الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بينهما تسع سنين على أساس أن كل ثلاث وثلاثين سنة وثلث يزاد سنة واحدة، وبهذا يكون العدد ما ذكره القرآن الكريم بعبارته وإشارته.
متى ابتدأت هذه المدة؟ المتفق عليه أنها ابتدأت بعد المسيح عليه السلام، وإنها ابتدأت عندما أخذ الوثنيون يضطهدون أتباع المسيح عليه السلام، وأن اللَّه تعالى كشف الغمة التي كان ضربها على آذانهم في عصر زال فيه الاضطهاد، أو كان الحاكم أو الجمع الذي حضر يقظتهم من رقودهم كان الاضطهاد لم يكن فيه قائما بدليل العمل على تكريمهم وبناء مسجد على مدافنهم، مع التأكد من المدة تسع وثلاثمائة، أو ثلاثمائة فقط إذا كانت شمسية، وإنه لهذا يجب أن تمضي هذه المدة بين عصر الاضطهاد، وعصر الأمان مع بقاء المسيحية على ما كانت عليه.
ولقد يقول بعض المفسرين إن اختفاءهم كان في عهد دقلديانوس، وقالت كتابات النصارى في أخبار شهداء النصرانية وفي كتاب الكنز الثمين: إن اختفاءهم في الكهف كان سنة 252 ميلادية، وظهورهم كان سنة 447، ولا شك أن القرآن يكذِّب هذا، وهو أصدق قيلا؛ لأنه في سنة 447 كانت النصرانية قد سادها التثليث، وإن لم يكن استغرق كل أهلها، بل لَا تزال منهم أمة كمقتصدة.
وقول المفسرين إن التزامهم الكهف كان في عهد دقلديانوس فيه كلام؛ لأن دقلديانوس كان في القرن الثالث في آخره، والواقعة التي أنزلها بنصارى مصر كانت سنة 284، فإذا كان الاختفاء في آخر القرن الثالث فيجب أن يكون الظهور في آخر القرن السادس وكانت قد عمت ديانة التثليث، اللهم إلا أن يكون صادف ظهورهم ملك لَا يزال على دين المسيح، ولا يؤمن إلا بأنه عبد اللَّه ورسوله، ولهذا نحن نميل إلى أن أهل الكهف كانوا على مقربة من عصر المسيح، وأنهم ظهروا قبل أن يسود النصرانية التثليث، ومهما يكن الأمر فإننا لَا نؤمن في أخبارهم إلا بالقرآن وحده؛ ولذلك لَا نتلو إلا القرآن، كما قال تعالى:
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا
(27)
قال بعض المفسرين إن هذه الآية آخر ما يتعلق بقصة أهل الكهف، وإنا وإن كنا لَا نقول إنها جزء منها، وليست متممة لها، ولكن لها صلة بها من حيث إن
الصدر الصادق الثابت لها هو القرآن فليس ثمة مصدر حق سواه؛ ولذا جاء بعده ما يدل على كمال صدقه وكمال العناية به، وهذه الآية تدعو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه إلى مدارسته، وتلاوته والعكوف عليه وتعرف أحكامه، والأخذ بها أمرا ونهيا، وطاعته في ظاهر نفوسهم وباطنها.
قال تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ) منْ هنا بيانية، (وَاتْلُ) معناه اقرأه مرتلا متلوا متفهما لمعانيه متيقظا له ذكر (مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ) قبل (كتَابِ رَبِّكَ) للإشارة إلى أن السبب في هذه العناية والدراسة والتلاوة أنه أوحي إليك فهي رسالتك التي حملتها، ووجب عليك تبليغها، كما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. . .).
وذكر سبحانه وتعالى أن الموحى به المتلو هو (كِتَابِ رَبِّكَ)، و (مِن) كما قلنا بيانية، وأنه ثابت قائم كل ما فيه من أحكام حق وكل ما فيه من أخبار صدق (لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ)، أي لَا مغير لكلمات الله، ولا بدل لها يماثلها صدقا وحقا، فلا يوجد مبدل ولا بديل، وهي المعتصم للمؤمن، والحجة الخالدة إلى يوم القيامة، وهو معتصمك يا محمد، وحجتك، وملجؤك الذي تعتمد عليه والله مؤيدك عليه، (وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا)، أي لن تجد من غيره ملجأ أو موئلا، فهو سنادك الذي جعله اللَّه تعالى لك عمادا وملجأ وحجة تحتج بها، وهي في ذاته عماد؛ لأنه الذي اشتمل على كل الدين.
