الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثالث - أنه قال: (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) وذلك أدب الاتباع، فالاتباع يقتضي الطاعة، والصحبة تقتضي عدم المنافرة والمخالفة.
أخذ العبد الصالح يبين حدود الصبر، وأنه صبر على الامتناع عن السؤال عن سبب الفعل مع غرابة الفعل في ذاته، وهذه طاقة عالية في الصبر، فإن العقل طُلَعَة يريد تعرف سبب كل واقع، وسر كل مجهول، فقال:
(قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
(70)
قال العبد الصالح لموسى وقد وعده بالصبر، والفاء للإفصاح عن الاتباع المشروط بالصبر، أي إن صبرت فاتبعتني فمقتضى ذلك ألا تسألني عن شيء تستغربه، (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) لعلته، أي لَا تسألني حتى أبادئك بالبيان، وذلك من مقتضيات الصبر، ومن آداب المتعلم أمام المعلم، والتابع للمتبوع لا يبادره حتى يبين هو ما عنده، والتعبير بالذكر يشير إلى أن ما يخبر به من بعد هو تذكير بقدرة اللَّه تعالى.
بعد هذه المواثيق بين موسى كليم اللَّه تعالى والعبد الصالح عليهما السلام أخَذَا في السير؛ ولذا قال تعالى:
(فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا
(71)
(الفاء) في (فَانطَلَقَا) للترتيب والتعقيب، أي أنهما عقب أخذ هذه المواثيق، انطلقا فور ذلك الاتفاق، والتعبير بـ (انطلقا) يومئ إلى أن كليهما فرح بهذه الصحبة وسارا ما شاء الله أن يسيرا إلى أن وجدا سفينة، وكان السير على سيف البحر، (حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا)، أي أنه خرقها وقت أن ركبها، وفى الصحيحين أنهما لم يدفعا أجرا، وخلع لوحا منها، لم يدرك موسى عليه السلام الذي أوتي علم المباح والممنوع، ولم يعط من علم الغيب شيئا، لم يدرك، فقال:(أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) اللام في (لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) لام العاقبة،