الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدرة الله تعالى القهار، أو لعل القول اللين يجعله يحس بضعفه أمام قدرة الله تعالى فيخشى بطش الجبار الذي فوق بطشه، وقدرته فوق قدرته، وقهره فوق قهره.
بعد هذا الأمر الصادع الذي لَا مثنوية فيه استجابا ولكن الحذر لَا يفتر بقوته، ولذا قال الله عنهما:
(قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى
(45)
ابتدءا كلامهما بالالتجاء إلى الله الذي فوق كل جبار في الأرض، ولو كان فرعون، قائلين (ربَّنَا) أي الذي خلقنا ورئنا ويعرف ما عندنا من قدرة، وما عنده من طغيان ومدى ما نستطيعه معه، ومدى مسارعته إلى الشر، وعدم تردده (إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) والفرط التقدم بالأذى والمسارعة إليه، فالفارط المتقدم السباق، ويقال فرس فارط، أي سابق الأفراس المسابقة، وبذلك يعاجلنا بالإهلاك أو الأذى قبل أن نرشده إلى رسالتك بلين القول أو جفائه (أَوْ أَن يَطْغَى) إذا سمع ولم يعجل بالإهلاك فيقول في طغوائه ما لَا يليق بمقامه الأعلى، أو يذهب به جبروته إلى منعنا من الدعوة وتضييق سبلها، أو ينزل بنا عقابا لَا يمكننا من الاستمرار في الدعوة، وفي الجملة يتبع معنا طرائق طغيانه من تعذيب وإيذاء مستمر، فطغيانه لَا حدَّ له، كما تعلم: قال الله تعالى لهما:
(قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى
(46)
خاطبهما الله تعالى بعزته وجلاله مشيرا إلى أنهما في حمايته وكلاءته، وأنه يسمع ويبصر، فكيف يكون نهى عن الخوف، والنهي عن الخوف كيف يكون وهو فزع من الأمر المخوف إذ هو أمر نفسي لَا يقع تحت قبضة الخائف؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إن المراد الأمر بالاطمئنان وقرار النفس، وأن يشعرا بجلال الله تعالى، وأنه معهما، ولذلك أعقب سبحانه وتعالى النهي عن الخوف بأنهما في معية الله تعالى فقال:(إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) أي إنني في صحبتكما أسمع قوله إذا هدد وأنذر، وأبصر فعله إن حاول سوءا أو أنزل بكما أذى، وإن هذا تبشير بأنه إن حاول أن يبطش بهما نزلت به البطشة الكبرى من رب العالمين.