الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمَّلوها أنفسهم، وهناك قراءة (حَمَلنا)(1)، والأوزار جمع وزر، وهو الحمل الثقيل، ويصح أن يكون حمل بعضنا بعضا ما في عهدته من زينة القوم أي من ذهبهم، وكون الأوزار أحمالا ثقيلة لَا تخلو من إثم؛ لأن الوزر يطلق على الإثمِ باعتباره حملا ثقيلا على النفوس، كما قال تعالى:(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)، وهذه الأحمال كان فيها آثام؛ لأنها من زينة بني مصر كانوا استعاروها منهم، فما كانوا يملكون مثلها لإيذاء فرعون لهم، وإذلالهم فأخذوا يكثرون من الاستعارة عندما أذن لهم بالرحيل، وقؤله (فَقَذَفْنَاهَا) أي ألقيناها، ولذا قالوا (فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ)، وتدل الروايات على أن قذفهم لها كان في النار لتصهر، وفعل السامري مثلهم، وقد كان دبَّر ذلك معهم، ويروى أنه قال لهم: إن موسى يلومنا على ما أخذنا من زينة القوم فلنلقها في النار لتصهر ولا يراها.
وإن هذا يدل على أنه كانت إرادة، وإنه كان إصرار على الجريمة، وأنهم سلكوا الطريق إلى أسبابها من أوله إلى آخره.
ْوإذا كانت الجريمة عبادة العجل، فقد وضعوا السبب الأول لصناعته، وتولى كبر الصناعة السامري ودعاهم إلى عبادته فعبدوه.
وقد ذكر سبحانه ما صنعه السامري فقال عز من قائل عنه:
(1) قراءة (حملنا) بالبناء للفاعل، وتخفيف الميم: أبو عمر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف - غير حفص ورويس - وقرأ الباقون بالبناء للمجهول، وتشديد الميم. غاية الاختصار 2/ 571.
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ
(88)
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
عندما ألقيت زينة القوم من الذهب، وكانت أحمالا ثقالا، وارتكبوا أوزارا كبارا لأنها كانت عاريات اغتصبوها، وأموالا سرقوها؛ لأن جحود العواري يعدّ من السرقات. يقول المفسرون إلا من أدركوا العصر الحاضر، وعلموا أخبار المصريين وصناعتهم، قالوا: إن السامري رأى الأمين جبريل بعد أن صنع العجل، أخذ قبضة من الأرض التي سار عليها جبريل أو فرسه فألقاها في المصنوع فصار يخور كما يخور العجل، وسرى في جسمه ماء الحياة، فصار جسدا له خوار.
ذلك كلامهم وروجوه بأمرين: بأنه جسد أو له جسد، والجسد لَا يكون إلا للجسم الحي، فلا يقال عن الحجر إنه جسد، كما لَا يقال عن أي جماد إنه جسد، والأمر الثاني: قوله تعالى: (لَّهُ خُوَارٌ) والخوار لَا يكون إلا لعجل حي، فما الحيلة في هذا، لقد أعملوا تفكيرهم مستعينين بالإسرائيليات التي حشرت في كتب التفسير فانتهوا إلى هذا القول.
ونحن نرى أن ذلك القول غير معقول، فإن ملائكة الله تعالى لَا تسير في صورة حي إلا بأمر من الله، وإلا لنبي، وما كان السامري نبيا، وما كان ثمة دليل منقول يقرر ذلك القول، وما ادعاه السامري عندما ناقشه موسى في هذا البهتان، وإنه عدَّ ذلك الإفك من تسويل النفس وتزيينها الباطل، فكيف يكون تزيينا للباطل، ويكون بتتبع آثار جبريل، وأيضا فإن الحياة تكون بإذن من الله تعالى، ومع ذلك يقول السامري (. . . وَكذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي).
وإن الأمر المعقول أن نقول: إن السامري كما ذكر ألقى الذهب هو ومن معه ذهب من زينة القوم من بني إسرائيل ألقوها في النار فصهرت حتى صارت سائلا، وبما تعلمه من الصناعات المصرية صنعه على شكل عجل، ووضعه في مهب الرياح فدخل الهواء في خروقه بصوت الريح في أجوافه - فصار له خوار كخوار الثور، وما زلنا نرى في لعب الأطفال مثل هذه الأصوات في اللعب.
وما إن رأى الإسرائيليون هذا حتى قالوا يخاطب بعضهم بعضا (هَذَا إلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ)، أي السامري، (فَنَسِيَ) هنا معناها ترك، فأطلق النسيان وأريد تركه، ونسب النسيان إليه مع أن عباد العجل جميعا تركوا أو نسوا عبادة الله وحده، ونسوا الحق؛ وذلك لأنه هو الذي أخرجه بصناعته، وفي التعبير بـ (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا) ما يشير إلى أنه صنعه صناعة. بقي أن نرد على من فهم أن الجسد لَا يكون إلا جسما حيا يجري فيه الدم فنقول: إن الجسد والجسم لهما معنى يشتركان فيه، ومعنى يختص به الجسم، فالجسم يقال على كل الأشياء ما يتجسد ويصور، وما لَا يتجسد ولا يصور فيقال: