الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
(44)
وأشار سبحانه إلى تكذيب فرعون لموسي ولأصحاب مدين الذين بعث فيهم شعيب بالتوحيد، وبالإصلاح الاقتصادي فقالوا له:(. . . ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ. . .).
وبعد أن أشار سبحانه إلى هؤلاء الأنبياء وأقوامهم الذين عاندوا وكفروا وأفسدوا قال سبحانه وتعالى: (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ).
" الفاء " هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، " أمليت لهم " أعطيتهم ملاوة من الزمان وأمهلتهم، ثم أخذتهم أخذا شديدا، فانظر كيف [كان]" نكير " ياء المتكلم محذوفة، فانظر كيف كان نكيري عليهم، فكيف كان قوم نوح كما [أشركوا] أغرقوا، وقوم لوط أهلكوا، وفرعون والملأ معه قد انطبق عليهم البحر، فكانوا من المغرقين.
وعمم سبحانه مآل الجماعات الظالمة، فقال تعالت آياته:
(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ
(45)
" الفاء " عاطفة على قوله تعالى: (فَأَمْلَيْتُ)، و " كَأَيِّنْ " بمعنى " كم " الخبرية الدالة على الكثرة، والمعنى فكثير من القرى، وهي المدن العظيمة بمعنى القبيلة المجتمعة في المدائن، أو الإقليم، والمعنى كثير من القرى أهلكها اللَّه تعالى بمعنى أهلك أهلها، وأضيف الهلاك إلى المكان؛ لأنه تخرب وتهدم، وسقطت عروشه على جدرانه وخوى، فكأن الهلاك أصابها في المظهر، وإن كان لَا يقع إلا على السكان، وقد ذكر اللَّه سبحانه أن ذلك كان والحال أنها ظالمة، فنسب إليها الظلم، وإن كان من أهلها، وذلك لعموم الظلم في كل ربوعها، وكل كيانها، فأكل أموال الناس بالباطل، وإشراك باللَّه، واعتداء على الضعفاء، وعدم إقامة لأي نوع من
أنواع العدل، فلا عدل في قانون، ولا قضاء، ولا اجتماع، بل فساد في فساد، وقال تعالى:(وَهِيَ ظَالِمَةٌ)، ولم يقل ظالمة، للإشارة إلى أن الهلاك جاءها، والظلم محيط بها لَا تخرج عنه، ولأن في التعبير بالحال يدل على التلبس به؛ ولأن كلمة " هي " لتأكيد الظلم، ففيه تكرار لذكر القرية، ثم قال تعالى:(فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)، " الفاء " عاطفة على (أَهْلَكنَاهَا)، و (خَاوِيَةٌ) بمعنى الخواء والفراغ وبمعنى السقوط، وإن العذاب الذي كان ينزل بأولئك الظالمين الذين أشركوا باللَّه، وعاثوا في الأرض فسادا، كان يجيئهم بصواعق تنزل بهم أو أمطار بحجارة من سجيل، أو نحوها كجعل عالي الأرض سافلها، ومن شأن هذا أن السقوف، وهي العروش المذكورة في الآية تهوي، ثم تتحطم أو تسقط الجدران من بعد على العروش، ولذا نرجح أن يكون تفسير الخاوية بسقوطها متهدمة على العروش.
(وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)، معطوفة على (قَرْيَة)، وتعطيل البئر كناية عن فناء الذين كانوا يردون إليها يستسقون منها، ومعهم نعمهم، وغيرها، ومعنى هذا أنه لم يكن أحد من أهلها يأخذ الماء ليحيى به هو ودوابه، بل ذهب كل ذلك، فتعطلت الحياة والأمواه.
(وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مرتفع ومجصص بالجص مزين، أي أنه تعطل كما تعطلت البئر، وأصبح خاويا لَا ساكن فيه، وقد بناه للزينة والراحة، فذهب وبقي القصر، أو تهدم كالقرية أو في ضمنها، وقد أراده للبقاء.
* * *
في الأرض في الماضين عبرة
قال اللَّه تعالى:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)