الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكرامة، ووصف اللَّه العبد الصالح قال:(آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) الرحمة النعمة، والرحمة بالناس إذ يفعل ما يكون فيه صالحهم قابلا، وإن لم يعلموه عاجلا، والعلم الذي من لدن اللَّه تعالى العلم بعواقب الأمور، بالإدراك الباطني، وقد وازن بعض المفسرين بين علم موسى، وعلم العبد الصالح الخضر، فقال: علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه لَا تعطى ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها، وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم.
والحق أنه يضاف إلى ذلك أن علم الخضر علم الأسباب في بواعثها، وعلم موسى علم الأسباب في واقعها، كما سنرى ذلك في المجاوبة التي كانت بينهما.
طلب موسى عليه السلام من أن يأذن له باتباعه، فقال:
(قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا
(66)
سأل موسى عليه السلام الخضر سؤال التلطف المستأذن في الاتِّباع، فلم يرد أن يظهر بمظهر المقحم لنفسم المتهجم بها، وقد قال القرطبي:" هذا سؤال الملاطف، والمخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب، المعنى: هل يتفق لك، ويخف عليك " وهذا بلا ريب تعليم لآداب الصحبة أنها تكون باتفاق النفوس، وتلاقي القلوب، والاستفهام لبيان إرادة الاتباع في أبلغ أدب، وبين سبب ذلك الطلب، فقال:(عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)، و (رُشْدًا) مفعول لـ (تُعَلِّمَنِ)، أي أتبعك على أن تعلمني رشدا مما علمت، و (عَلَى) تفيد الشرط، أي أن هذا الاتباع لغاية؛ ولذا كان شرطها أن تعلمني رشدا مما علمك الله تعالى، وبني الفعل للمجهول؛ لأن المجهول في اللفظ معلوم في الحقيقة، فقد سبق قوله تعالى:(وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) وتوقع الخضر عليه السلام ألا يصبر؛ لأنه ستقع منه أمور غريبة في ظاهرها، ولا يصبر أحمد على الغريب من غير أن يتعرفه، فقال تعالى: