الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنفسهم بما ألقى الله تعالى في قلوبهم من علم بالصدق والصبر الضابط للنفس (أَنَّه الْحَقُّ)، الضمير يعود على القرآن الذي ذكر الله تعالى أنه أحكمت آياته، بعد دفع إغواء الشيطان ووسوسته عن الرسل والأنبياء من وقت مبعثهم إلى أن قبضهم اللَّه سبحانه وتعالى إليه.
وقوله: (أَنَّهُ الْحَقُّ)، فيه قصر، لتعريف الطرفين أي أن القرآن الكريم هو الحق، فليس حديثا يفترى ولا أساطير الأولين، (فَيُؤْمِنُوا بِهِ)، ولذلك يؤمنون به و " الفاء " للسببية، أي بسبب علمهم يؤمنون به (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)، الإخبات قال فيه الراغب في مفرداته: الخبت المطمئن من الأرض، وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله نحو أسهل وأنجد، ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع، والمعنى تواضعت قلوب المؤمنين، ولم تمار في الحق قلوبهم، بل أخبتت وسكنت إلى الحق.
و" الفاء " في قوله تعالى: (فَيُؤْمِنُوا) فاء السببية أو عاطفة على العلمِ الذي أوتوا، وكذلك " الفاء " في قوله تعالى:(فَتُخْبِتَ)، ثم قال تعالى:(وإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ)، أي أن اللَّه من شأنه جل جلاله أن يهدي الذين آمنوا بأن سلكوا إلى الطريق الأقوم أو شرعوا فيأخذ اللَّه بأيديهم، والصراط هو الطريق المستقيم، وهو صراط اللَّه تعالى، كما قال تعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ. . .).
وقد أكد سبحانه هداية الله تعالى المؤمنين إلى الصراط المستقيم بـ (إن) المؤكدة وبـ " اللام " وبـ " الجملة الاسمية ".
(وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
(55)
(وَلا يَزَالُ) معناها استمر، وكأنه كان يتوقع بتوالي الأدلة، وتضافر الإثبات أن يزول ريبهم، ولكنه لم يزل بل استمر، والمرية: الشك، والضمير في
(مِنْهُ) يعود على القرآن، فبينما الذين أوتوا العلم وهبوا اليقين أنه الحق من ربهم وخالقهم وذارئهم، ولا يمكن أن يكون إلا حقا لتوالي التحدي وتوالي العجز، (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كفَروا فِي مِرْيَةٍ منْهُ)، وإنهم مستمرون على هذا الشك (حَتَّى تَأتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً)، أي القيامة وينتهي الكون، وهم في ضلالهم القديم، (أَوْ يَأتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)، في هذا اليوم الذي وصفه اللَّه تعالى بالعقيم، وأنه لا خير فيه، ولا ثمرة تنتج منه، ويحتمل أن يكون يوم القيامة ويكون عقمه في أن كل يوم له يوم يعقبه، وكأنه عقبه الذي أنجبه، أما يوم القيامة فليس له تالٍ يكون كالعقب له، والسياق يجافي ذلك؛ لأن الساعة يوم القيامة و (أَوْ) تقتضي أن يكون اليوم العقيم غيره، ويحتمل أن يكون يوما كيوم بدر، ووصف بأنه عقيم؛ لأن فيه قطعت أرحام قطعها المشركون، وفيه حرمت النساء من أولادهن فصاروا كأنهم لم يلدوهم، ولأن يوم بدر وأشباهه يوم حرب، ويوصف رجاله ومقاتلوه بأنهم أبناء الحرب، والحرب لَا تنتج، فهي عقيم، ثم هو لَا خير فيه للمشركين، فهو يوم عقيم، ويقال كما في القرآن الكريم:(. . . الرِّيحَ الْعَقِيمَ)، أي لَا مطر فيها ولا خير.
هذا، وإن الكافرين يستمرون في مريتهم، والشك حيرة واضطراب، حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم يوم يقاتلون فيه، ولا خير فيه يعود عليهم، بل شرٌّ مستطير، فهو يوم عقيم، واللَّه يهدي من يشاء بإذنه.
* * *
الملك لله يوم القيامة
قال اللَّه تعالى:
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)