، فهو
غير محتاج إليهم وهم محتاجون إليه فاللَّه هو الغني، ونحن الفقراء إليه، ولأنها في معنى التعليل لما تضمنته الآية السابقة كان الفصل بينهما ولم يكن وصل بـ " الواو " و " اللام " للملكية، فاللَّه تعالى مالك لما في السماوات من شمس وقمر ونجوم مسخرات بأمره، ومالك لما في الأرض من جبال ووهاد، وزروع وثمار، وحيوان وأنعام، وإبل وأفراس، وما في باطنها من فلزات ومعادن وكنوز، وما فيها من لآلئ وجواهر، ولحم طري، كل ذلك للَّه، لأنه خالقه، (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وتعريف الطرفين في قوله تعالى:(وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) يدل على القصر والاختصاص، فاللَّه وحده هو الغني، وجميع الوجود محتاج إليه سبحانه، والحميد بمعنى المحمود، فهو " فعيل " بمعنى مفعول، فهو وحده المستحق لأن يُحمد، ولا يحمد في الوجود سواه.
وقد تأكد غناه سبحانه جل جلاله، بـ " إن " الدالة على التوكيد، وبـ " اللام " في قوله:(لَهُوَ)، وبضمير الفصل، وبتعريف الطرفين كما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الناسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، وكل الوجود يحتاج إليه سبحانه، وهو لَا يحتاج لشيء في الوجود.
* * *
فضل الله على خلقه
قال اللَّه تعالى:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