وإن ذلك يوجب أن تعتمد عليه وحده، وعلى من آمن، ولا تستبدل بهم غيرهم، ولا تطع من يحاولون أن يفصلوك عن أهل القرآن أهل الإيمان؛ ولذا قال تعالى:
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
كان المشركون يتبرمون بضعاف المؤمنين، ويقولون كما قال أسلافهم لنوح عليه السلام:(. . . وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ. . .)، وكانوا في عنجهية الشرك وطغوائهم، قالوا عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم من الموالي والضعفاء متقززين: إن هؤلاء تفيح منهم رائحة الضأن، فبين اللَّه تعالى فضل هؤلاء وأنهم أتباع النبيين الذين بهم يقوم عمود الدين، ويكونون العصابة الأولى التي تكون قوته، وأنه يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحبس نفسه عليهم، ويصبر نفسه عليهم محتسبا ذلك عند اللَّه؛ ولأنهم القوة والدعامة، فقال تعالى:(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي)، أي احبس نفسك، واجعلها تصبر على معاشرتهم، وملازمتهم فإنهم قوة الحق وقوة الإيمان، وسيكون منهم الدعامة، والنصرة، وسيركبون بالحق على رقاب هؤلاء، كما سيكون في بدر ويركب عبد اللَّه بن مسعود على رقبة أبي جهل يحتزها.
وعبر بالموصول؛ لأن الصلة وهي قوله تعالى: (يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي)؛ لأن هذا السبب في التزامهم وحبس نفسه عليهم؛ لأنهم بهذا هم الذين أجابوا الدعوة وهم يعبدون اللَّه بالغداة والعشي، وهم لَا يريدون جاها ولا مالا ولا سلطانا، ولكن يريدون وجه اللَّه لَا يريدون سواه، فهم قد انصرفوا إليه سبحانه، وهم بذلك قد صاروا ربانيين خالصين للَّه تعالى، ثم قال سبحانه بعد أن أمره بأن يكون قريبا منهم:(وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدنيَا)، أي لا تقتحمهم عنك، وتجاوزهم معرضا عنهم تريد الذين يتزينون بزينة الحياة الدنيا، أي تعدوهم عيناك بأسمالهم وفقرهم تريد مَن عندهم زينة الحياة الدنيا، وهذا النهي يتضمن أمرين:
الأمر الأول - الحض على تكريم هؤلاء الضعفاء ومعاونتهم وإعزازهم والاعتزاز بهم.
الأمر الثاني - أن يجعل عينيه تظهر فيها مظاهر الإكبار لَا مظاهر الازدراء، (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ).
إذا كان قد أمره بأن يتطامن لأولئك الذين يعبدون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن يقبل عليهم إقبال المقرب المدنى فقد نهاه عن الذين يغفلون عن ذكر اللَّه، نهاه عن طاعتهم بطرد الأطهار الأبرياء الذين لَا يعبدون الأوثان وقوله تعالى:(أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا)، أي أنه لغروره وفساد نفسه شغل قلبه بالدنيا وما فيه وأغفله اللَّه تعالى عن ذكره، وإذا فرغ القلب من ذكر اللَّه تعالى سكنه الشيطان؛ ولذا قال تعالى بعد إغفال ذكر اللَّه، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)، أي غلبه هواه وصار عبدا لشهواته، ومن كان كذلك انحلت نفسه؛ ولذا وصفه سبحانه وصفا يفيد الانحلال النفسي فقال:(وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، أي أنه كان أمره منحلا مضطربا لا ضابط يضبطه، ولا خلق يكبح جماحه، فهو مهمل مضيع مسرف في كل أحواله.
* * *
الحق بيِّنٌ وكلٌّ له جزاؤه
قال اللَّه تعالى:
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
* * *