الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويسيرون طويقهم غير مدركين حقا، والإنذار يزعج حسهم، وربما يهتدون، وإلا فهم في طريق الغواية سائرون وإن هؤلاء ربما يمهلهم اللَّه إلى يوم القيامة، حيث الحساب ثم العقاب على ما اقترفوا، وقد أنذر المشركين بما عصى الذين من قبلهم فأهلكهم اللَّه تعالى، ولقد قال تعالى:
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا
(98)
القرن: الجماعة من الناس التي تعيش في عصر واحد، فالقرن الجماعة، وليس الزمن، والرِّكز هو الصوت الخفي، ومعنى ذلك أنهم أبيدوا، وصارت آثارهم تنبئ عنهم ليكونوا عبرة المعتبرين، وليكونوا المَثُلات لمن يرتكبون مثل ما فعلوا، والركز يقال لكل شيء مختف، فيقال ركز الرمح، أي اختفى في الأرض والرِّكاز المال المختفي. كذلك قال الزمخشري في الكشاف.
وإن هذا بلا ريب إنذار للمشركين في الدنيا بالهلاك والدمار، كما كان لقوم نوح إذ أغرقهم، ولقوم هود وصالح إذ جاءتهم ريح صرصر عاتية، ولقوم لوط إذ جعل سبحانه وتعالى أرضهم عاليها سافلها.
وهكذا، ولكن المشركين لم ينزل سبحانه ذلك بهم، ولكنه ذكره لبيان عاقبة الكفر أولا، وعظيم قدرته ثانيا، وما يتعرضون له ثالثا، أما مشركو مكة فلم ينزل بهم ذلك العذاب المستأصِل؛ لأنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا بد أن تبقى طائفة من أمته ظاهرة على الحق داعية إليه سبحانه، وقد كان من أولئك المشركين من هداه اللَّه وكان قوة للمؤمنين وعزًّا للإسلام، وكان من ذرية العاتين من صار من نصراء المؤمنين كعكرمة بن أبي جهل، والله بكل شيء عليم.
* * *