الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقابا يعم، ولا يصيب الذين كفروا خاصة؛ ولذا قال تعالى:(بِل لَّهُم مَّوْعِد لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا) الإضراب في (بل) هو عن نتائج الشرطية السابقة لرد ما بعدها، (لَّهُم مَّوْعِدٌ) وهو أن ينزل بهم العقاب الدنيوي بالجهاد وأن يديل منهم، ثم بعده العقاب الأخروي، وكلاهما له موعد لَا يتقدم، ولا يتأخر، ولا محيص عنه (لَن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا)، أي ملجأ فهو نازل بهم في ميقاته لَا خلاص لهم منه، وأمامهم العبر، يعتبرون بها؛ ولذا نبههم اللَّه تعالى إليها فقال:
(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا
(59)
القرى المدن الكبيرة أو الدول الكبيرة، والمراد بالقرى ليست الأماكن، إنما أهلها؛ ولذا قال:(أَهْلَكْنَاهُمْ) لضمير العقلاء (لَمَّا ظَلَمُوا)، أي عند ظلمهم، وجعلنا لمهلكهم موعدا، أي مكناهم من أن يرجعوا عن غيهم وضلالهم، (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)، ومَهْلِك مصدر ميمي، وبين أيدينا أخبار الرسل مع أممهم من قوم نوح إلى قوم هود وصالح، وشعيب، وإبراهيم، ولوط.
* * *
موسى عليه السلام والعبد الصالح
قال اللَّه تعالى:
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
* * *
قص اللَّه تعالى في سورة الكهف ثلاث قصص تدل على قدرة اللَّه تعالى في أن يودع الإنسان من القوي ما يكون خارقا، وما يكون دالا على أن اللَّه يبدع ما لا يعرفه الناس في أعرافهم وبمقتضى سنة الوجود الإنساني التي سنها اللَّه تعالى له في هذه الأرض.
أولى القصص الثلاث - قصة أهل الكتاب الذين ناموا لتسع سنين وثلاث مائة، وتراهم أيقاظا وهم رقود، ويقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، وقد تلونا من قبل الآيات الخاصة بهم، وذكرنا ما أدركنا من معانيها.
والقصة الثانية - قصة عبد صالح آتاه اللَّه من لدنه رحمة، وآتاه بعض العلم بالأسباب فيما يقدره اللَّه سبحانه وتعالى وصاحب نبيا من أولي العزم من الرسل، وهو موسى عليه السلام، ونتلو بين يدي القارئ قصصها إن شاء اللَّه تعالى.
والقصة الثالثة - قصة رجل آتاه اللَّه علما وحكمة وإذا كان لم يؤته علم الغيب فقد آتاه اللَّه تعالى علم الأشياء وما في الأرض وبه ختمت السورة.
وإذا كانت القصة الأولى تنبئ عن قدرة اللَّه تعالى في الإحياء، وفي بقاء الحياة مع اختفاء الحركة، والقصة الثانية تنبئ عن أن لكل شيء سببا، وإن كنا لا نعلمه فآتى اللَّه عبده الصالح علم بعضه، ففي القصة كيف يمكن أن تكون الأرض وما فيها علما للإنسان يأتيه بعقله واختياره فيأتي بالعجائب، بعد هذه المقدمة القصيرة نتناول آيات العبد الصالح.
كان موسى يسير مع فتاه على سيف البحر، يبدو أنه سيف البحر الأحمر من جهة الشرق، وجد العبد الصالح أنه وفتاه يسيران حتى بلغ مجمع البحرين، وإليك الآية الأولى قبل اللقاء بالعبد الصالح: