الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكر القرآن الكريم ذلك من أخبارهم فقال تعالى: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأجُوجُ وَمَأجُوجُ) أي فتح سدهم ولم يعد مانعهم، وعبر عن فتحته بـ (فُتحَتْ) بالبناء للمجهول، أي فتح لهم لأمر يعلمه الله تعالى، وعبر بالبناء للمجهول، وأضيف (الفتح) إليهم للدلالة على هولهم، وكأنَّهم نيران أو حجارة فتحت على الناس، وكأنهم جهنم الدنيا (مِّن كُلِّ حَدَبٍ) أي نشز (1) من الأرض (يَنسِلُونَ) يسرعون، مشتق من نسلان الذئب أي سرعته.
هذا أمر وقع، ورآه التاريخ، واستمر يشغل الأرض الإسلامية القرن الثامن الهجري، وإن الإخبار به قبل يوم القيامة يدل على أمرين: أولهما أنه يكون على مقربة من القيامة، وأنهم هلاك للناس في الدنيا، وثانيهما أنه معجزة من إعجاز القرآن؛ لأنه سبحانه أخبر عن أمر يقع في المستقبل، فوقع كما أخبر سبحانه، فكان ذلك دليلا على أنه من علم الله تعالى علام الغيوب، وأنه من قوله الحكيم.
وذكر بعد ذلك سبحانه قرب يوم القيامة فقال عز من قائل:
(1) الحدب الأكمة، والنشز ما ارتفع من الأرض. وروى مسلم في صحيحه (7322) عن النواس بن سمعان حديثا ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدجال، إلى أن قال:". . . فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ".
(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
(97)
(الْوَعْدُ الْحَقُّ)، هو الوعد بالبعث، وما وراءه من قيامة وحساب، وهو حق لأنه صادق وثابت لَا يرتاب فيه إلا المبطلون، و " الواو " عاطفة على (فُتِحَتْ يَأجُوجُ وَمَأجُوجُ)، وهذا دليل على اقتران فتح ما سُدَّ على يأجوج ومأجوج بالوعد الحق،
وذلك لأن الدنيا تكون قد فسدت واضطربت فيها موازين، واستحكم الشر، فمنذ الغزوات المغولية، والعالم يموج بالشر، ويمرج بالفساد، فجاءت بعده الغزوات الصليبية الشرسة، ومن بعدها تكون شذاب العالم (1) في القارتين الأمريكيتين، وأعطيت الشمالية علم إبليس وعقله، وخلقه الشرير، واتخذت الذرائع التي يمكن بها إبادة العالم، ولا ضمير يمنع، ولا زاجر يردع، وهي من وقت لآخر تهدد بالفناء، حتى صار العالم قاب قوسين من أن ينزل به أشد الخراب بفعل الإنسان، ولعل قيام القيامة يكون بإرادة من الله، ويسخر لها عملا من أعمال الإنسان، وقد ابتدأ الخراب بفتح السدود أمام يأجوج ومأجوج، وختم بإخوانهم الأمريكان الذين لم يدعوا قائما من الأخلاق والفضيلة حتى قوضوه.
وقد صور حال الناس عند البعث وقيام القيامة، وقد اضطرب الوجود، (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَار الَّذِينَ كفَرُوا)" الفاء " واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا جاء الوعد الحق فإذا. . .، فـ " الفاء " و " إذا " الفجائية جواب هذا الشرط المقدر وهي للحال، أي فإذا الحال شاخصة أبصار الذين كفروا، أي واقفة أعينهم لَا تتحرك، فمعنى شخوص العين أنها تفتح فلا تطرف، وذلك يكون في حال الفزع والهلع، وهذا تصوير لحالهم من الفزع فقد شبهت حالهم بحال من تكون أبصارهم شاخصة هلعا وفزعا، والجامع بينهم الفزع.
وذكر الموصول (الَّذِينَ كَفَرُوا) للإشارة إلى أن سبب فزعهم كفرهم، فهو فزع لا يعرف له نهاية لسوء ما قدموا، ولسان حالهم يقول:(يَا ويْلَنَا) فهذا مقول لقول محذوف مفهوم من حالهم، فهم قائلون بلسان الحال: يا ويلنا، ينادون ويلهم، كأنهم ينادون الهلاك؛ لأن هذا وقته، فهم بهذا يتوقعون الهلاك وينادونه كأنهم يستعجلونه، إذ إن من يكون في حال فزع وهلع يرون أن تزول هذه الحال، ولو بنزول الهلاك العاجل؛ لأن حال الانتظار أشد على النفس وقعا وبقاءها مرير مع الهم الشديد.
(1) رجل شَاذَبٌ إِذا كان مُطَرَحا، مأيوسا من فَلاحِهِ كأنه عَرِيَ من الخير، شبه بالشَّذَبِ، وهو ما يُلْقَى من النخلةِ من الكَرانِيفِ وغير ذلك.