الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجبروت اختبارا لنفسك، وكل فعل وقول محتسما عليك، وختما قولهما بإلقاء الأمن بعد الإرهاب المفزع له، ولو كان فرعون مصر، فقالا:(وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)، أي إن الأمن والاطمئنان والدعة وعدم الانزعاج يكون لمن اتبع الهدى، فإن لم تتبع الهدى فلا أمن ولا اطمئنان، بل انزعاج وعدم استقرار، وإرهاب من الله، ولو كنت فرعون، ووحَّدا الآية وهما اثنتان؛ لأن المراد ما به البرهان على الرسالة وواحدة كافية.
أخذا يخاطبانه بالرسالة التي بعثا بها، فقالا:
(إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى
(48)
أي أن الرسالة التي بعثنا بها وأُوحي إلينا من الله معناها ولبها (أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وتَوَلَّى) وأعرض موليا الداعي بوجهه نائيا بجانبه عنه، وهنا إشارتان: إحداهما أن موسى عليه السلام كان ربه يكلمه ويوحى إليه، والثانية: أنهما ابتدءا الدعوة بالجزء المخوف منها، وهو العذاب لمن تولى وأعرض ونأى بجانبه عن الدعوة؛ وذلك لأن الجبابرة يرهبهم الأمر المغيب عنهم ويفزعهم فيحاولون من بعد إرهابهم الاستماع إلى القول، وإن كانت عاقبة الاستماع في الاستجابة غير محققة، فالشر ينازع نفوسهم، ويقاوم الخير، فأيهما غلب كانت العاقبة له.
وقد أكد سبحانه الوحي وموضوعه بـ " قد "، و " أنَّ ". ولقد كان ذلك الترهيب له أثره فقد اتجه إلى الاستفهام والتعرف. . .
(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى
(49)
كان الخطاب لهما ولكن اختص موسى بالذكر؛ لأنه المتكلم باسمهما، فما كانا يتكلمان معا، بل كان يتكلم موسى ويوافقه هارون، لأن هذا وزير، وذاك الرسول المبعوث، ولأنه كان يأنس موسى، لأنه تربى في كفالته، ورعايته، وهو قريب إلى نفسه مع ما بينهما من بعد بالهداية في موسى، والكبرياء الضال في فرعون، وقال الزمخشري: لأنه كان يعلم رُتَّة لسانه ويريد أن يحرجه في البيان، ويستدل على ذلك بقوله عندما احتدم الخلاف: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ منْ