الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجوز أن يخاصمهم ويغاضبهم وإلا زادهم نفورا، فالرفق يدني، والغضب يبعد، وهو بهذه المغاضبة خالف ربه (1)، وقد حسب أن النبوة أمر هين لين، بل أشق أعمال البشر.
وقال تعالى: (فَظَنَّ أَن لَّن نَقْدِرَ عَلَيْهِ) هنا تأويلان لمعنى (أَن لَّن نَقْدِرَ عَلَيْهِ)، أولهما: أن نقدر في معنى فقدر عليه رزقه، أي نضيق عليه، فالمعنى: فظن أنه لن نضيق عليه، وحسب أن النبوة ليس فيها ضيق، وقد عاقبه الله تعالى بأن التقمه الحوت (2)(فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ) أي ظلمات جوف الحوت (أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ) أي تنزهت ذاتك، وفي هذا القول معنى الضراعة الكاملة والالتجاء إلى الله وطلب نصرته، وإنقاذه والاستغاثة به؛ ولذا قال بعد:
(1) الأولى مراعاة الأدب مع نبي الله يونس عليه السلام والذي أميل إليه أنه خرج غاضبا لله تعالى. اهـ (مصحح النسخة الألكترونية).
(2)
عبارة فيها بشاعة، والمؤلف في هذا تابع للزمخشري - غفر الله تعالى لنا ولهم. اهـ (مصحح النسخة الألكترونية).
(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
…
(88)
التأويل الثاني: أن معنى قوله تعالى: (أَن لَن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)، أي لَا نقدر اليسر والفرج، وأحسب أن التأويل الأول أكثر ملاءمة للآية الكريمة ولمقامه.
(فَاسْتَجَبْنَا لَه)، أي أجبناه، والسين والتاء للطلب، وهما يدلان على شدة الإجابة وشدة الرفق، وكانت التعدية بـ " اللام "، مع أن " أجاب " تتعدى بنفسها؛ للدلالة على كمال العناية به وترادف النعم عليه، وقال تعالى:(وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) الغم هو الألم الذي يصم النفس ويصيبها بغمة شديدة وهم واصب، وذلك من أثر المغاضبة التي غاضب بها قومه، وخرج عليه السلام عن سُنة النبيين الهادين المرشدين، (وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) أي كهذه النتيجة التي نجينا بها صاحب الحوت ننجي المؤمنين، فلا ندع مؤمنا في غم، بل نفرج عنه.
وهنا أمران بيانيان نشير إليهما:
أولهما - أنه حذف من القول ما أنبأ به سياق الكلام، فلم يذكر التقام الحوت له، ولكن أشير إلى ندائه في ظلمات جوف الحوت ودل على التقامه والشدة الشديدة التي كان فيها يونس، وأنه كان في ظلمات لَا يعرف لها نهاية ولا غاية، وذلك من الإيجاز بالحذف الحكيم.