الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأرض من الملائكة ومن الناس إلا وهو يأتي الرحمن، أي يأوي إليه ويلتجئ إلى ربوبيته عبدا منقادا مطيعا خاضعا خاشعا راجيا كما يفعل العبيد، وكما يجب عليهم لَا يدعى لنفسه ما يدعيه له هؤلاء الضُّلال، ونحوه قوله تعالى:(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ. . .)، وكلهم منقلبون في ملكه مقهورون بقهره، وهو مهيمن عليهم، محيط بهم، ويحمل أمورهم، وتفاصيلها، وكيفيتهم، وكميتهم، ومجيئهم، لَا يفوته شيء من أحوالهم.
وقوله تعالى:
(لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا
(94)
فيه معنى إحاطة علم اللَّه تعالى بهم وبأحوالهم وبأشخاصهم كما نقلنا عن صاحب الكشاف، وفيه أيضا إنذار للعصاة المذنبين، بأنه سبحانه وتعالى سيحاسبهم بمقدار تلك الإحاطة الشاملة، والمعرفة المتقصية التي لَا تدع صغيرة ولا كبيرة إلا دخلت في إحصائها، ولذا قال تعالى بعد ذلك:
(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا
(95)
أي آتي اللَّه تعالى منفردا عما كان يعتز به من مال وبنين وعشيرة، ونفر وقوة، ولا شفيع ولا نصير، ولكن يلقون اللَّه تعالى بأعمالهم مجردة، وبأشخاصهم مجردين، وإن ذلك يوم القيامة، يوم يحاسب كل واحد على ما قدمت يداه، ويؤتى كتابه فيه إحصاء ما عمل، وتنطق أيديهم وأفواههم بما كانوا يقترفون.
وبعد أن بين اللَّه تعالى حال الكافرين من عبدة الأوثان، ومن كذبوا على اللَّه وقالوا اتخذ اللَّه ولدا، بين اللَّه سبحانه وتعالى حال المؤمنين في الدنيا فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا
(96)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا)، فسبقوا إلى الإيمان مذعنين للَّه، وقووا إيمانهم بالعمل الصالح، فالإيمان من غير عمل صالح يزكيه وينميه مآله أن يكون خاويا فارغا،