الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونراه صار مكونا من حديد ممسوكا بالنحاس، فصار قويا سادًّا كل الثغرات، وبذلك صار مرتفعا عاليا فوق طاقتهم أن يرتفعوا إلى أعلاه، وينزلوا إلى أسفله عند الذين استغاثوا منهم؛ ولذا قال تعالى:
(فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا
(97)
إذا كان قد بني ذلك البناء المحكم، وبأدوات قوية لَا تنقض، وبهندسة نضدت زبر الحديد، وأسكب ذَوْبَ النحاس، فإن يأجوج ومأجوج لَا قبل لهم بالوصول إلى أرضهم يبيدون فيها الحرث والنسل.
(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ)، أي أن يعلو إلى ظهرِه، لأنه بني مرتفعا ارتفاعا فوق طاقتهم أن يصعدوا إليه، (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) وما استطاعوا أن ينقبوه في جانب من جوانبه؛ لأنه حديد مصهر ثم تجمد مستقا.
وبعد أن وفق ذو القرنين ذلك التوفيق.
(قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
(98)
بعد أن عمل ذلك العمل - الذي لَا مثيل له في تاريخ البشر إلى عصر من عمله - لم ينسبه إلى نفسه، بل جعله من ربه، والإشارة في (هَذَا رَحْمَةٌ من رَّبِّي) إلى أن البناء وتدبيره، ومادته، ليس من قدرة الإنسان إنما هو من توفيق الديان وقال: إنه من رحمة اللَّه بعباده؛ لأن من رحمته تعالت قدرته أن الفساد وأهله يُدفع بأهل الخير والصلاح (. . . وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
ولم ينس اليوم الآخر، والبعث فجعل الحد لزمانه هو يوم البعث، فقال:(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ)، أي يَتَدكْدَك ويجعله أرضا مستوية، لَا علو فيها، ولو كان من حديد ونحاس.
ثم أكد البعث فقال: (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) لَا يرتاب فيه عاقل، واللَّه أعلم.