الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلقْت في ستة أيام أي أدوار في التكوين بتدبير الله العزيز العليم، فخلق الله الأرض في يومين هما دور انفصالها عن الكتلة الشمسية، وتكوين طبقتها الأرضية الظاهرة، وبقاء باطنها ملتهبا كأصلها، ويبدو أحيانا شيء منه في براكين تقذف بالحمم والسعير، وبعد أن تكونت القشرة الأرضية كانت أربعة أدوار أخرى، فيها تكونت الجبال الرواسي، والسبل الفجاج، وتكون السحاب والمياه العذبة، والإنسان والحيوان والزروع والثمار، وكانت الأرض، هذا المهاد والفراش، وانتهى أمر الله بأن جعل من الماء كل شيء حي، فكان النبات والحيوان من الماء العذب، وكانت البحار موطنا ومحيا للسمك اللحم الطري.
(فَفَتَقْنَاهُمَا)" الفاء " عاطفة للترتيب والتعقيب، وكان التعقيب لأنه لم يكن بين الرتق والفتق أمر كوني آخر، وكل شيء من فعل الله تعالى يكون بقوله تعالى؛ " كن فيكون " ولا فاصل من الزمان بين قول الله " كن " وما يكون.
وقوله: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُل شَيْء حَيٍّ) كان فيه أدوار أربعة، كما قدر العزيز الرحيم، ثم قال تعالى:(أَفَلا يُؤْمِنونَ)" الفاء " لترتيب التوبيخ بعدم الإيمان على ما قبلها، و " الفاء " مؤخره عن تقديم، والمعنى: فألا تؤمنون، والاستفهام لإنكار الواقع وهو عدم الإيمان، وإنكار الواقع بمعنى التوبيخ والتعجب من الكفر مع قيام الأدلة على وجوب الإيمان، فالفاء لترتيب التوبيخ على ما بين الله تعالى من خلق السماوات والأرض من خلق الأرض من السماء وخلق الأرض في ستة أيام.
وقد بين سبحانه الأرض وما يرى فيها بالعين والبصر، لَا بالعلم والإدراك كما قال تعالى:
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
(31)
الرواسي هي الجبال، وهي جمع راسٍ، وفواعل تكون جمعا لما فيه التاء، وتكون جمعا للخالي من التاء، إذا كان وصفا لَا يعقل، وهي هنا وصف للجبال).
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ) وهنا ذكر الوصف وحذف الموصوف، أي جبالا رواسي أي ثابتة، والجَعْل خلق لأمر موصوف بوصف معين،
والخلق مجرد الإنشاء، أما الجعل فهو خلق لأمر أراده الله تعالى في التكوين، وهو أن يكون لأمر نافع للعباد، كما قال تعالى:(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَآيَتَيْنِ. . .).
وعلل الله كونه خلق الجبال وجعلها رواسي بقوله تعالى: (أَن تَمِيدَ بِهِمْ) والميد الاضطراب الشديد والحركة التي لَا يكون معها قرار وثبات، ويتحقق أن تكون فراشا، وأن تكون مهادا، ومستقرا، وتقدير القول كما قال البصريون: كراهة أن تميد فتضطرب، ولا يكون لها قرار تثبت النفوس فيها وتطمئن وتسكن، وقال الكوفيون: إن معنى (أَن تَمِيدَ بِهِمْ): لئلا تميد بهم، وهو تقدير لفظي اختلف فيه، ولا يغير من المعنى اختلاف الآراء، بل المعنى في التقدير أن الجبال رواسي، فلا تضطرب الأرض وتكون فراشا وقرارا ومهادا.
وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا) الضمير في " فيها " قيل يعود إلى الجبال، والمعنى جعلنا في الجبال فجاجا فيما بينها، وهي الشُّعب التي تكون بين الجبال أو في الجبال نفسها، فمع أنها راسيات تكون فيها طرق يستطيع السائر أن يسير فيها في علوها، كما ترى في جبال الأطلس في الجزائر وتونس والمغرب.
ولكنا نرى أن الضمير يعود إلى الأرض، أي جعلنا في الأرض فجاجا أي طرقا واسعة، فالفج هو الطريق الواسع، وهو في أصل وصفه للطريق بين الجبلين كأنه شق بينهما شقا، وتوسع فيه حتى صار يشمل كل طريق، جاء في المفردات: الفج شقة يكتنفها جبلان ويستعمل في الطريق الواسع، وجمعه فجاج، قال تعالى:
(مِن كل فَجٍّ عَمِيقٍ).
وقد اخترنا - كما ذكرنا - معنى الطريق لأمرين أولهما: أنه سبحانه وصف الفجاج بأنها سبل أي سبل معبدة، وثانيهما: أنه سبحانه وصفها بأن الغاية منها أن تكون طريقا للهداية والتعرف لمسالك الأرض في غير ضلال في متاهاتها، وهذا أنسب لمعنى الطريق الواسع.
قوله تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي لتدركوا الهداية في طرائق الأرض، وألا تتيهوا في متاهاتها، وإنه بهذه الفجاج لعلكم ترجون الهداية، فهم إذا أدركوا